اشتغل الكثير من الاقتصاديين والسياسيين وقوى الضغط الطبقي على قانون المالية. كان اشتغالهم، ولا يزال، محكومًا بعلاقة الممارسة السياسية بمجال الأعمال المربحة طبعًا لفئات قليلة العدد وكبيرة الحضور المؤثر على الطبقة السياسية وقياديها على الخصوص. يبدو الأمر وكأنه، كما يصور الدستور ذلك، ممارسة ديمقراطية سليمة في منهجها وحاملة للمشروعية في التحكم في موارد الدولة ونفقاتها. ويظل القانون صناعة بشرية تعكس نوعية وقوة العلاقات بين الطبقات والفئات الاجتماعية. وسيظل أمر الاستفادة من أرباح اقتصاد البلاد مرتبطًا بتوازنات، أو بغيابها، بين ممتلكي وسائل الإنتاج والتمويل وبين كل الطبقات التي لا تمتلك إلا قوة العمل.
سيظل أمر تدبير استمرارية السلطة عبر التاريخ مرتبطًا بمصادر تمويل وسائل مؤسساتها التنفيذية. ولم تتوقف علاقة الضرائب بالسلطة السياسية منذ قرون. ويعود مبدأ "قبول المساهمة الضريبية" من طرف المواطنين ساريًا منذ قرون. ظلت الأنظمة السياسية الإقطاعية أو الفيوفودية منذ قرون تربط بين الدين والسلطة وقبول المساهمة الجباية عن طوع أو بالقوة القاهرة. ويستمر هذا المبدأ في تبرير جزء مما يسمى بالعدالة الضريبية إلى اليوم. وتطورت أساليب التعامل مع قبول القاعدة الضريبية بأشكال مختلفة. ويظل الرابح الكبير، وربما الأكبر، هو من يستفيد من عوائد الضرائب ومن كل التحفيزات والهدايا التي يتلقاها بحكم القانون في مجالات الاستثمار والعقار والفلاحة وحتى البورصة. وسيظل المصوتون على هذا القانون جاهزين لحماية طبقة تستفيد من كل سياسات الدولة.
وتستمر اللعبة البرلمانية في زيادة حجم ثروة الأغنياء بوعي أو بدون وعي. وسيظل قانون اللعبة متمركزًا في أسلوب التصويت على ما لا يضر مصالح كبار القوم. تم تمرير قوانين الاستثمار منذ عقود. استفاد الغريب عن خلق الثروات ولم يستفد الفلاح الصغير وصاحب مراكب الصيد التقليدي وغيرهم من صانعي ثروات البلاد. ويأتي قانون المالية لكي لا ينصف الصانع والفلاح، ولكي يخدم من لا يصنع قيمة مضافة ولا مناصب شغل.
وتستمر الاجتماعات خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة الميلادية في البرلمان. يتم توزيع الأدوار بين الحكومة والأغلبية بطريقة تحترم الشكل القانوني. وتتحرك قوى المعارضة بما أوتيت من قوة، لمحاولة إحداث توازنات بين العرض الحكومي المرضي للفئات العليا، ومحاولة إيجاد حلول جزئية للفئات الدنيا.
وتستمر الاجتماعات البرلمانية بشكل مسرحي بسيط وبعيد عن تفاعل خلاق من أجل البحث عن التنمية. يظهر أن تفاعل الحكومة وأغلبيتها لا يخضع لميزان التقييم والتحليل الذي يربط بين التمويلات والنتائج المتوخاة. لا حاجة لعاقل أن يقدم الأرقام التي تم تخصيصها للسياسات العمومية والقطاعية. ولا حاجة للكلام عن غياب التقييم. ولا حاجة لمقارنة الوضع الراهن لارتفاع الأسعار والقوة الشرائية للمواطنين بحجم الوعود الانتخابية لكثير من الزعماء في زمن غياب محاسبة الزعماء.
