"العناية بالطفولة ومساندة الأسرة في التمكين الإنساني في المغرب " عنوان ورقة بحثية حديثة أعدها عبد الله أبو إياد أستاذ التعليم العالي والباحث في علوم التربية دعا فيها بالخصوص إلى التفكير في إحداث هيئة مستقلة للعناية بقضايا الطفولة ومساندة الأسرة.
وأوضح أبو إياد الباحث في العلوم القانونية وعلم النفس الجنائي أيضا، أن التفكير في إحداث هذه الهيئة تحت مسمى " مندوبية سامية للعناية بالطفولة ومساندة الأسرة " يستدعي بالضرورة العودة إلى مجال البحث العلمي الميداني المعتمد على الدراسات الأمبريقية المتخصصة ليس فقط في مجال الطفولة، وإنما في محددات وسياقات من قبيل الدراسات حول الطفولة و الأسرة والمرأة والشباب وكبار السن، من أجل بناء نظري وإسهام فكري، قادر على فهم سيرورة التربية في بعدها الكوني التقاطعي مع المساقات الاجتماعية البنيوية.
ويرى في هذا الصدد، أن القول بكون الطفولة على أنها ليست حقبة عمرية فقط، ولكن لها ميزات حيوية وأنساق ذهنية هو المدخل إلى تمکین هذه الفئة بأبعاد بيوعصبية ونفسية واجتماعية ومعرفية وبيئية أيضا، لأن العناية بالأطفال في إطار مؤسساتي عملية استثنائية في أهميتها، وفي الوقت ذاته تحتاج إلى فكر استثنائي اعتمادا على برامج ومناهج وأدوات تحليل ميداني وعلمي تقاطعي، تتجاوز المقاربة العمرية التي تحدد الطفولة في سن 16 سنة إلى 25 سنة، كامتداد تدخلي لإنجاز برامج علاجية وتمكينية وتأهيلية أيضا.
وكتب الأستاذ أبو إياد في هذه الورقة إن إحداث هذه الهيئة يحيل على طرح عدة أسئلة، منها ما يتعلق قدرة هذا الجهاز العمومي (المستقل معنويا وإداريا وماليا) على إنجاز رسالة تربوية حضارية قادرة على بناء الانسان في جميع مجالاته الحيوية؟ وكيف يمكن لهذا الجهاز أن يستفيد من الخدمات العمومية المخصصة للطفولة في مجال الصحة والتعليم والتكوين؟ وما سبل التنسيق في هذا المجال؟ وهل المواد القانونية التي تنظم هذا الجهاز تتيح فرص المبادرة في ظل ظرفيات سوسيو اقتصادية غير مطمئنة؟، وهل صحيح أن التأطير الصحي والتربوي والتعليمي والتكويني الخاص بالإدارات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية يمكن وضعه رهن إشارة هذا الجهاز المستقل؟
وذكر من جهة أخرى بأدوار الموارد البشرية التي كانت تشتغل في مراكز حماية الطفولة، إذ حدد النظام الأساسي النظام العام الذي هو في الأصل هو عبارة عن مذكرة وزارية صادرة في 17 فبراير 2006 ، تلك المهام في إطار المرشد التربوي والمفتش التربوي (مربي الفريق، المساعد التربوي، المرشد المهني، الإطار الرياضي، المقتصد ، الاعوان)، لكن مع التحولات الهيكلية التي عرفتها الوزارة تغيرت المهام ذات الطبيعة البيداغوجية إلى مهام إدارية، حيث تحول المرشد إلى مساعد إداري والمربي إلى محرر والمفتش إلى متصرف، وفق ما يسمى بالأسلاك المشتركة.
