الأحد 9 مارس 2025
كتاب الرأي

رشيد صفر : متى ينتهي الاحتكار في قطاع التلفزيون العمومي !؟

رشيد صفر : متى ينتهي الاحتكار في قطاع التلفزيون العمومي !؟ رشيد صفر
في كل رمضان يعود النقاش حول توزيع الفرص في القطاع الفني التلفزيوني المدعوم من المال العام، حيث يظهر الاختلال الجلي في هذا القطاع الذي لا يعكس حقيقة التنوع الإبداعي في المغرب. فبينما يتمكن عدد من الفنانين من التواجد في غالبية الأعمال الفنية التي يتم تمويلها من خزينة الدولة، يظل العديد من الزملاء في الظل، رغم امتلاكهم للخبرة والموهبة والكفاءة اللازمة. هذا الوضع لا يشمل فقط الممثلين والمخرجين، بل يمتد إلى المؤلفين الذين يعانون من احتكار بعض الأسماء لجنيريك الأعمال التلفزيونية، مما يسبب مسألة التضييق على فرص الإبداع وتضعف معها جودة الإنتاجات.
 
الفن لا ينبغي أن يكون مجرد خدمة تقيدها المصالح الخاصة، بل هو مجال للإبداع، و يجب أن يظل مفتوحا لجميع المبدعين، وبما أ تمويل الأعمال الفنية التلفزيونية يستند على المال العام، فإن مسؤولية ضمان العدالة في توزيع الفرص هي أمرا ملح و عاجل، فمن غير المقبول أن تستمر الهيمنة على هذا القطاع من قبل مجموعة قليلة من الأسماء التي تكرر نفسها في معظم الأعمال في التمثيل والتأليف والإخراج، مما يقلل من فرص التنوع و يضرب الإبداع في عرض حائط الضحالة والإسفاف.
 
التمويل العمومي ليس امتيازا لفئة معينة، بل هو حق مشترك لكل الفنانين والمبدعين الذين بإمكانهم تقديم أعمال تعكس واقع المجتمع وتطلعاته. فإذا كانت القنوات التلفزيونية الوطنية تعتمد على الدعم العام لإنتاج أعمالها، فلا بد أن يكون توزيع هذه الفرص متوازنا، لا يسمح بتكرار الوجوه نفسها والأسماء عينها على حساب تغييب آخرين ورميهم في بحر النسيان.
 
في الوظيفة العمومية، لا يجوز لشخص واحد أن يشغل عدة مناصب في نفس الوقت. فكيف يعقل أن يشتغل فنان واحد في أكثر من أربع أعمال في عام واحد، بينما ينتظر آخرون الفرصة رغم قدراتهم الإبداعية؟.
 
هذا الوضع نفسه ينطبق على المؤلفين الذين يجدون أنفسهم محاصرين وسط أمواج العلاقات و رياح الاحتكار، في الوقت الذي يُقصى فيه العديد من الكتاب المبدعين يتربع البعض على الشاشة في التشخيص والكتابة على علتها.
 
في التجارب الدولية، نجد أن العديد من الدول قد اتخذت خطوات لضمان تكافؤ الفرص في قطاع الفن. على سبيل المثال، في فرنسا، تمول الحكومة  الأعمال السينمائية والتلفزيونية من خلال الوكالة الوطنية للسينما (CNC) التي تأسست في عام 1946، حيث تم تخصيص حوالي 580 مليون يورو في عام 2021 لدعم الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية، ويخضع توزيع هذا التمويل لمعايير شفافة تشمل الكفاءة والإبداع، مع وضع سقف للمشاركة في عدد من المشاريع في نفس الوقت،  كما يتم تنظيم مسابقات سنوية للأفلام القصيرة والطويلة، مما يسمح للفنانين والمبدعين الناشئين بالوصول إلى التمويل، وقد تم تعزيز هذه الممارسات في السنوات الأخيرة من خلال تشريعات تركز على التنوع الثقافي والإبداعي.
 
وفي كندا تقوم الحكوم بتمويل القطاع الفني من خلال مؤسسة كندا للإنتاج الإعلامي، والتي تدير برامج دعم مالية تركز على تعزيز التنوع الثقافي، وقد خصصت الحكومة الكندية حوالي 400 مليون دولار كندي لدعم الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية في عام 2021، وتم الاعتماد على وضع حد لعدد الأعمال التي يمكن أن يشارك فيها الفنان الواحد في نفس العام، من خلال إحداث لجنة مستقلة لتوزيع الدعم بشكل عادل، بما يضمن تحقيق التنوع الثقافي وعدم احتكار أسماء معينة للمشاريع.

وفي المملكة المتحدة وعلى الرغم من أن تمويل قطاع الفن يتم عبر مجموعة متنوعة من الهيئات مثل هيئة الأفلام البريطانية (BFI)، إلا أن هناك معيارا صارما لضمان توزيع الفرص بشكل عادل. في عام 2021، خصصت المملكة المتحدة حوالي 60 مليون جنيه إسترليني لدعم الإنتاجات السينمائية، من خلال قوانين تتعلق بالحقوق المجاورة وتوزيع الأدوار في المشاريع المدعومة، إذ تضمن المملكة المتحدة أن لا تتكرر الأسماء البارزة في كل الأعمال، مما يفتح المجال أمام طاقات جديدة في مجال الكتابة والإخراج.

وبالعودة إلى واقع الحال بالقنوات العمومية الوطنية، فإلى جانب حرمان عدد كبير من الفنانين والمؤلفين من فرص العمل، فإن مثل هذا الوضع يؤثر أيضا على الجمهور المغربي، الذي أصبح يشعر بالملل من مشاهدة الوجوه نفسها في كل الإنتاجات وقراءة السيناريوهات المتكررة التي تجعل المشاهدين يفرون لقنوات أخرى.
 
إن التنوع مطلوب لإثراء المشهد الفني وتقديم محتوى أكثر جودة، وهو ما يستوجب إعادة النظر في كيفية توزيع الفرص بين جميع الفاعلين في المجال الفني، سواء كانوا ممثلين، مخرجين أو مؤلفين.
 
المشكلة لا تكمن في الأفراد المستفيدين من هذا الوضع، بل في المنظومة ككل، التي تحتاج إلى إصلاح جذري لضمان عدالة التوزيع، لذلك على المؤسسات المسؤولة عن تمويل الإنتاجات الفنية أن تضع معايير واضحة تمنع احتكار الأعمال من طرف أسماء بعينها، وتضمن مشاركة أوسع لمختلف المواهب المغربية في التمثيل، الإخراج والتأليف. كما أن على الفنانين والمؤلفين التحرك للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بإرساء آلية قانونية أكثر إنصافا.
 
إن تحقيق هذا التوازن لن يعود بالنفع فقط على الفنانين والمؤلفين، بل أيضا على الجمهور الذي يستحق محتوى متجددا يعكس التنوع الحقيقي للمواهب المغربية. فالفن ليس مجرد مصدر رزق لفئة قليلة، بل هو رسالة وفضاء للإبداع يجب أن يكون مفتوحا للجميع. وكما أن الوطن يسع الجميع، فإن التمويل العمومي للأعمال الفنية، الرمضانية وغيرها، يجب أن يستفيد منه جميع المهنيين بالقطاع الفني.