الاثنين 13 يناير 2025
منبر أنفاس

البراق شادي عبد السلام: خطاب رامافوزا في البرلمان الجزائري.. ضد رؤية إفريقيا 2063 ومخالف لمبادئ المجموعة الأقتصادية لـ G20

البراق شادي عبد السلام: خطاب رامافوزا في البرلمان الجزائري.. ضد رؤية إفريقيا 2063 ومخالف لمبادئ المجموعة الأقتصادية لـ G20 البراق شادي عبد السلام

الخطاب الذي ألقاه الرئيس الجنوب إفريقي السيد ماتاميلا سيريل رامافوزا أمام البرلمان الجزائري خَيَّب آمال وطموحات الشعوب الإفريقية التي تراهن على رئاسة جمهورية جنوب إفريقيا للدورة الحالية لمجموعة دول العشرين الاقتصادية بما تمثله من فرصة من أجل الترافع الجدي عن قضايا القارة الإفريقية وحق الشعوب الإفريقية في التنمية المستدامة والأمن والسلام والاستقرار، فتحت رئاسة جنوب إفريقيا، من المتوقع أن تعطي مجموعة العشرين الأولوية للقضايا الأكثر إلحاحا في إفريقيا مثل التنمية المستدامة والوصول العادل إلى الموارد والاستقرار الاقتصادي العالمي، مع تسليط الضوء على تحديات وفرص إفريقيا، وتعزيز تمثيل أكثر توازنًا للجنوب العالمي في الخطاب الدولي من خلال التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة ووحدة الدول في مواجهة المخططات التقسيمية وليس العكس ، بدل أن يستغل السيد رامافوزا وجوده في البرلمان الجزائري ليدعو النظام الشمولي الجزائري إلى وقف حالة الجمود الإقليمي الذي ورط فيه مختلف شعوب شمال القارة الإفريقية وعطل بموجبه الاتحاد المغاربي كفضاء إقليمي للتنمية و الاستقرار من خلال دعمه الواضح لميليشيا البوليساريو الإرهابية التي تهدد الاستقرار الإقليمي لمنطقة تعيش في ظل تحديات جيوسياسية متعددة بسبب وجود السرطان الإقليمي المتمثل في مخيمات الذل والإهانة بتندوف التي تحولت بسبب ضيق الأفق التنموي وحالة الحصار التي تمارسه عصابات الرابوني على عشرات الآلاف من المحتجزين إلى بيئة حاضنة لمختلف التحديات الأمنية التي تهدد المنطقة كالإرهاب و الجريمة العابرة القارات والإتجار في البشر وغيرها من التحديات .

 

الشعوب الإفريقية كانت تنتظر من السيد سيريل رامافوزا أن لا يغض الطرف على جرائم ضد الإنسانية شبيهة بجرائم نظام الأبارتايد العنصري تقع على بعد مئات الأميال من الجزائر العاصمة و أن يتحدث عن الوضعية المأساوية التي يعيشها عشرات الآلاف من المحتجزين الأفارقة في مخيمات تندوف السيئة السمعة التي تحولت إلى أكبر سجن في التاريخ الإنساني منذ أكثر من 50 سنة حيث تمارس في حق المحتجزين كل أنواع التنكيل والقتل والاحتجاز والحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية بتواطئ مع النظام الشمولي الجزائري الذي يوفر لقادة هذه الميليشيا الإرهابية كل انواع الدعم السياسي و الديبلوماسي والمادي و العسكري من أجل خدمة المشروع البومديني للهيمنة على مقدرات الشعوب الإفريقية بعد بناء وهم الدولة الجزائرية الكبرى الممتدة من صحراء سيوة إلى المحيط الأطلسي .

 

