الاثنين 21 أكتوبر 2024
سياسة

عبد العزيز بنار: العالم الجديد.. وقفز الجارة خارج أسوار التاريخ

عبد العزيز بنار: العالم الجديد.. وقفز الجارة خارج أسوار التاريخ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة دي ميستورا

أحيانا يركب الخصوم القطار الخطأ لأن الانتظار يزعجهم كما يقال، لاشك أن الإخوة الجزائريين، وحتى نظام النظام السياسي نفسه بكامل جنرالاته وإملاءاته، يدركون، بلا شك، قوة الحجج والأدلة التاريخية والقانونية والسياسية التي تؤكد مغربية الصحراء، لكن قفز النظام خارج أسوار التاريخ يعمق من التواترات في المنطقة المغاربية ككل. ففي السنوات الأخيرة استغلت الجارة أوضاع التوتر في دول مجاورة شرقا لنشر استعدادات وصور سلوك مشدودة إلى التطرف واختلاق خطاب شعبوي يميل إلى التلفيق والاستمالة عبر استخدام كل الوسائل المحرمة قانونا وشرعا، بعد أن استغلت لسنوات جبهة البوليزاريو كأداة لضمان استمرار "فكرة" ضمان وجودها في الصحراء المغربية، ستشكل على مر تاريخ حكم الجزائر حلا لتصريف أزماتها الداخلية.

 

 اليوم يقفزالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بعد مسلسل فشله في تدبير ملفات بالشرق الأوسط، خارج الحقائق وبعيدا عن الحكمة،   وكأنه يسابق الزمن لإغراق  المنطقة بمشاكل إقليمية، عنوانها الفشل الديبلوماسي والعودة بالملف الصحراء المغربية إلى نقطة الصفر، وهذا ما لخصه الدكتور بنطلحة الدكالي في معرضه حديثه عن الفشل الديبلوماسي ل دي ميستورا من سوريا إلى الصحراء المغربية.     

 

أفكار دي ميستورا شبيهة بأسراب الغربان ليلا،  أو ارتماءة كائن  في المجهول، وكأن المبعوث الأممي يقضي عطلة سريرية تعفيه من التعامل بحكمة مع ملف عرف تدبيره دينامية وتحولا كبيرين، بل تشكلت معه علاقات دولية جديدة، اتضحت معها معالم ملف قضية الصحراء المغربية . لقد نسي المبعوث الأممي أن يتفقد الأوضاع الهشة للمحتجزين لدى ميلشيات البوليزاريو، ولم يستوعب عقله عدد الدول التي،لها وزنها في الساحة الدولية، عبرت عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس كقناعة راسخة وحل للتسوية، وحل وحيد لطي هذا النزاع المفتعل. لاشك أن محاولة المبعوث الأممي لتهريب قطعة شريفة من أراضي المملكة، والتلويح بمقترح التقسيم تفقتر للخبرة والتجربة من جهة، وعدم إلمامه بمصفوفة من الحقائق والمبادرات العملية التي عبرت عنها دول لها دراية بالملف وارتباط به  وخاصة إسبانيا وفرنسا، كما أن الدول التي تدرك حقيقة الملف، ومنها دول عظمى دعمت مقترح الحكم الذاتي، قد بادرت بإنشاء قنصليات في الصحراء المغربية.

 

أتأمل فرحة ممزوجة بالدموع للاعبات تونسيات بعد السماح لهن بالمشاركة في مقابلة رياضية بالعيون، أعيد التفكير في قرار المحكمة المعزول بخصوص ملف الصحراء المغربية، وأقف عند السلامة النفسية والعقلية للقضاة الذين أصدروا الحكم بأيام قبل أيام من إحالتهم على التقاعد،  أستعيد مسلسل عدم رغبة الجارة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات ومصادر التشويش الإقليمي  التي تفتعلها ببعض الدول المجاورة، نفسيا واجتماعيا وسياسيا،... فأجد أن مقترح دي ميستورا لا ينفصل عن هذه المواقف المشوشة،لأن موقفه القافز خارج العقل يمس بسيادة المغرب على أراضيه، ويغفل الكثير من المحطات المشدودة إلى الحقائق التاريخية وصلابة مكونات الهوية المغربية، ومنها: المكون الصحراوي، العربي، والأمازيغيـ والأندلسي، والإفريقي، والإسلامي، كما أنه نسي، مثلما نسي قضاة المحكمة، أن ملف الصحراء المغربية يسير نحو توجهه الصحيح في المحافل الدولية التي يناقش فيها ملف الصحراء المغربية، باحترام سيادة المغرب على أراضيه، عبر تفعيل مقترح الحكم الذاتي واحترام الشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن الذي رفض مقترح دي ميستورا بحكمة بالغة وعملية، مثلما رفضه المغرب، وكرد فعل على المقترح الاستعماري ل دي ميستورا انتشرت أصوات بسحب الثقة منه.  لأن المغرب لن يخضع لضغوطات تمس ثوابته وخطوطه الحمراء، وقد أكد بلاغ الخارجية المغربية أن الدول التي تود أن تلعب على الحبلين، فيجب أن تكون واضحة في علاقاتها وشراكاتها السياسية والأمنية والاقتصادية كما جاء على لسان وزير الخارجية السيد بوريطة .  