لكل ما سبق، يظهر أن علاقة المواطن بالممارسة السياسية لم تعد تحتاج لتضييع الزمن السياسي في مناقشة مشروع قانون لا فائدة من التصويت عليه أو ضده. والأمر ينطبق على القانون التنظيمي للمالية الذي لا يفيد في شيء ذلك المواطن الذي لم يشاهد تنزيل أي مبدأ له علاقة بالمحاسبة والشفافية وقياس تنفيذ الأهداف. لم تعد هناك حاجة إلى قوانين المالية ولا إلى القانون المنظم لها. تتحول جلسات اللجان المختصة إلى لعبة ينتصر فيها موظف على برلماني من خلال نقاش تقني بسيط. لقد أصبح العمل البرلماني معرضًا لكافة أشكال تهريب النقاش إلى الشكل وتهميش الجوهر.
ويظل سؤال أهمية قانون المالية مهمًا في ظل عدم توازن قواعد تدبيره برلمانيًا. وقد لاحظ الكثير من المتابعين للشأن العام أن الحكومة "بوزرائها الموظفين التقنيين" أصبحت تقلص زمن التصويت على مشروع المالية. وقد يؤثر هذا الوضع على كيفية تعديل القانون التنظيمي للمالية لتقليص الآجال المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية. وسيأتي اليوم الذي يجمع فيه الكل على منح الأغلبية "بطاقة بيضاء" دون الحاجة إلى لعبة برلمانية لا طعم لها.
زمننا لا يتيح الدخول في تفاصيل أرقام مشروع قانون المالية وشرح الواضحات من المفضحات. ويظل السبيل الواضح وغير المكلف هو تمكين الحكومة من كل الصلاحيات ومن تغيير القانون التنظيمي للمالية. ومن حق الحكومة وأغلبيتها تقديم مشروع قانون مالية واحد يغطي خمس سنوات. وستظل إمكانية التشريع بمرسوم متاحة لتغيير كل القوانين المتعلقة بالضرائب والجمارك والاستثمار وكل شيء يحمي أصحاب المصالح. لكل هذا أصبح التطرق لمكونات مشروع المالية السنوي غير ذي جدوى ولا أهمية. ويظل الهدف الأسمى أن تفعل الحكومة ما تريد بكل موارد الشعب المغربي دون رقابة إلى أن يصل يوم الحساب على أرض الواقع. وكفى من لعب أدوار لمجرد تقديم صورة عن تدبير شكله ديمقراطي فقط لا غير. والسلام على الممارسة السياسية الديمقراطية في غربتها العميقة.
سيظل أمر تدبير استمرارية السلطة عبر التاريخ مرتبطًا بمصادر تمويل وسائل مؤسساتها التنفيذية. ولم تتوقف علاقة الضرائب بالسلطة السياسية منذ قرون. ويعود مبدأ "قبول المساهمة الضريبية" من طرف المواطنين ساريًا منذ قرون. ظلت الأنظمة السياسية الإقطاعية أو الفيوفودية منذ قرون تربط بين الدين والسلطة وقبول المساهمة الجباية عن طوع أو بالقوة القاهرة. ويستمر هذا المبدأ في تبرير جزء مما يسمى بالعدالة الضريبية إلى اليوم. وتطورت أساليب التعامل مع قبول القاعدة الضريبية بأشكال مختلفة. ويظل الرابح الكبير، وربما الأكبر، هو من يستفيد من عوائد الضرائب ومن كل التحفيزات والهدايا التي يتلقاها بحكم القانون في مجالات الاستثمار والعقار والفلاحة وحتى البورصة. وسيظل المصوتون على هذا القانون جاهزين لحماية طبقة تستفيد من كل سياسات الدولة.
وتستمر اللعبة البرلمانية في زيادة حجم ثروة الأغنياء بوعي أو بدون وعي. وسيظل قانون اللعبة متمركزًا في أسلوب التصويت على ما لا يضر مصالح كبار القوم. تم تمرير قوانين الاستثمار منذ عقود. استفاد الغريب عن خلق الثروات ولم يستفد الفلاح الصغير وصاحب مراكب الصيد التقليدي وغيرهم من صانعي ثروات البلاد. ويأتي قانون المالية لكي لا ينصف الصانع والفلاح، ولكي يخدم من لا يصنع قيمة مضافة ولا مناصب شغل.