السيد سيريل رامافوزا إرتكب خطأ تاريخيا و ديبلوماسيا كبيرا كرئيس لمجموعة الدول العشرين الاقتصادية حيث أعلن علانية عن دعم بلاده التي تتولى الرئاسة الحالية للمجموعة لمشروع تقسيمي يهدد الوحدة الترابية للمملكة المغربية الشريك الاستراتيجي الهام لمختلف الدول الأعضاء في مجموعة G20 التي تمثل مجتمعة حوالي 90% من إجمالي الناتج العالمي، و80% من التجارة العالمية وثلثي سكان العالم، وحوالي نصف مساحة اليابسة في العالم و هي الدول التي تدعم بشكل مباشر الوحدة الترابية للمملكة المغربية من خلال الدعم الواضح لمقترح الحكم الذاتي بإعتباره الحل الوحيد للنزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية و بشكل خاص الترويكا المشكلة من الرئاسة السابقة والحالية والقادمة لمجموعة دول العشرين التي تقوم بمهام الأمانة العامة و تضم هذه الترويكا البرازيل التي جددت دعمها لمقترح الحكم الذاتي و الولايات المتحدة الأمريكية التي تعترف بشكل واضح لا لبس فيه بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية ؛ ما تجاهله السيد رامافوزا أن دفاعه عن الطرح الإنفصالي في البرلمان الجزائري قد حول خطابه إلى حركة بهلوانية مسيئة للتراث النضالي للشعب الجنوب إفريقي و للزخم السياسي و الديبلوماسي الذي صاحب ترؤس جنوب إفريقيا للدورة الحالية لمجموعة العشرين ، يحدث هذا في مقابل دينامية التغيير الاستراتيجي في النزاع الإقليمي المفتعل التي يقودها بثبات رائد العمل الإفريقي المشترك الملك محمد السادس، حيث إن 85% من دول العالم (164 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة) لا تعترف بالكيان الانفصالي كما أن 112 دولة تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ومن بينها أكثر من 60 ٪ من الدول الإفريقية عبرت على دعمها الكامل لهذه المبادرة الخلاقة .

 

لا يخفى على أحد أن مخططات دعم الميليشيات الانفصالية والتقسيمية التي تروج لها جنوب إفريقيا قاريا تلعب دورًا مدمرًا في تعطيل الطموحات الأفريقية نحو التنمية المستدامة والوحدة السياسية التي تجسدها رؤية إفريقيا 2063 ، حيث ترسخ هذه المخططات التقسيمية التهديدات الأمنية و العسكرية والنزاعات المسلحة وغياب الاستقرار وتمدد الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية العابرة للقارات والميليشيات الانفصالية وتعزز فرص نجاح الفواعل التي تهدف إلى تقسيم الدول و تهديد سيادتها مما يعرقل جهود التكامل والسيطرة على الموارد ،ويزيد من حدة الفقر والبطالة ،حيث تُضعف هذه الانقسامات من تأثير قيم الحكم الرشيد والديمقراطية على المجتمع بشكل يكرس أساليب انتهاك حقوق الإنسان في ارتباطها بالتنمية وعلى هذا الأساس تسهم هذه العوامل في تفشي ثقافة العنف والتطرف مما يعيق جهود تحقيق السلام والأمان ويجعل من الصعب على شعوب القارة تحقيق رؤيتها لعام 2063 ،و هنا يجب التأكيد أن دعم السيد رامافوزا لميليشيا البوليساريو الإرهابية في خطاب أمام البرلمان الجزائري يتعارض مع القيم الإفريقية التي تجسدها رؤية إفريقيا 2063 حيث من المنتظر أن تلعب هذه الأجندة دورًا محوريًا في حل النزاعات في إفريقيا بهدف تعزيز السلام والأمن والاستقرار، وترسخ جهود تبني نهج وقائي لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات مثل الفقر و الإرهاب من خلال استخدام الحوار والمصالحة كوسيلة لحل الخلافات ، وبالتالي فهذا الخطاب يتعارض مع السياق القاري الداعم للموقف المغربي من النزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية والمؤيد لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل سياسي تفاوضي لهذا النزاع الإقليمي .

 

خطاب السيد رامافوزا أمام البرلمان الجزائري هو إرتداد صريح لجمهورية جنوب إفريقيا و المؤتمر الوطني الإفريقي على قيم نيلسون مانديلا من خلال دعم مخطط تقسيمي يهدد حرية و استقلال وسيادة المملكة المغربية ويشجع السياسات الاستعمارية الجديدة الذي تمثلها الدول الوظيفية كالنظام الشمولي الجزائري ؛ حيث أن هذا الخطاب يمثل تكريسا واضحا لسياسات جنوب إفريقيا العدائية ضد المملكة المغربية و التي تظهر بالملموس تشكل محور الجزائر - بريتوريا الذي يستهدف الاستقرار الإقليمي والسيادة المغربية بدعم ميليشيا البوليساريو الإرهابية التي تهدد الأمن الإقليمي و القاري، فالملاحظ انه هناك شبه اتفاق بين محور بريتوريا / الجزائر على تحجيم دور المغرب قاريا و إقليميا ، فالتقدم الكبير الذي حققه المغرب في إفريقيا و خاصة في شرقها وجنوبها أصبح يزعج مراكز القرار السياسية في بريتوريا والاقتصادية في جوهانسبورغ كما أن قوة ومرونة وجاذبية الاقتصاد المغربي أصبحت تشكل منافسا حقيقيا لقوة الاقتصاد الجنوب إفريقي في القارة .

