الأربعاء 15 يناير 2025
في الصميم

أريري: الجزائر.. لم يعد لدينا رجال راشدون يؤمنون بالانفصال في تندوف!

أريري: الجزائر.. لم يعد لدينا رجال راشدون يؤمنون بالانفصال في تندوف! عبد الرحيم أريري
‮«‬هناك‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬8000‭ ‬طفل‭ ‬تم‭ ‬تجنيدهم‭ ‬بتندوف‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬نزاع‭ ‬الصحراء‭. ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬خضعوا‭ ‬لتداريب‭ ‬في‭ ‬معسكرات‭ ‬توجد‭ ‬في‭: ‬كوبا،‭ ‬الجزائر،‭ ‬ليبيا،‭ ‬سوريا‭ ‬وفنزويلا،‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الطفل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسائل‭ ‬‮«‬فيرجينيا‭ ‬غامبا‮»‬،‭ ‬الممثلة‭ ‬الخاصة‭ ‬للأمين‭ ‬العام‭ ‬الأممي‭ ‬المعنية‭ ‬بالأطفال‭ ‬والنزاع‭ ‬المسلح،‭ ‬ويسائل‭ ‬كذلك‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬حتى‭ ‬يتحمل‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬مسؤوليته‮»‬‭.‬
 
هذا ما صرح به الخبير الدولي في حقوق الإنسان، MATTEO DOMINICI، أثناء انعقاد الدورة 46 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف يوم 9 مارس 2021. وهو تصريح يكتسي دلالة خطيرة تتجلى في أن عملية تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف تعد من الحالات الخطيرة الشاذّة على المستوى الدولي. 
 
لماذا؟
لأننا حينما نقوم بعملية مسح لخرائط التّجنيد على المستوى العالمي نجدها تعرف مدّا وجزرا، كما تعرف قصورا في بعض الأحيان، وتختفي تارة أو تندثر من الوجود أحيانا أخرى، باستثناء مخيمات تندوف، التي تبقى المنبت الذي يغذي باستمرار ماكينة التجنيد بالأطفال. لأن هناك إرادة سيّاسية من الجزائر، الدولة المضيفة، لإدامة وإطالة الصراع. وحينما نتحدّث عن تجنيد الأطفال بتندوف يتبادر إلى ذهننا أن الرّجال غائبون، أي لم يعد هناك رجال يؤمنون بالإديولوجيا أو راشدون يؤمنون بـ «القضية»، فيتم اللجوء إلى الحلقة الأضعف التي تتجسّد في الأطفال والنّساء.
 
من منا لا يتذكر - في هذا الإطار - صرخة السيدة سعداني ماء العينين، في مختلف المحافل الدولية والمدنية، التي أفلحت في تصوير فظاعات تجنيد أطفال تندوف بجزيرة الشباب الكوبية، بشكل جعلت العالم يكتشف أكبر مصنع رهيب بجنوب غرب الجزائر مختص في تجنيد الأطفال، وهو التجنيد الذي يختلف عن أشكال تجنيد الأطفال بباقي دول المعمور، لأن ما يتم فوق أرض الجزائر (بمخيمات تندوف) يعد تجنيدا ممنهجا. 
 
ولما نستعمل كلمة ممنهج، فنحن نتحدّث عن عملية مؤسّساتية عسكرية تجنيديّة تشرف عليها قيادة البوليساريو وتؤطرها المخابرات الجزائرية. فحينما يتعلق الأمر بحياكة زيّ عسكري لطفل بتندوف، بمقاسات الأطفال وبأحذية الأطفال وبقبّعات الأطفال، فنحن نتحدث عن عملية ممنهجة مؤسّساتية تبدأ بشكلها الرمزي في الزّي وتنطلق إلى زرع الإديولوجيات. وهي نفس الإديولوجيات التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة التي كانت تنهل من الأدبيات اليسارية الماركسية العسكريّة العنفيّة الشائعة آنذاك في عدد من الدّول، ومنها الدّول الأوروبية التي ظهرت فيها تنظيمات وتيارات بإيرلندا وإقليم الباسك وإيطاليا وألمانيا، حيث كانت كل هذه التّيارات ذات البعد اليساري الماركسي العنيف تجنّد الأطفال، سواء من خلال منظمة «إيرا» أو «إيطا» أو «الأولوية الحمراء» أو جماعة «بادر ماينهوف».
 
السّؤال الذي يطرح هو: لماذا اختفى تجنيد الأطفال في الدّول الأوروبية بينما يستمر في إفريقيا وفي أمريكا اللاّتينية وفي تندوف وفي جنوب شرق آسيا وفي دول السّاحل؟. 
 
الجواب جدّا بسيط، لأنّ أوربا توجد بها سلط أقوى، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والنّاتو، وهي مؤسسات قوية، تمكنت من وضع حدّ لتجنيد الأطفال بصرامة، في حين الوضع مازال مستمرا بشكل مهول في الدّول الأفريقية وأمريكا اللاّتينية وشرق آسيا، لعدم وجود تلك السّلط الكبرى. وهو ما يسائل الاتحاد الأوروبي والناتو والأمم المتحدة، التي لا تحرّك ساكنا في هذا الإطار، وتتواطئ بصمتها على استمرار هذه الظاهرة.
 
المغرب، الذي حشره الله في الشرق مع جار أحمق وحقود، يتحمل وحده كدولة كلفة إدارة هذه «القنبلة» التي تهدد استقرار إفريقيا وجنوب أوربا، والمتمثلة في تحول مخيمات تندوف إلى أكبر منبت لتجنيد الأطفال لصنع «إرهابيي الغد»، وفق تعبير السفير المغربي عمر هلال في اجتماع اللجنة الرابعة للأمم المتحدة في نونبر 2021، وهو ما قاد إلى اختيار المغرب كبلد لاحتضان المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال (مقره بمدينة الداخلة)، من أجل الترافع عالميا ضد تجنيد الأطفال، وهو الترافع الذي جسده المغرب عبر المبادرة الملكية الأطلسية وفتح منافذ لدول الساحل نحو المحيط الأطلسي. بالنظر إلى أن المبادرة الملكية ببعدها الاستراتيجي والتنموي، تعد أكبر مدخل لتجفيف منابع تجنيد الأطفال في دول الساحل، ومنح مفاتيح لهاته الدول لتنمية مجالاتها وتأمين حدودها وإدماج شبابها في التنمية.
 
وحدها الجزائر ستبقى دولة مارقة، بشكل يعطي لصرخة الخبير الدولي Matteo DOMINICI كل المشروعيات، للتساؤل عن سبب عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عن التدخل لتجفيف تندوف من كل الفظاعات الإنسانية المرتكبة داخل مخيماتها.