الاثنين 10 فبراير 2025
اقتصاد

عبد السلام الصديقي: نجاح المغرب فـي تنظيم المونديال رهين بإشراك كل القوى الحية وتبني الشفافية

عبد السلام الصديقي: نجاح المغرب فـي تنظيم المونديال رهين بإشراك كل القوى الحية وتبني الشفافية عبد السلام الصديقي، دكتور في العلوم الاقتصادية ووزير سابق للتشغيل
يشرح‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الصديقي،‭ ‬دكتور‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ووزير‭ ‬سابق‭ ‬للتشغيل،‭ ‬المكاسب‭ ‬التنموية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والرياضية‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬المغرب‭ ‬مونديال‭ ‬.2030‭‬
في‭ ‬المقابل‭ ‬أكد‭ ‬الصديقي‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬‮
"أنفاس بريس"‬،‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬ووضع‭ ‬خطته‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭. ‬وهذا‭ ‬يستلزم‭ ‬تطبيق‭ ‬تخطيطٍ‭ ‬صارمٍ‭ ‬وإدارةٍ‭ ‬شفافةٍ‭. ‬ودعا‭ ‬محاورنا‭ ‬الى‭ ‬تجنبُ‭ ‬التدبير‭  ‬البيروقراطي‭ ‬وإشراك‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭. ‬وعلى‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬توضح‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬تكلفة‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬وآليات‭ ‬تمويله‭. ‬
 
 
المغرب‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬المونديال‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬2030،‭ ‬البعض‭ ‬ينتقد‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المالية‭ ‬الهائلة‭ ‬وأن‭ ‬المونديال‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬فئات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭  ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬صحة‭ ‬هذا‭ ‬الانتقادات؟
بالفعل،‭ ‬يطرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬تنظيم‭ ‬بطولة‭ ‬عالمية‭ ‬ذات‭  ‬تكاليف‭ ‬كبيرة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬عوائدها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مضمونة‭ ‬دائمًا‭. ‬وعلى‭ ‬النقيض،‭ ‬هناك‭ ‬أصوات‭ ‬أخرى،‭ ‬ربما‭ ‬تمثل‭ ‬غالبية‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬مؤيدة،‭ ‬بل‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬فرحها‭ ‬وسعادتها‭ ‬بهذا‭ ‬الحدث‭. ‬وجود‭ ‬أصوات‭ ‬ناقدة‭ ‬يُعد‭ ‬مؤشرًا‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬المجتمع‭. ‬ففي‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬بحرية‭. ‬والدولة‭ ‬ملزمةً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصغية‭ ‬لمواطنيها‭.‬

لكن‭ ‬يجب‭ ‬تجنب‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬العاطفية‭ ‬والتفكير‭ ‬بعقلانية‭ ‬قبل‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬معطيات‭ ‬ملموسة‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬جميع‭ ‬العوامل‭. ‬وأذكِّر‭ ‬هنا‭ ‬بأنه‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬مسجد‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬واجه‭ ‬المشروع،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬آنذاك‭. ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬أي‭ ‬نقد‭ ‬لهذا‭ ‬الصرح‭ ‬الديني‭ ‬والمعماري‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬مصدر‭ ‬فخر‭ ‬لوطننا‭ ‬وعبقرية‭ ‬شعبنا؟‭ ‬كما‭ ‬سمعنا‭ ‬وقرأنا‭ ‬نفس‭ ‬الانتقادات‭ ‬بشأن‭ ‬مشروع‭ ‬القطار‭ ‬فائق‭ ‬السرعة‭. ‬وبعد‭ ‬اكتمال‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬أدرك‭ ‬جميع‭ ‬المواطنين‭ ‬والمستخدمين‭ ‬فوائده!