وفي هذا السياق لاحظ الأستاذ أبو إياد، " إن اشتغال الموظفين وفق ما يسمى بنظام الأسلاك المشتركة سواء في مراكز حماية الطفولة أو في المراكز التابعة للتعاون الوطني أو مراكز التهذيب والإصلاح التابعة لمندوبية إدارة السجون، قلص من الأداء الوظيفي والمهني للساهرين على العناية بالطفولة، فالأمر يتطلب إعداد قانون أساسي محفز ودينامي يواكب المستجدات البنيوية والتحديات الراهنة من أجل الإسهام في تأهيل الأوساط الأسرية والاجتماعية والبيئية للأطفال".
وشدد على أن إصدار مرسوم خاص بهذه الفئة، سيساهم أيضا في الارتقاء بمستوى الخدمة العمومية الخاصة باستقبال الأطفال من حيث الانتقال من نظام الحرية المحروسة والضبط الاجتماعي إلى نظام المصاحبة والمواكبة التربوية والمساندة الاجتماعية معتبرا أنش التصور المأمول في قضية الطفولة ينطلق من مقاربة تدخلية تقاطعية بين الجماعات الترابية والتربية الوطنية والأوقاف والأمن الوطني والمجتمع المدني ومعاهد البحث العلمي، وذلك لكون هذه الأطراف تساهم تحت إشراف القيم التربوي ومراقبة القاضي المتخصص في صياغة مقاربات علاجية وتأهيلية، استنادا إلى الواقع الاجتماعي للطفل.
كما أعرب عن اعتقاده الراسخ بأن إسناد مجال الطفولة لقطاعات عمومية غير متخصصة سيبعد الرسالة التربوية عن أهدافها الإنسانية والحضارية، ذلك أن الإداري والموظف العمومي غير المتخصص والذي لا يتوفر على إمكانيات ومؤهلات ذات الصلة بالمجال التربوي، يعرقل لا محالة سيرورة البناء السليم والتنشئة الاجتماعية للطفولة في جميع مراحلها، فضلا عن أن تصريف مهام المندوبية السامية للعناية بالطفولة ومساندة الأسرة أمرا يتطلب عملا محكما بمنهجية توازن بين إمكانياتها المالية والاقتصادية والواقع السو سيو ثقافي في النطاق الجغرافي ورصيد من الكفاءات الإنسانية المؤهلة للإسهام في هذا التدبير الجديد لشؤون الطفولة والأسرة.
وبعدما أشار أبرز الأستاذ أبو إياد إلى أن هذه الورقة البحثية تمثل تصورا يسهم في الحوارات الجارية في هذا الموضوع الإنساني والحضاري الذي يفرض على كل مهتم رسميا أو علميا أو تطوعيا الانخراط في جهود إخراجه بشكل أقوى على العطاء المتحضر بشكل قابل للتقييم والتطوير، أنه " موضوع يهم حاضر الإنسانية ومستقبلها، ولا يقبل المزايدات الانطباعية أو التحيزات المصلحية، بل يستدعي إخراج قانون سليم وتعيين طاقم تحضيري من المتخصصين المدركين للرسالة السامية لهذه المندوبية وتصريفها عمليا على المستويات المركزية والترابية داخل رحاب العناية بالطفولة ومساندة الأسرة".
كل ذلك يهدف - حسب ما تضمنته الورقة - تحقيق الانطلاقة العملية بمنهجية مبينة على قواعد استباقية ووقائية وعلاجية وكذلك تأهيليا وتمكيينا واصطحابا تربويا وإسنادا اجتماعيا (نظام الحرية المحروسة) مع الانخراط الفعال في الحياة العلائقية والإنتاجية، متسائلا في هذا الصدد " هل آن الأوان لانخراط الجميع في هذا المشروع الطموح لتخليص المجتمع من كثرة البرامج الاستعجالية والاستعراضية وفق مقاربة علمية تعتمد السياقات القطاعية والترابية في صياغة المناهج والبرامج والتداول الفعال والتقييم المبني على النتائج والتدبير بالبدائل البيداغوجية الإنسانية؟".