الاثنين 17 فبراير 2025
مجتمع

في شهادة للفقيد الحقوقي السكتاوي حول المستشار الملكي الراحل محمد معتصم.. فقه الأولويات دون قطائع

في شهادة للفقيد الحقوقي السكتاوي حول المستشار الملكي الراحل محمد معتصم.. فقه الأولويات دون قطائع الفقيدان محمد معتصم( يمينا) ومحمد السكتاوي

في شهادته عن الراحل المستشار الملكي محمد معتصم، ضمن كتاب سيرى النور مستقبلا، عدد الفقيد محمد السكتاوي، الكاتب العام لمنظمة العفو الدولية- فرع المغرب الذي وافته المنية يوم السبت 4 يناير 2025 مناقب رجل هادئ صاحب المنهج التشاركي الذي قاد النقاش حول ديوان المظالم إلى نهايته بنجاح.

جريدة " أنفاس بريس" تنشر شهادة الفقيد محمد السكتاوي، التي وافانا بها المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري السابق المكلف بحقوق الإنسان:

 

مثل الكثير من الفاعلين السياسيين والمدنيين، وجدت نفسي أعرف ذ محمد معتصم، وهو يُعمِّد ميلادَه العام بأبحاثه الأولى التي وضعتْه في مركز صورة البحث الدستوري، من خلال مساهمته في النقاش الذي انطلق مع تقديم الملك المرحوم الحسن الثاني دستور1992 لفتح الانسداد السياسي، وذلك عبر سلسلة مقالات كان ينشرها في جريدة" الاتحاد الاشتراكي" الناطقة بلسان المعارضة التاريخية الممانعة والقوية وقتئذ والمتمثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ويمكن اعتبار تلك الأبحاث مدخلا مبكرا لتأصيل الفكر الدستوري في إطار حقوق الإنسان وإخراج الأحزاب من التهميش وإعطائها دورا أكبر في تدبير الشأن العام ، مما أعطى المسوغات القانونية، والسياسية للمعارضة الاتحادية للتجاوب مع المراجعة الدستورية رغم أنها لم تستجب بشكل كامل لمطالبها التي عبرت عنها منفردة أو من خلال مذكرات الكتلة الديموقراطية للأحزاب السياسية الحليفة الموجهة إلى الملك ، ويمكن القول وبدون غلو أن القراءة الدستورية لمحمد معتصم لاتجاهات الإصلاح المتباينة في الأسس، والفلسفة والرؤية مهدت ،إن لم نقل ساعدت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لتشكيل منظوره الدستوري و إقناع قواعده على التصويت بنعم لأول مرة في تاريخ الحياة الدستورية المغربية على دستور 1996، وبداية مسلسل تقاربها من الحكم الذي انتهى بإعلان حكومة التناوب التوافقي الأولى بقيادة عبد الرحمن اليوسفي عام 1998.

 

هكذا اكتملت لديَّ صورة فقيه دستوري شاب، ومتمكن وواسع الاطلاع على التاريخ الدستوري المغربي بمنطلقاته التقليدية والتجارب الدستورية الدولية، وبدا لي بلغته الجديدة وبنحته لمصطلحات لم يسبق أن كانت متداولة في حقل البحت الدستوري، فقيهاً يفكر خارج الصندوق حداثي الرؤية وإن لم يتخل عن الجبة المغربية.

 

هذه معرفتي الأولى بمحمد المعتصم الفقيه الدستوري والقريب في بعض تمثلاته من حزب المعارضة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

ومن موقع مسؤوليتي في منظمة العفو الدولية، أتيحت لي الفرصة للتعرف عليه عن كثب واللقاء به وقد أصبح مستشارا ملكيا، وكان ذلك أواخر عام 2001 بمناسبة التحضير لإنشاء "ديوان المظالم" حيث التقيت به أكثر من مرة للتشاور والتعرف على المقاصد البعيدة المدى لتأسيس هذه المؤسسة الحقوقية الهامة، وكان في حديثه المفتوح يجادل بهدوء ملفت مستعينا بأدواته الأكاديمية ليقنع مخاطبيه بأن هذه المؤسسة نوع من الأمبودسمان المدافع عن الشعب بجذور ضاربة في التراث الفقهي والقانوني العربي الإسلامي، وأن للمغرب رصيد ثمين في تمكين الرعايا من رفع تظلماتهم متى حاد أعوان الحكم عن قواعد العدل والإنصاف في التعامل معهم.