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬تنظيم‭ ‬المونديال‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬اليوم‭. ‬فقد‭ ‬فشل‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬خمس‭ ‬محاولات‭ ‬سابقة‭. ‬وكونً‭ ‬نجاحنا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭  ‬مدعاة‭ ‬للفرح،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬ذلك‭ ‬أي‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭.‬

على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬عند‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الأدبيات‭ ‬الموجودة‭ ‬بشأن‭ ‬تأثير‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم،‭ ‬نجد‭ ‬نتائج‭ ‬متباينة‭ ‬على‭ ‬البلد‭ ‬المضيف‭.‬

فمن‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬هناك‭ ‬فوائد‭ ‬مؤكدة‭. ‬إذ‭ ‬يستثمر‭ ‬البلد‭ ‬المضيف‭ ‬عادةً‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬وتجديد‭ ‬الملاعب،‭ ‬وتحسين‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للنقل‭ ‬والإقامة‭. ‬كما‭ ‬يجذب‭ ‬الحدث‭ ‬آلاف‭ ‬الزوار‭ ‬الدوليين،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يُنشِّط‭ ‬القطاع‭ ‬السياحي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭. ‬وعلى‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬أيضًا،‭ ‬يتم‭ ‬خلق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مناصب‭ ‬الشغل‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬البناء،‭ ‬والفندقة،‭ ‬والخدمات‭.‬

على‭ ‬الصعيدِ‭ ‬الاجتماعيِّ،‭ ‬استضافةُ‭ ‬حدثٍ‭ ‬بهذا‭ ‬الحجمِ‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬تعزِّزَ‭ ‬الشعورَ‭ ‬بالفخرِ‭ ‬والوحدةِ‭ ‬الوطنيةِ‭. ‬في‭ ‬حالةِ‭ ‬مونديالِ‭ ‬2030،‭ ‬سيعزِّزُ‭ ‬بلدُنا‭ ‬علاقاتِهِ‭ ‬مع‭ ‬شريكَيْهِ‭ ‬المُنظِّمَيْن‭ ‬من‭ ‬شبهِ‭ ‬الجزيرةِ‭ ‬الإيبيريةِ،‭ ‬وهما‭ ‬إسبانيا‭ ‬والبرتغال‭.‬
 
على‭ ‬الصعيدِ‭ ‬الثقافيِّ،‭ ‬تستفيدُ‭ ‬الدولةُ‭ ‬المضيفةُ‭ ‬من‭ ‬تغطيةٍ‭ ‬إعلاميةٍ‭ ‬عالميةٍ،‭ ‬مما‭ ‬يُمكنُ‭ ‬أن‭ ‬يُحسِّنَ‭ ‬صورتَها‭ ‬ويجذبَ‭ ‬استثماراتٍ‭ ‬أجنبيةً‭. ‬كذلك،‭ ‬يُسهمُ‭ ‬تدفُّقُ‭ ‬الزوَّارِ‭ ‬الدوليينَ‭ ‬في‭ ‬تعزيزِ‭ ‬التبادلاتِ‭ ‬الثقافيةِ‭ ‬والتقارب‭  ‬بينَ‭ ‬الثقافاتِ‭.‬
إلى‭ ‬جانبِ‭ ‬هذه‭ ‬الآثارِ‭ ‬الإيجابيةِ‭ ‬المؤكَّدةِ،‭ ‬هناك‭ ‬آثارٌ‭ ‬سلبيةٌ‭ ‬محتملةٌ،‭ ‬منها‭ ‬آثارٌ‭ ‬بيئيةٌ‭ ‬وآثارٌ‭ ‬اقتصاديةٌ‭ ‬طويلةُ‭ ‬الأمدِ‭.‬
 
على‭ ‬الصعيدِ‭ ‬البيئيِّ،‭ ‬فإنَّ‭ ‬بناءَ‭ ‬بنى‭ ‬تحتيةٍ‭ ‬جديدةٍ‭ ‬وزيادةَ‭ ‬عددِ‭ ‬السكانِ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مؤقَّتٍ‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬يؤثِّرَ‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬البيئةِ،‭ ‬من‭ ‬خلالِ‭ ‬زيادةِ‭ ‬انبعاثاتِ‭ ‬الكربونِ‭ ‬والضغطِ‭ ‬على‭ ‬المواردِ‭ ‬المحليةِ‭.‬
 