 

فالتمدد الجيوسياسي المغربي في إفريقيا باستخدام قنوات ديبلوماسية متعددة الأطراف كالاتفاقات الإقليمية والقارية المرتبطة بالمناخ و العودة القوية إلى منظمة الاتحاد الإفريقي والتموقع الجيد في هياكله القارية والانخراط الجدي في التكتلات الإقليمية الجديدة كمجموعة دول إفريقيا الأطلسية والمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل للواجهة الأطلسية والمشروع الهيكلي أنبوب الغاز الإفريقي - الأطلسي بتداعياته التنموية الإيجابية على غرب إفريقيا ومناورات الأسد الإفريقي وهيمنتها على المجال الأمني المفتوح في الصحراء الإفريقية والساحل ونجاح نهج ديبلوماسية القنصليات و الزخم السياسي المصاحب لها كلها ملفات تشكل أمام النظام الجنوب إفريقي تحديات قارية تعمل جاهدة على وقف تأثيرها على تموقعها السياسي كدولة رائدة إفريقية .

 

كل هذه المعطيات تزعج محور بريتوريا / الجزائر الذي يرى في المغرب بتوجهاته السياسية والاقتصادية تهديدا لمصالحه وبالتالي فخطاب السيد رامافوزا العدائي ضد المغرب في البرلمان الجزائري بهذا التوقيت هدفه الأساس مواجهة التمدد الجيوسياسي المغربي في إفريقيا حيث أصبح المغرب بحكم موقعه الجغرافي وتاريخه الإفريقي المشترك من الدول الأكثر حضورا وتمثيلا للقارة الإفريقية وشعوبها في المنتظم الدولي خاصة في الترافع على القضايا الإفريقية المشتركة كالتغير المناخي والتنمية المستدامة والأمن ومكافحة الإرهاب والتطرف والهجرة حيث يعتبر جلالة الملك محمد السادس رائد الهجرة الإفريقية بقرار من الدول الإفريقية مجتمعة .

 

بالنظر إلى العلاقات الوطيدة بين بريتوريا والجزائر العاصمة تتكشف الكثير من خيوط اللعبة الخفية التي تلعبها المخابرات الجزائرية ودوائر إقليمية للإضرار بالمصالح العليا للمغرب في مختلف الميادين والساحات الديبلوماسية ومحاولة فاشلة لتحجيم دور الرباط المتعاظم قاريا والضغط عليها سياسيا لتحقيق مكاسب اقتصادية في السوق المغربية الواعدة.

 

العقل الاستراتيجي المغربي انطلاقا من الثوابت المؤسسة لسياسته الخارجية و المواقف الراسخة إزاء قضيته الوطنية الاولى قادر على إجهاض كل المؤامرات الدنيئة والمخططات الخبيثة التي تستهدف المغرب ووحدته الترابية ، جنوب إفريقيا كدولة فاعلة في محيطها القاري و الدولي اليوم بسياساتها تسير في إطار ممنهج ضد مصالح الأجيال القادمة وبشكل يخالف الأسس التي إنبنت عليها فكرة قيام دولة جنوب إفريقيا الديمقراطية ما بعد حقبة الأبارتايد بمراهنتها على نظام شمولي غير ديمقراطي لا رؤية إستراتيجية له من أجل بناء محور قاري بين الجزائر وبريتوريا وجوده مرتبط بمعاكسة دولة ذات سيادة في الحفاظ على وحدتها الترابية وأمنها القومي بأبعاده المتعددة ، المملكة المغربية تصر اليوم من خلال مقاربتها الحضارية الشاملة و مبادراتها التنموية المهيكلة على بناء صرح قاري هدفه الحفاظ وتثمين مقدرات وثروات الشعوب الإفريقية و ضمان حقوق الأجيال القادمة من الأفارقة في العيش الكريم والأمن والسلام والاستقرار .