 

كان السؤال المتكرر الذي يواجهه: كيف يمكن ملاءمة ديوان المظالم المتجذر في تاريخ التشريع والقضاء الإسلامي والمغربي مع الأبودسمان المنتوج الحداثي الغربي للوساطة بين الدولة والمواطن وحماية لهذا الأخير من شطط السلطة وتجاوزاته خارج نطاق القانون.

 

كان جوابه في جلسات التحضير والتشاور التي حضرتها أن المسألة تقتضي وضع صيغة مناسبة لتأصيل مؤسسة الأبودسمان في النسيج القانوني الحديث للمغرب وموروثه الثقافي والقضائي والإرث التاريخي للمملكة، وأن أي تغيير في المؤسسات التقليدية ينبغي أن يراعي فقه الأولويات ولا يقوم بالقفزات والقطائع.

 

وما كان يلفت انتباهي في هذه الجلسات الحوارية هو أسلوبه الهادئ والمرن في التعامل مع وجهات النظر الأخرى، واستطاع بهذا المنهج التشاركي أن يقود النقاش إلى نهايته بنجاح. وجاء تاريخ 9 دجنبر 2001، لتعلن المؤسسة الملكية عن تأسيس ديوان المظالم في خطاب سام تمت تلاوته، في القاعة الكبرى لأكاديمية المملكة، أمام كل الأطياف السياسية والعسكرية والمدنية، وبحضور ممثلي كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية للتعبير عن أهمية هذا الحدث في الصَّرْح الحقوقي المغربي، وكذلك بالنسبة للحركة الحقوقية المغربية التي طالما طالبت بإحداث هيأة وطنية مستقلة للدفاع عن حقوق المواطن في مواجهة سلطة الإدارة.

 

ربما لم تستجب هذه المؤسسة وقتئذ لبعض تطلعات المدافعين / ات عن حقوق الإنسان، و ربما لم تتحقق فيها المعايير الدولية التي تُقام عليها المؤسسات المماثلة، لكن المستشار الملكي محمد معتصم الذي يحرص في كل ملف ملكي يطرح عليه تفادي أسلوب القفزات والقطائع، كان يسعى إلى إقناعنا بحُجَّته أن المؤسسات كباقي الوقائع الاجتماعية والسياسية لها ديناميتها الخاصة تجعلها تتحرك في صيرورة دائمة في اتجاه الأحسن، ويبقى المهم هو وضع مسارات صلبة للإقلاع، ويضيف مجادلا دون أن يشعرك بأنه يهُمُّ بإغلاق الحوار: هذا يعني أن هناك فرصة ممكنة للانتقال في المستقبل بديوان المظالم إلى هيأة ذات صلاحيات واسعة وقوة ضغط معنوي في مجال الرقابة على سلطات الحكومة ووسيلة يلجأ لها المواطنون مطمئنون التماسا للإنصاف والحلول لمشاكلهم في علاقاتهم مع الادارة إذا انحرفت في استعمال سلطتها.

 

ولم ننتظر طويلا لنرى تحقق هذه النتيجة المُفترضة، حتى حلَّت مؤسسة وسيط المملكة محل ديوان المظالم في 17 مارس 2017 وقد اكتملت فيها لحد كبير المعايير المعتمدة دوليا في مؤسسات الأبودسمان.

 

بهذه الصورة لاحظت الراحل عن قرب يجمع في تدبير الملفات الكبرى المناطة به بين مرونة الدبلوماسي، ودور المسؤول المنفتح، ومنهج الأكاديمي المتمكن، والوسيط الحصيف الذي ينقل بأمانة مواقف الهيآت والأشخاص الذين يحاورهم ويستمزج آراءهم إلى أعلى دوائر صنع القرار في الدولة ليكون أي قرار في الأخير منبثقا من توافق الآراء.