وتستمر الاجتماعات خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة الميلادية في البرلمان. يتم توزيع الأدوار بين الحكومة والأغلبية بطريقة تحترم الشكل القانوني. وتتحرك قوى المعارضة بما أوتيت من قوة، لمحاولة إحداث توازنات بين العرض الحكومي المرضي للفئات العليا، ومحاولة إيجاد حلول جزئية للفئات الدنيا.
وتستمر الاجتماعات البرلمانية بشكل مسرحي بسيط وبعيد عن تفاعل خلاق من أجل البحث عن التنمية. يظهر أن تفاعل الحكومة وأغلبيتها لا يخضع لميزان التقييم والتحليل الذي يربط بين التمويلات والنتائج المتوخاة. لا حاجة لعاقل أن يقدم الأرقام التي تم تخصيصها للسياسات العمومية والقطاعية. ولا حاجة للكلام عن غياب التقييم. ولا حاجة لمقارنة الوضع الراهن لارتفاع الأسعار والقوة الشرائية للمواطنين بحجم الوعود الانتخابية لكثير من الزعماء في زمن غياب محاسبة الزعماء.
لكل ما سبق، يظهر أن علاقة المواطن بالممارسة السياسية لم تعد تحتاج لتضييع الزمن السياسي في مناقشة مشروع قانون لا فائدة من التصويت عليه أو ضده. والأمر ينطبق على القانون التنظيمي للمالية الذي لا يفيد في شيء ذلك المواطن الذي لم يشاهد تنزيل أي مبدأ له علاقة بالمحاسبة والشفافية وقياس تنفيذ الأهداف. لم تعد هناك حاجة إلى قوانين المالية ولا إلى القانون المنظم لها. تتحول جلسات اللجان المختصة إلى لعبة ينتصر فيها موظف على برلماني من خلال نقاش تقني بسيط. لقد أصبح العمل البرلماني معرضًا لكافة أشكال تهريب النقاش إلى الشكل وتهميش الجوهر.
ويظل سؤال أهمية قانون المالية مهمًا في ظل عدم توازن قواعد تدبيره برلمانيًا. وقد لاحظ الكثير من المتابعين للشأن العام أن الحكومة "بوزرائها الموظفين التقنيين" أصبحت تقلص زمن التصويت على مشروع المالية. وقد يؤثر هذا الوضع على كيفية تعديل القانون التنظيمي للمالية لتقليص الآجال المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية. وسيأتي اليوم الذي يجمع فيه الكل على منح الأغلبية "بطاقة بيضاء" دون الحاجة إلى لعبة برلمانية لا طعم لها.
زمننا لا يتيح الدخول في تفاصيل أرقام مشروع قانون المالية وشرح الواضحات من المفضحات. ويظل السبيل الواضح وغير المكلف هو تمكين الحكومة من كل الصلاحيات ومن تغيير القانون التنظيمي للمالية. ومن حق الحكومة وأغلبيتها تقديم مشروع قانون مالية واحد يغطي خمس سنوات. وستظل إمكانية التشريع بمرسوم متاحة لتغيير كل القوانين المتعلقة بالضرائب والجمارك والاستثمار وكل شيء يحمي أصحاب المصالح. لكل هذا أصبح التطرق لمكونات مشروع المالية السنوي غير ذي جدوى ولا أهمية. ويظل الهدف الأسمى أن تفعل الحكومة ما تريد بكل موارد الشعب المغربي دون رقابة إلى أن يصل يوم الحساب على أرض الواقع. وكفى من لعب أدوار لمجرد تقديم صورة عن تدبير شكله ديمقراطي فقط لا غير. والسلام على الممارسة السياسية الديمقراطية في غربتها العميقة.