أمَّا‭ ‬على‭ ‬الصعيدِ‭ ‬الاقتصاديِّ،‭ ‬فإنَّ‭ ‬التكاليفَ‭ ‬المرتفعةَ‭ ‬لتنظيمِ‭ ‬الحدثِ‭ ‬قد‭ ‬تُسبِّبُ‭ ‬ديوناً‭ ‬كبيرةً‭ ‬للدولةِ‭ ‬المضيفةِ،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تُستخدَمِ‭ ‬البنى‭ ‬التحتيةُ‭ ‬المُشيَّدةُ‭ ‬بعدَ‭ ‬الحدثِ‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مستدامٍ‭. ‬كما‭ ‬يُشارُ‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬احتمالِ‭ ‬ارتفاعِ‭ ‬تكلفةِ‭ ‬المعيشةِ‭ ‬للسكانِ‭. ‬لكنَّ‭ ‬كلَّ‭ ‬ذلك‭ ‬يعتمدُ‭ ‬على‭ ‬كيفيةِ‭ ‬التخطيطِ‭ ‬للحدثِ‭.‬
 
الدول‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬تنظيم‭ ‬تظاهرات‭ ‬عالمية،‭ ‬مثل‭ ‬البرازيل‭ ‬جنوب‭ ‬افريقيا،‭ ‬المكسيك‭..‬،‭ ‬لم‭ ‬ينعكس‭ ‬المونديال‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬هفوات‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬المونديال‭ ‬فرصة‭ ‬لتحسين‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي؟
ليس‭ ‬لأن‭ ‬دولةً‭ ‬أو‭ ‬مجموعةَ‭ ‬دولٍ‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم،‭ ‬أن‭ ‬يُحكم‭ ‬على‭ ‬بلدنا‭ ‬بتحمُّل‭ ‬المصير‭ ‬نفسه‭. ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬ووضع‭ ‬خطته‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭. ‬وهذا‭ ‬يستلزم‭ ‬تطبيق‭ ‬تخطيطٍ‭ ‬صارمٍ‭ ‬وإدارةٍ‭ ‬شفافةٍ‭ ‬لتعظيم‭ ‬المنافع‭ ‬المحتملة‭ ‬مع‭ ‬تقليل‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭. ‬يجب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الحالات‭  ‬تجنبُ‭ ‬التدبير‭  ‬البيروقراطي‭ ‬وإشراك‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬الحية‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭. ‬وعلى‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬توضح‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬تكلفة‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬وآليات‭ ‬تمويله‭. ‬فهذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬طمأنة‭ ‬دافعي‭ ‬الضرائب‭ ‬الذين‭ ‬سيكونون‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الممولين‭ ‬المباشرين،‭ ‬وتقوية‭ ‬روابط‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭.‬

نقرأ‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬سيكلفنا‭ ‬مبلغاً‭ ‬معيناً‭. ‬لكن،‭ ‬حسب‭ ‬معرفتنا،‭ ‬لم‭ ‬تصدر‭ ‬أي‭ ‬تصريحاتٍ‭ ‬رسميةٍ‭ ‬موثوقةٍ‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬سرُّ‭ ‬دولةٍ!