 

تلك هي الصورة الأولى التي عرفتُ فيها محمد معتصم أكاديميًا وفقيها دستوريا ووزيرا ثم مستشارا ملكيا، ورجلا خلوقا يتسم بدماثة السلوك والأدب الجم والبساطة والتواضع والروح المرحة.

 

وفي جميع هذه الأوضاع كنتَ تجده رقما أساسيًا في كل المعادلات الدستورية والحقوقية والمحطات الحاسمة التي مر بها المغرب في أواخر عهد الملك المرحوم الحسن الثاني وزمن الملك محمد السادس.

 

وفي صورة أخرى، رأيته يشتغل في الظل بحرص وتؤدة الصانع الماهر وحِكمة رجل الدولة الذي يحفظ الأسرار ويتقن فن البروتوكول ويُراعي أصول المقامات، ويتمثل روح الآداب السلطانية ،لا يتهافت على الظهور وينأى عن الأضواء، ويحافظ في جميع الأحوال على الجسور مفتوحةً مع كل الفاعلين.

 

ولابد من الاستحضار على هذا المستوى لحظة حقوقية استثنائية حينما استقبل جلالة الملك محمد السادس وفدا عن القيادة العالمية لمنظمة العفو الدولية، وكنتُ حاضرا ضمن هذا الوفد بصفتي مسؤولا عن فرع المنظمة في المغرب. وقد جرت وقائع هذا الحدث الهام في 07 يونيو 2001، ومالا يعرفه الكثيرون أن المستشار الملكي محمد معتصم رتب وراء الستار هذا اللقاء بدقة عالية ولم يهمل أدنى التفاصيل الصغيرة وساعده في ذلك وزير حقوق الإنسان في تلكَ الفترة محمد أوجار، كما كان حريصا أن يسمع مني انشغالات أمنيستي بشأن حقوق الإنسان في المغرب، والدور الذي يمكن أن تقوم به في ظل عهد جديد يحبل بالكثير من بشائر التغيير سواء بالنسبة لمفهوم السلطة أو اعتماد مبدأ كونية حقوق الإنسان مرجعية لخيارات المغرب الاستراتيجية، وهذا مابشرنا به جلالة الملك في اللقاء الذي تم بحضور الأمير المولى رشيد والمستشار محمد معتصم ووزير حقوق الإنسان محمد أوجا ورئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إدريس الضحاك، وعبر فيه جلالته بتصميم قاطع عن اهتمامه البالغ بحماية حقوق الإنسان والتربية عليها والإعلاء من شأنها وشجعنا على المضي قدما على هذا المسار، وهو ما بدا رسالة تشجيع قوية لحركة حقوق الإنسان في المغرب والمنطقة، وشعر الجميع أن هذا اللقاء يُنْبِئ ببداية فترة جديدة من تاريخ المغرب والتوجه نحو حل القضايا الحقوقية العالقة وتعزيز سيادة القانون.

.

خرجنا من اللقاء وقد امتلأنا بشحنة أمل كبيرة، ونحن نغادر القصر الملكي التفت إلي محمد معتصم مبتهجا وخاطبني بالقول: هنيئا لنا جميعا، لقد دقت ساعة العمل، ولا يجب بعد اليوم أن نهدر الوقت…رسالة الملك واضحة لا تقبل تأويلا، وعلى حركة حقوق الإنسان أن تنهض بدورها في دعم التغيير والانتقال من الرؤية إلى الفعل ومن النقد إلى البناء.

 

وبعد أقل من ثلاث سنوات من هذا الحدث، دشن الملك مسلسل العدالة الانتقالية بالإعلان عن تأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة لفتح ملف جراح سنوات الرصاص ومآسيها وملابساتها، و الكشف عن حقيقتها وأسبابها ومعالجتها وإعادة الاعتبار للضحايا وجبر أضرارهم.

.