 

تستغل الجارة ضعف المشهد السياسي التونسي، وتبحث عن كل الوسائل لإثارة الانقسام في ليبيا، أقول كل الوسائل، وتراهن على ميليشيات البوليزاريو وضعف مواقف المبعوث   الأممي للأمين العام للأمم المتحدة خلال الفترة المتبقية من مهمته، علاوة على المتاجرة بملف القضية الفلسطينية للضغط على المغرب لإيجاد مكان لها بالأطلسي ، لكن يقظة المغرب لصد أطماع الجارة تأكدت من خلال خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاحه للدورة التشريعية الرابعة قبل أيام ، إذ ذكر جلالة الملك بأن قضية الصحراء المغربية تبقى القضية الأولى لجل المغاربة، وأن التطورات التي عرفها الملف تفرض الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، وأن الجميع مطالب بالانخراط في حماية الوطن والدفاع عن سيادته بالعلم والمعرفة والحجة والمرافعات الحقيقية في كل المحافل، كما أعطى الضوء الأخضر لنقل مقر المعهد الإفريقي للتنمية من جنيف  إلى الداخلة بعد فتتاح أكثر من ثلاثين قنصلية بالأقاليم الجنوبية، وأطلق جلالته برئاسته للمجلس الوزاري بتاريخ 18 نونبر 2024 دينامية جديدة للتعاطي مع ملف الصحراء المغربية عبر مبادرات سامية شملت عدد من المشاريع والاتفاقيات والتعيينات في المجال العسكري و حركة تعيين للولاة وللعمال ومدراء الإدارات المركزية، سيكون لها الأثر البالغ في خدمة هذا الملف والمشروع التنموي ككل.

 

 للشعب المغربي والموريتاني والجزائري والتونسي والليبي  روابط روحية وثقافية  قوية، وأتصور أني لست مطمئنا على مستقبل تونس وليبيا في الحاضر لإغراق شوارعها بأمور ترهن تاريخ البلدين في الحاضر والمستقبل، وهي أمور يعرفها أهل الدار أكثر مني، لكن الانتباه إلى أن دور الجهات المسؤولة عن ملف الصحراء المغربية، والتي لها دراية بالملف وارتباط به سيكون أقوى في الدفع بمبادرة الحكم الذاتي: مجلس الأمن، والدول الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي، الآراء الحكيمة بالبرلمان الأوروبي، النخبة من داخل الجارة ، وهيئات المجتمع المدني، والفعاليات التي تدرك أثر مبادرة الحكم الذاتي في خلق دينامية التطور الاقتصادي والسياسي واستقرار المنطقة المغاربية، والانحياز إلى قيم العالم الجديد المؤمن بالتعايش والسلام والأمن .

 

فلا مقترح دي ميستورا، ولا قرار قضاة المحكمة المعزول، بلا تأثير يذكر، ولا رغبة الجنرالات بالجارة في تصريف أزمة داخلة بخلق أخرى خارجية، ولا الأفق المسدود لميليشيات البوليزاريو، وشعارات مثل تقرير المصير، أو التلويح بشعارات الحرب والعنف، وإغراق المنطقة بالحبوب المهلوسة من أجل بناء "هابيتوس" جديد يجعل الأفراد يقبلون مغالطات جنرالات الجارة داخليا وخارجيا .... يمكنه أن يقدم حلا عمليا لصالح الجارة أو دي ميستورا الذي أشك أنه كلف نفسه التعرف إلى مقترح الحكم الذاتي.

 

فالعالم الجديد لا يقبل القفز خارج التاريخ،  ولا يقبل مقترح دي ميستورا الذي يشبه سيجارة تحلم بأن تطفو على سطح الأطلسي.

د.عبد العزيز بنار، جامعة شعيب الدكالي