وفقاً‭ ‬للبيانات‭ ‬المتداولة،‭ ‬والتي‭ ‬ينبغي‭ ‬أخذها‭ ‬بحذر،‭ ‬تتراوح‭ ‬التكلفة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لتنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬50‭ ‬و60 مليار‭ ‬درهم‭. ‬وبالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬الثلاث‭ ‬المنظمة‭ ‬مجتمعةً،‭ ‬ستتراوح‭ ‬التكلفة‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و20 مليار‭ ‬دولار‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬الإجمالي،‭ ‬سيتم‭ ‬تخصيص‭ ‬مبلغٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬قدره‭ ‬17‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬لبناء‭ ‬وتحديث‭ ‬الملاعب‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬المشاريع‭ ‬الرئيسية،‭ ‬يتطلب‭ ‬الملعب‭ ‬الكبير‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء‭ ‬ميزانية‭ ‬قدرها‭ ‬6‭ ‬مليارات‭ ‬درهم‭ ‬لإحداثه‭. ‬أما‭ ‬ملاعب‭ ‬الرباط‭ ‬ومراكش،‭ ‬فستكلف‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬درهم‭ ‬لكل‭ ‬منها‭. ‬وسيحتاج‭ ‬تجديد‭ ‬ملاعب‭ ‬مراكش‭ ‬والرباط‭ ‬وطنجة‭ ‬وأكادير‭ ‬وفاس‭ ‬إلى‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬لإعادة‭ ‬تأهيلها‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬التجديد‭ ‬الكامل‭ ‬لـ‭ ‬60‭ ‬مركز‭ ‬تدريبٍ‭ ‬وبناء‭ ‬نصف‭ ‬المراكز‭ ‬الجديدة‭ ‬المقترحة‭ ‬سيمثل‭ ‬تكلفةً‭ ‬إجماليةً‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬8‭ ‬مليارات‭ ‬درهم‭.‬

فيما‭ ‬يخص‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الإضافية‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للنقل،‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬17‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬وتركز‭ ‬بشكلٍ‭ ‬رئيسيٍ‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬السكة‭ ‬الحديدية‭ ‬بين‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬ومراكش‭. ‬وستبلغ‭ ‬التكلفة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لتنظيم‭ ‬الحدث‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬للدول‭ ‬الثلاث،‭ ‬منها‭ ‬مليار‭ ‬دولارً‭ ‬(10‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬سيتحملها‭ ‬المغرب)‭. ‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬التمويلية،‭ ‬تشير‭ ‬المعطيات‭ ‬المتوفرةً‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬التكلفة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لبناء‭ ‬الملاعب‭ ‬ومراكز‭ ‬التدريب‭ ‬(25‭ ‬مليار‭ ‬درهم)‭ ‬سيتم‭ ‬تغطيتها‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬ميزانيات‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2024‭ ‬إلى‭ ‬2030‭. ‬أما‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وشبكات‭ ‬النقل‭ ‬(17‭ ‬مليار‭ ‬درهم)،‭ ‬فسيتم‭ ‬تمويلها‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬التجاري‭ ‬عبر‭ ‬قروض‭ ‬مصرفية‭ ‬أو‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬الدين‭ ‬الخاص‭. ‬أما‭ ‬بقية‭ ‬التمويلات‭ ‬(10‭ ‬مليارات‭ ‬درهم)،‭ ‬فمن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قروض‭ ‬تفضيلية‭ ‬خارجية‭ ‬وهبات/مساعدات‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬لتغطية‭ ‬التكاليف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتنظيم‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تبقى‭ ‬هذه‭ ‬السيناريوهات‭ ‬مجرد‭ ‬فرضيات‭.‬

القطاعات‭ ‬التي‭ ‬ستستفيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النفقات‭ ‬الضخمة‭ ‬تشمل‭ ‬البناء‭ ‬والأشغال‭ ‬العامة‭ ‬(BTP)،‭ ‬السياحة،‭ ‬البنوك،‭ ‬الاتصالات،‭ ‬والكهرباء‭.‬
 
قطاع‭ ‬البناء (BTP):‭ ‬سيشهد‭ ‬انتعاشًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بفضل‭ ‬المشاريع‭ ‬الضخمة،‭ ‬مما‭ ‬سيعزز‭ ‬طاقات‭ ‬الشركات‭ ‬العاملة‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬الطلبات‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬للشركات‭ ‬المدرجة‭ ‬في‭ ‬البورصة‭.‬
 
القطاع‭ ‬المصرفي:‭ ‬ستستفيد‭ ‬البنوك‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬التمويلات‭ ‬المخصصة‭ ‬لمشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬ومن‭ ‬الديناميكية‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى‭ ‬كالنقل‭ ‬والسياحة،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬استخدام‭ ‬الخدمات‭ ‬البنكية‭.‬
 