وقد كان من حظي أن ألتقي في المرحلة التحضيرية بالمستشار الملكي من جديد في جلسات الحوار والتشاور التي كان يعقدها بمكتبه في الديوان الملكي مع ممثلي الحركة الحقوقية والاجتماعية، واكتشفت هذه المرة أنه مهندس العملية يخطط، يرسم الحدود والمسارات والأفق، ويقوم بالمسح اللازم للاحتياجات والصعوبات والتحديات، ويبحث عن رجال المرحلة، وينقل توجيهات الملك ودعمه وتحفيزه للإسراع بالعملية.

 

لقد واكبتْ منظمة العفو الدولية هذه التجربة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ أن بدأت الفكرة تتبلور، واقتربنا من صورة الفكرة بما سمعناه من محمد معتصم في اللقاء به، وأدلت المنظمة بملاحظاتها دعما للمبادرة وواكبتها في مراحل عملها، وعند ختام أشغال الهيأة وصدور تقريرها الختامي وتوصياتها وبداية تنفيذها وإنزالها، قدمت المنظمة تقييمها الشامل في تقريرها الصادر سنة 2010 تحت عنوان "الوعد الضائع: هيأة الإنصاف والمصالحة ومتابعة أعمالها".

 

ومن حظ محمد المعتصم وتقديرا لجهوده في الحقل القانوني، كان كلما أغلق ملف إلا ويطرح عليه الملك ملفا آخر لمعالجته، وهذا ما حصل على إثر ما عرفته المنطقة من انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في عام 2010 في تونس وتوالت أحداثها في بلدان عربية أخرى، وقد اهتز الشارع المغربي بظهور حركة 20 فبراير 2011 التي كان من مطالبها إجراء تغييرات اجتماعية وحقوقية وإصلاحات عميقة في المؤسسات القانونية والدستورية للمغرب.

 

بادر الملك بخطوة كبرى، لم تعرفها الدول العربية التي بدأت تتهاوى تباعا تحت السخط الشعبي، بالتجاوب الإيجابي مع مطالب حركة 20 فبراير من أجل التغيير والإصلاح الدستوري، ووضع في خطابه الشهير الذي أصبح معروفا بـ "خطاب 9 مارس" خارطة طريق لهذا الإصلاح وأجندته ومحدداته الكبرى وغاياته الاستراتيجية.

 

في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ المغرب تابعتُ عمل محمد معتصم بحكم مسؤوليتي في منظمة العفو الدولية، فوجدته يشتغل بتواضع ودون هوادة حتى يكاد لا يرى، محركا ومؤطرا للبحث الدستوري والسياسي والقانوني، وهو يعطي الأولوية إلى مداخل حقوق الإنسان في التأسيس الدستوري، لقد صار بمثابة دينامو عملية الإصلاح المنشود حينما كلفه جلالة الملك محمد السادس برئاسة الآلية السياسية للتتبع والتشاور وتبادل الرأي حول مراجعة الدستور.

 

كان المخاض عسيرا، وكان محمد معتصم مثل القابلة يشرف بعناية فائقة على ميلاد دستور جديد في حرص تام على التنزيل الدقيق لروح الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 الذي دعا لمراجعة دستورية شاملة ضمن توافق وطني يطور المكتسبات ويرسخها ويوسع نطاق الحريات والحقوق. فانبرى يجمع المقترحات من أطياف المجتمع المغربي أحزابا ونقابات ومعارضة، وممثلي قطاع الأعمال والمجتمع المدني والتيارات الدينية، وانكبَّ بكثير من الصبر والكياسة على تأطير الحوار العام دون استثناء لأي طرف ليكون الدستور منتوجا من صميم المجتمع وقواه الحية.

