آثرت كلمة "موقع" على كلمة "موقف". لنترك المواقف للعامة والسياسيين والإعلاميين، فالموقف يسقط صاحبه في الذاتية. كما لن أتحدث عن كلمة "الرأي"، ذلك أن الرأي يلزم صاحبه بغض النظر عن موقعه في صفوف المثقفين والعموم عل حد سواء.
نعتقد أن الباحث يتموضع بين "المنزلتين" حيث يؤسس قبليا (السكون على الباء) للأفكار والمفاهيم والنظريات المدعمة بالحجج والبراهين الدامغة، ثم يتموقع بعديا عندما يتعين عليه أن يمارس دور الحكم الفصل وبمنتهى الحيادية في قضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...
منذ سنوات خلت تراجع دور الباحثين عن القيام بأدوارهم المنوطة بهم، وفي أحسن الأحوال لا يكاد أغلب الباحثين أن يفرق بين القبعة السياسية والقبعة الأكاديمية والقبعة الإعلامية، بل الأذهى من ذلك يكاد خطاب بعض الباحثين يتقاطع مع الخطاب العامي.
هكذا وبمناسبة واقعة "توبيخ" عامل عمالة سطات للمدير الإقليمي للتعليم نثير أولى الملاحظات المتمثلة في غلبة الحضور البعدي للباحثين في غياب رصيد معرفي سابق يؤسس لبنية العلاقة المؤسسية بين القطاعات الوزارية (مثلا العلاقة بين قطاع الداخلية وقطاع التعليم) وتحديد التراتبية -تاريخيا- بين القطاعين معا. نتحدث هنا عن سؤال : أيهما مصنف كقطاع استراتيجي؟ وارتباط هذين القطاعين بالأغلبيات الحكومية. إن من يقرأ هذه العبارة الأخيرة سيستحضر الجدل المرتبط بالوزارات السيادة، ولكن ينبغي استحضار تدبير قطاع الداخلية من قبل حزب الحركة الشعبية في شخص الأمين العام للحزب امحند العنصر .
علينا كباحثين أن ندرك جيدا أن المداخيل الأساسية لاستكناه قضايانا الوطنية وبخاصة السياسية منها لن يكون متاحا إلا عبر التموقع القبلي (السكون دائما على الباء) داخل مختلف الحقول المعرفية، كعلم السياسة بمختلف فروعه بما في ذلك علم السياسة الكولينيالي والأنتروبولوجيا وعلم الاجتماع وتحليل بنيات السلطة وبالتحديد علاقة الحاكم بالمحكوم عبر أدبيات الأحكام السلطانية والأدب الفقهي وكأننا أمام عملية لنسخ السلطة، مجسدة بمنطق عبد الله حمودي والمعبر عنها ب "الشيخ والمريد".
إننا لا نستغرب إذا افترضنا جدلا أن السيد العامل قد مارس نوعا الإكراه اللامشروع على السيد المدير الإقليمي للتعليم، سيصبح السيد العامل شيخا والسيد المدير الإقليمي للتعليم مريدا، -لا نستغرب- عندما يتحول السيد المدير الإقليمي للتعليم شيخا على مريديه المرتبين في مرتبة المفتشين التربويين ويتحول هؤلاء إلى مرنتبة شيوخ في مواجهة مديري المؤسسات التعليمية وهكذا دواليك... في هذه الحالة فإن المدافعين عن السيد المدير الإقليمي سيغيرون رأيهم، عفوا موقفهم من الدفاع إلى الهجوم، مستعينين بمقولة "كما تدين تدان".
إننا أمام إشكالية مرتبطة ببنية السلطة داخل نظام سياسي يسير بوتيرتبن : وتيرة سريعة مقيدة بالرهانات الحقوقية والاجتماعية والسياسية وفق الشروط الإقليمية والدولية ووتيرة بطيئة مرتبطة بمحاولات التخلص من قيود السلطة في محاولة لتجاوز الإكراه اللامشروع تحقيقا للإكراه المشروع بمنطق ماكس فيبر .
أستاذ باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية/ جامعة الحسن الثاني بالبيضاء