قطاع‭ ‬السياحة:‭ ‬سيحقق‭ ‬مكاسب‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬والمتوسط‭ ‬مع‭ ‬تدفق‭ ‬السياح‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬المونديال‭  ‬والسنوات‭ ‬التي‭ ‬تليها‭. ‬كما‭ ‬سيتم‭ ‬تحسين‭ ‬العرض‭ ‬الفندقي‭ ‬الوطني‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬القطاع‭ ‬بحلول‭ ‬2030،‭ ‬حيث‭ ‬تُقدر‭ ‬العائدات‭ ‬السياحية‭ ‬بـ‭ ‬120‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭.‬
 
قطاع‭ ‬الاتصالات:‭ ‬سيستفيد‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬حركة‭ ‬البيانات‭ ‬والمكالمات،‭ ‬وتحسين‭ ‬معدلات‭ ‬التغطية‭ ‬الوطنية،‭ ‬والاستثمارات‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬وتحسين‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬نشر‭ ‬شبكة‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس (5G)‭.‬
 
بعض‭ ‬الدول‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬الأحداث‭ ‬الرياضية‭ ‬الكبرى،‭ ‬كالالعاب‭ ‬الأولمبية‭ ‬وكأس‭ ‬العالم‭ ‬لتحسين‭ ‬صورة‭ ‬بلدانها،‭ ‬هل‭ ‬المغرب‭ ‬مدرك‭ ‬لوجاهة‭ ‬استغلال‭ ‬المونديال‭ ‬لتسويق‭ ‬صورة‭ ‬أفضل‭ ‬عن‭ ‬بلدنا؟
لا‭ ‬شكَّ‭ ‬أنَّ‭ ‬تنظيمَ‭ ‬هذا‭ ‬الحدثِ‭ ‬سيُؤثِّرُ‭ ‬إيجابيًا‭ ‬على‭ ‬الصعيدِ‭ ‬الجيوسياسيِّ‭ ‬وعلى‭ ‬صورةِ‭ ‬بلدِنا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭. ‬وقد‭ ‬رأينا‭ ‬ذلك‭ ‬سابقًا‭ ‬بعد‭ ‬الأداءِ‭ ‬المتميِّزِ‭ ‬لفريقِنا‭ ‬الوطنيِّ‭ ‬خلالَ‭ ‬كأسِ‭ ‬العالمِ‭ ‬في‭ ‬قطر‭. ‬هذا‭ ‬التأثيرُ‭ ‬المتمثِّلُ‭ ‬في‭ ‬"القوَّةِ‭ ‬الناعمةِ"‭ ‬لبلدِنا‭ ‬يصعبُ‭ ‬قياسُهُ‭ ‬كمّيًا،‭ ‬لكنَّهُ‭ ‬يُمكنُ‭ ‬إدراكُهُ‭ ‬نوعيًّا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬علاقاتِه‭ ‬الدوليةِ‭ ‬وفي‭ ‬درجةِ‭ ‬تأثيرِه‭ ‬على‭ ‬الساحةِ‭ ‬الدبلوماسية‭.‬

علاوةً‭ ‬على‭ ‬ذلكَ،‭ ‬تُدركُ‭ ‬العديدُ‭ ‬من‭ ‬الدولِ‭ ‬اليومَ‭ ‬أهمِّيَّةَ‭ ‬"القوَّةِ‭ ‬الناعمةِ"‭ ‬و"الدبلوماسيةِ‭ ‬الرياضيةِ"‭ ‬سواءٌ‭ ‬داخليًا‭ ‬أو‭ ‬دوليًا‭.‬
على‭ ‬الصعيد‭ ‬الداخلي،‭ ‬فإن‭ ‬بناء‭ ‬وتجديد‭ ‬الملاعب‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمنافسات‭ ‬ومراكز‭ ‬التدريب‭ ‬يمثلان‭ ‬تجديدًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬الوطنية‭ ‬الاحترافية‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬بروز‭ ‬الأبطال‭ ‬المحليين‭ ‬سيخلق‭ ‬حماسًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬تجاه‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬وسيحفز‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الرياضة،‭ ‬متابعة‭ ‬مسارات‭ ‬مهنية‭ ‬رياضية،‭ ‬وتبني‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬نشط‭.‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬الرياضة‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬عالمية،‭ ‬لغة‭ ‬نتشاركها‭ ‬جميعًا‭. ‬الجسم‭ ‬البشري،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الأصول‭ ‬أو‭ ‬المعتقدات‭ ‬أو‭ ‬القدرات‭ ‬الفردية،‭ ‬يجد‭ ‬قوته‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬البدني‭. ‬تتجاوز‭ ‬الرياضة‭ ‬الحدود‭ ‬والخلافات‭  ‬السياسية‭ ‬والحواجز‭ ‬الدينية‭ ‬لتخلق‭ ‬قاعدة‭ ‬مشتركة‭. ‬وتبرز‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الرياضية‭ ‬كإستراتيجية‭ ‬ذكية‭ ‬تمكّن‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الجيوسياسية‭.‬
 