 

أصرَّ في لقاءاته كافة، استثمار الرصيد الدستوري المغربي والتراكم التاريخي الذي تحقق على مستويات المعارضة والسلطة، وحرص في كل حواراته على التحصين الدستوري للملكية باعتبارها حجر الأساس في بناء الدولة وضمان سيادتها واستقرارها؛ باستحضاره لمرتكزات الخطاب الملكي، واعتماده المعطى التاريخي والهوياتي وعدم تغييب الذاكرة الدستورية للمغرب، ودائما يسعى إلى ترك الباب مفتوحاً لكل المقترحات التي تتقصّد البناء على الأسس الهوياتية للمغرب والثوابت الكبرى التي كان يؤكد عليها، ويجد ما يكفي من الوشائج والعلائق لربطها بمنظومة حقوق الإنسان الدولية قيما ومرجعية ، وبدبلوماسيته الهادئة كان يعثر على منافذ للخروج من الأوضاع المعقدة للحوار، وصولا لوضع معمار دستوري متكامل يحظى بقبول الجميع و توافق كل الاتجاهات المتعارضة، وتضبطه أحكام الانسجام والتوازن والمسؤولية والمساءلة. وبهذه الروح والجرأة، قام بمجهود كبير لدسترة توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة كما لخصتها موجهات الخطاب الملكي في 9 مارس الذي شكل صيغة ملفتة للتفاعل العميق مع المطالب الشعبية للربيع العربي و المعبر عنها مغربيا في حركة 20 فبراير.

 

و بحنكته التي يتقاطع فيها السياسي والقانوني والمنحى نحو التغيير الديموقراطي وتوطيد دعائمه، تمكن من جعل جسور الحوار تلتقي عند الملك بما يملكه من سلطة التحكيم .وعلى الرغم من محاولات لخلق تقاطب والنزعة الحدية لدى البعض خاصة في القضايا الخلافية كمسألة حرية المعتقد والإعدام والمرأة، فقد نجح في تهدئة الاختلافات وتسويتها بتركيب المقترحات المتضاربة في بنية متماسكة متلائمة مع الاختيارات الاستراتيجية للمغرب سواء على صعيد حقوق الإنسان أو تنظيم السلطات واستيعاب القيم الدينية التي تثري الخيارات الحقوقية في بعدها الكوني ولا تلغيها، وتندمج في الإطار الموحد لما يبدو متناقضا، فالحقوق والحريات ، والإقرار بمشاركة المواطن على قاعدة المساواة في كل مناحي الحياة .

 

وانتهى في عمله الشاق بعد المرور بمسارات التفافية ووعْرة إلى تصميم إطار دستوري تذوب فيه كل التناقضات، وتتقوى فيه المؤسسات القانونية والآليات الحقوقية والديموقراطية وفي المقدمة منها التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير وحقوق المرأة والاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي وبالروافد الدينية والمجالية التي يزخر بها الإرث التاريخي للمغرب ونسيجه الاجتماعي.

 

وفي الأخير اكتملت ملامح هذا الإطار الذي صيغ بشكل توافقي في لقاءات هي أقرب إلى "الجمعية التأسيسية"، التي كانت المعارضة تدعو لها في الستينيات، ووضعه على أنظار الملك ليدقق فيه ويعلن للشعب ميلاد دستور جديد تعارف عليه الناس بدستور 2011.

 

ويكفي محمد معتصم أنه توج مساره الطويل وسجله الوطني الغني، بربط اسمه بهذا الدستور الذي مكّن المغرب من أن يكون لدية ميثاقا شاملا لحقوق الإنسان والديموقراطية.

 

هكذا عرفت الراحل الكبير المستشار الملكي محمد معتصم، منهجيا في ترتيب آرائه ولَبِيباً في إدارة الحوارات ودقيقا في بناء التوافقات وصوغ الخلاصات.

 

وأهم ما كان يميزه أيضا هو قدرته على تحديد الأهداف ووضع العديد من الخيارات في آن واحد تقود كلها لإقناع الآخرين بمواقفه ومقاربته والغاية المتوخاة ترسيخ المكتسبات والبناء عليها وتطويرها تحت ظل المؤسسة الملكية.

 

ربطتني به علاقة إنسانية أقوى من علاقة تحددها ملفات وقضايا وهيآت ، وكنت أشعر في لقاءاتنا الأولى أنني أمام فقيه دستوري سيؤثر في الحياة الدستورية والحقوقية للمغرب وذلك ما كان، وفي كل مرة كنت أكتشف فيه رجلا وطنيا صادقا خُلِق ليخدم الدولة ويتفانى في خدمتها.