"انفرح شوا أنصرط اتسليت نغ" (لنفرح قليلا بلباس عروسنا)، تصدح أصوات نساء في أهازيج فلكلورية من قبائل بني وراين الامازيغية بإقليم تازة، وهن يزفن العروس في لحظة فرح يمتزج فيها الاحتفاء بالمرأة رمز الخصوبة وحفظ النسب، بالأرض المعطاء التي جادت بمحصولها.
وتعكس طقوس الأعراس بقبائل أيت وراين التي تستقر في منطقة الأطلس المتوسط الشمالي، المكانة الخاصة التي تحظى بها العروس من خلال الأهازيج التي ترددها النساء وهن يستقبلنها لدى وصولها إلى بيت أهل العريس، من قبيل لازمة "ترسيت ترست أتميمونت انو، ترسيت إرسن إربان دا"، ومعناها أن نزول الفتاة في الدار الجديدة سيكون له فأل حسن على العائلة بإنجابها الأولاد، أو "تروحد لالة تروحد اشسن دوولي"، ومعناه أن قدوم العروس إلى هذا البيت سيكون مصدر الخيرات من قبيل الخيول والغنم.
ويبرز الأستاذ الجامعي إدريس مقبوب، في بحث له حول "نظام الأعراس لدى قبائل آيت وراين الأمازيغية"، أن "الزواج عند قبائل بني وراين يتخذ بعدا خاصا، فهو ليس فك ارتباط بين العروس وأسرتها، ولكنه رمز للخير ومصدر الفأل الحسن بالنسبة لوالدي الزوج وهذا ما يجعل أهلها يجنبوها كل سوء في ليلة الحناء أو ليلة عرسها أو وقت إلباسها ثم خروجها من بيت أهلها".
ويضيف أن "الحياة الاجتماعية بدون عائلة لا طعم لها، بل إن الشاب الذي يبلغ سن الزواج لا يتريث أبوه حتى في استشارته في أمر تزويجه من فتاة تناسبه بل يصبح هذا الشاب، إن لم ينخرط في مؤسسة الزواج، فردا منعزلا لا قيمه له ولا يتم الاعتراف به إلا بعد الزواج".
وتتسم طقوس الزفاف بقبائل بني وراين بتنوعها وغناها إذ تنطلق المراسيم ب "أمعرقب" التي تعني الخطوبة، حيث تقصد العائلة الخاطبة بيت العروس بشكل رسمي محملة بالذبيحة وكل مستلزمات الطعام وبعض الهدايا الخاصة بالعروس، ويتم بهذه المناسبة الاتفاق على يوم "الدفوع" وتحرير العقد والمهر.
وفي يوم "الدفوع"، يقوم أهل العريس بتسليم ما تم الاتفاق عليه من مواد وهدايا للعروس ستحتاجها خلال ليلتي الحناء والعرس والتي تتكون، كما جرت العادة، من حناء ودقيق وسكر وزيت وتوابل وخضر وذبائح وكسوة وكسكس وهدايا أخرى من قبيل اللباس و"الشربيل" وهي مستلزمات يتكفل أب العريس بإعدادها.
ينطلق موكب "الدفوع" من منزل العريس نحو بيت أهل العروس على إيقاع أهازيج فولكلورية تؤديها فرقة "اعزابن" أو "العابن" عبر ترديد لازمة "أنشودة اللغا".
وتشكل ليلة الحناء أقوى لحظات مراسيم الزواج، حيث تعمل أم العروس وأختها الكبيرة المتزوجة على إحضار طبق يحتوي على حناء وبيض وقالب سكر والكحل والخاتم والحلي و"الحنديرة" و"الشربيل"، ويشرع في تزيين يدي ورجلي العروس بالحناء على إيقاع زغاريد وأهازيج نسائية.
وفي اليوم الموالي، تجتمع نساء الدوار استعدادا لليلة العرس، لتزيين العروس وإلباسها مع ترديد الأهازيج المؤثرة في نفوس الحاضرين خاصة العروس وأهلها وهي مبكية أكثر مما هي مسلية. وفي هذه الأثناء، جرت العادة أن يتحين أحد أقرباء العروس الفرصة لاختطاف أحد لوازمها وقد تكون عبارة عن فردة من حذائها أو "القبة" قبل وضعها على رأسها، لكي يقايض بها العريس بمقابل مالي.
ومن مميزات لباس العروس، "القبة" التي تضعها على رأسها بشكل يغطي وجهها بالكامل وهي عبارة عن غصن شجر الكرم مغشى بأنسجة صوفية يغلب عليها اللون الأبيض والأحمر والأسود، مرفقة بغطاء يدعى "السبنية" والموزون وتتوسطها مرآة.
وبعد عملية إلباس العروس، يتولى أحد أقرباء العريس حملها ونقلها على دابة في اتجاه بيت العريس وسط زغاريد ووصلات فلكلورية مع الحرص على أن لا تخطو بقدمها خطوة واحدة تجنبا لكل سوء أو ما من شأنه أن يعكر حياتها الزوجية.
وبمجرد وصول العروس إلى بيت أهل العريس، يتقدم "مولاي السلطان" (العريس)، إلى الدابة التي امتطتها العروس، ثم يمر تحتها وبين قدميها تتبعه أخته، وهي إشارة إلى أن أهل العريس لن يؤذوها وسيكونون في خدمتها. وفي هذه الأثناء، يلبس العروس والعريس كل منهما بلغة الآخر إشارة منهما إلى التفاهم والانسجام ودرءا لكل خلاف.
ولإضفاء أجواء من الوهج والسحر على ليلة العرس في منطقة تتميز بطبيعتها الخلابة، يتم إشعال النار وسط ساحة كبيرة تخصص لرقصة "أحيدوس" التي تضفي على أعراس أيت وراين أجواء من الفرح والحبور، إذ تنتظم فرقتان تمثل إحداهما دوار أهل العروس والأخرى دوار أهل العريس في شكل نصف دائري، ويؤديان لوحات راقصة وأهازيج باللغتين العربية والأمازيغية.
ويرى إدريس مقبوب أن "أحيدوس لا يجب أن يُنظر له بأنه القول الشعري فقط الذي يتفرع إلى نوعين وهما: "تيفارت" و"الذكير" اللذين يتقاربان في المعنى والشكل، ولكنه عبارة عن لوحة يتمازج فيها القول مع التعبيرات الجسدية ومنظومات اللباس"، مضيفا أن "كل هذه الأسس تجعل من أحيدوس نظاما دلاليا قائما بذاته، ولكنه ليس بمعزل عن الأنظمة الأخرى المرتبطة بها، أي أن طقس أحيدوس هو بمثابة مختبر تعلن الثقافة من خلاله عن تجلياتها القيمية، الاجتماعية والفنية، الجمالية والأخلاقية".
ويتواصل الحفل حتى ساعات متأخرة من الليل على إيقاع رقصات "أحيدوس" التي تشارك فيها النساء وهن في أبهى حللهن المزركشة بـ "الموزون" إلى جانب الرجال الذين يرتدون الجلاليب والعمامات البيضاء.
ويعتبر الباحث أن نظام الأعراس عند القبائل لا يشكل تفردا تتميز بها بقدر ما يجسد هوية ثقافية ونظاما اجتماعيا مبنيا على التعاضد والتماسك الاجتماعيين، مسجلا في نفس الوقت بدء اندثار بعض طقوس العرس الورايني نتيجة اختراق الثقافة المدنية لبنيات وهياكل المجتمع القبائلي الورايني.