ماذا‭ ‬بعد‭ ‬المونديال،‭ ‬أمام‭ ‬ملاعب‭ ‬ضخمة‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬حاجيات‭ ‬المغرب،‭ ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬استغلالها؟
تتمثل‭ ‬المشكلة‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬الملاعب،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬الملعب‭ ‬الكبير‭ ‬ببنسليمان،‭ ‬الذي‭ ‬تقدر‭ ‬تكلفته،‭ ‬كما‭ ‬سلف‭ ‬الذكر‭  ‬بـ‭ ‬6‭ ‬مليارات‭ ‬درهم‭. ‬هناك‭ ‬بالفعل‭ ‬خطر‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬هذه‭ ‬التحفة‭ ‬المعمارية‭ ‬غير‭ ‬مستغلة‭ ‬بشكل‭ ‬كافٍ،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬تتطلب‭ ‬صيانة‭ ‬وتجديداً‭ ‬دائماً،‭ ‬مما‭ ‬يسبب‭ ‬تكاليف‭ ‬إضافية‭. ‬فما‭ ‬العمل‭ ‬إذن؟‭ ‬يجب‭ ‬الارتقاء‭ ‬بمستوى‭ ‬فرقنا‭ ‬الوطنية‭ ‬لتقديم‭ ‬عروض‭ ‬رياضية‭ ‬ممتعة‭ ‬تُحفّز‭ ‬الجمهور‭ ‬والشباب‭ ‬على‭ ‬التوافد‭ ‬بكثافة‭ ‬إلى‭ ‬الملاعب‭.‬

أيضاً،‭ ‬مع‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يفوز‭ ‬المغرب‭ ‬بكأس‭ ‬العالم‭ ‬لعام‭ ‬2030،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يمتلك‭ ‬الإمكانيات‭ ‬لتحقيقه،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيخلق‭ ‬دينامية‭ ‬جديدة‭ ‬لجذب‭ ‬المنافسات‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بنيته‭ ‬التحتية‭ ‬الجيدة،‭ ‬وقدراته‭ ‬التنظيمية،‭ ‬و"قوته‭ ‬الناعمة"‭.‬

إنها‭ ‬إشكالية‭ ‬تستدعي‭ ‬التفكير‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬وعدم‭ ‬انتظار‭ ‬وقوع‭ ‬المشاكل‭ ‬قبل‭ ‬التدخل‭.  ‬فالوقاية‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬العلاج،‭ ‬والتخطيط‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الارتجال‭.‬

المغرب‭ ‬لديه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬لاستغلال‭ ‬فرصة‭ ‬تنظيم‭ ‬المونديال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬التراب‭ ‬الوطني،‭ ‬وضمان‭ ‬مستقبل‭ ‬وحياة‭ ‬كريمة‭ ‬لشبابه‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬من‭  ‬الرياضة‭ ‬رافعة‭ ‬للتنمية‭ ‬وليس‭ ‬"أفيوناً‭ ‬للشعوب"‭. ‬بلدنا‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحدي‭. ‬فلنعمل‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭..‬