الثلاثاء 11 مارس 2025
سياسة

الإخلاص والتفاني في العمل البرلماني.. تجربة عبد الرحيم الرماح

الإخلاص والتفاني في العمل البرلماني.. تجربة عبد الرحيم الرماح الرماح (يمينا) إلى جانب الشيخ بيد الله في إحدى جلسات اللجان البرلمانية
التجربة البرلمانية للصديق العزيز عبد الرحيم الرماح، تجربة رائدة، تمثل نموذجا متقدما للممارسة السياسية المسؤولة.
لم يكن حضور الصديق الرماح في البرلمان مجرد التزام شكلي أو بروتوكولي، بل كان انخراطا واعيا، حيث عمل بجد وإخلاص، وبصبر ونكران الذات، متجردا من المصالح الشخصية، واضعا المصلحة العامة فوق كل اعتبار. وهكذا، وهب البرلمان الكثير من وقته وجهده دون حساب، جاعلا من مهامه البرلمانية رسالة ومسؤولية، لا مجرد موقع أو صفة.
تجاوز الصديق الرماح الأدوار التقليدية للبرلماني ليؤسس نهجا جديدا في العمل التشريعي والرقابي، مستندا إلى رؤية سياسية عميقة، تستحضر دور البرلمان كفضاء دينامي لنقد السياسات العمومية وتقييمها وتوجيهها. لذلك تعامل مع البرلمان ليس كمجرد مؤسسة تشريعية فحسب، بل كساحة للنقاش العمومي المثمر والمنتج. ولم يكن هذا النهج مجرد ممارسة تقنية، بل انعكاسا لوعيه العميق بأن العمل البرلماني لا ينفصل عن حيوية المجتمع وتحولاته. ومن ثمة، انخرط في دينامية تجديدية تجلت في تنظيم أيام دراسية حول قضايا تشغل الفاعل السياسي والحقوقي والمدني، في سعي واع لخلق جسور بين المؤسسة التشريعية والمجتمع. وكانت الحصيلة أزيد من أربعين فرصة للنقاش العمومي من داخل مجلس المستشارين، كانت محط تنويه من طرف مختلف الفاعلين (حكوميين وبرلمانيين، سياسيين وجمعويين...).
ومن أهم ما ميز هذه التجربة أيضا، الحضور اليومي والدائم للصديق الرماح، فهو لم يكن مجرد عضو في المجلس فقط، بل كان نموذجا حيا للالتزام والمتابعة الدقيقة لمختلف أشغال اللجان والأنشطة البرلمانية. فقد حرص على المشاركة الفاعلة في كل الجلسات. لم يكن هناك مشروع قانون يُطرح إلا وكانت له فيه بصمة واضحة، يعبر من خلالها عن وجهة نظر، مستندا إلى خبرة ومعرفة عميقة. ولعل إسهاماته المتميزة في مناقشة مشاريع القوانين ذات الطابع الاجتماعي خير شاهد على خبرته العالية في مجال تشريع الشغل، وكذا حرصه على الدفاع عن القضايا التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، مؤكدا بذلك أن العمل البرلماني مسؤولية لا تقتصر على الحضور، بل تتجسد في المبادرة والإثراء والتأثير الإيجابي.
وعلى امتداد تجربته، لم يكتف بممارسة دوره التقليدي، بل كان يعتبر قضايا المواطنات والمواطنين هي قضاياه. وفي هذا الاتجاه، خاض أشكالا من الوساطة بين المواطنين والدولة، وبين فروع نقابية والإدارة، وبين العمال والباطرونا، مؤمنا بأن السياسة ليست مجرد إدارة للمصالح، بل هي قبل كل شيء فضاء لإعادة بناء العلاقة بين السلطة والمجتمع، على أسس المواطنة والعدالة الاجتماعية. وهذا اختيار مبدئي للصديق الرماح، يعكس إيمانه بضرورة التصاق العمل البرلماني بالواقع المعيشي للمواطنين. كما أن مفهوم المواطنة الذي يؤمن به الصديق الرماح، لم يكن مجرد تنويع لغوي، بل تعبير عن وعي عميق بضرورة تجاوز الصياغات التقليدية للخطاب السياسي، نحو رؤى تستند إلى الحقوق والمشاركة الفاعلة. وقد تجسد هذا الوعي في عمله المتناغم مع فريقه البرلماني، حيث شكلت هموم المواطن، وانشغالات الطبقة العاملة وذوي الدخل المحدود، المحرك الأساس لخياراته وتوجهاته.
هذه التجربة الفريدة ليست مجرد نموذج لنجاح برلماني، بل هي محطة ضمن محطات في إعادة صياغة مفهوم التمثيل السياسي، وترسيخ دوره كقوة تراكم الجهود والخبرات من أجل إحداث تغيير اجتماعي فعال.
والحق، أن تجربة الفريق الفدرالي بكامله تُعد تجربة فريدة في العمل البرلماني. وربما يحين الوقت للحديث تفصيلا عن هذه التجربة، التي كان الصديق عبد الرحيم الرماح أحد روادها.