الجمعة 18 أكتوبر 2024
سياسة

الشرقاوي الروداني: ليست هناك «أزمة هوية» لدى المغربي فـي تفاعله مع قضايا وطنه ومع قضايا الشرق الأوسط

الشرقاوي الروداني: ليست هناك «أزمة هوية» لدى المغربي فـي تفاعله مع قضايا وطنه ومع قضايا الشرق الأوسط د.الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيو استراتيجية والأمنية
يرى الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيو استراتيجية والأمنية، أن المغرب يعد دولة أمة، مشيرا بأن تفاعل المغاربة مع قضايا الشرق الأوسط لم يكن وليد صدفة ولكن هو بناء تاريخي يضرب جذوره في الدور الكبير الذي قام به المغرب إلى جانب صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس، نافيا وجود "أزمة هوية"  في الشخصية المغربية.
 
كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬تداعيات‭ ‬أحداث‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجيو‭ ‬استراتيجية؟‭  ‬
الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هي‭ ‬بداية‭ ‬لهيكلة‭ ‬جديدة‭ ‬لنظام‭ ‬إقليمي‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أولاً‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬وتعريف‭ ‬المعادلة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وثانياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسويات‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ستكون‭ ‬ذات‭ ‬أبعاد‭ ‬استراتيجية‭ ‬تهمُ‭ ‬توازنات‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬واستقرار‭ ‬محددات‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬ستسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مرونة‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬بشكل‭ ‬يسمح‭ ‬بحلحلة‭ ‬بعض‭ ‬المعادلات‭ ‬المستعصية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭. ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬التحولات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬يبصم‭ ‬عليها‭ ‬الصراع‭ ‬الاسرائيلي-‭ ‬الإيراني‭ ‬هي‭ ‬مقدمة‭ ‬لتغيير‭ ‬موازين‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬التفوق‭ ‬النوعي‭ ‬الذي‭ ‬أبانت‭ ‬عليه‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الاسرائيلية‭. ‬

من‭ ‬المهم‭ ‬الإقرار‭ ‬أن‭ ‬امتلاك‭ ‬إيران‭ ‬للأسلحة‭ ‬نووية‭ ‬سيكون‭ ‬كارثة‭ ‬جيوسياسية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مستويات‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬السيادي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭. ‬ومن‭ ‬تم‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬بعيداً‭ ‬جغرافياً‭ ‬من‭ ‬بؤرة‭ ‬التوتر‭ ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬التطورات‭ ‬والمتغيرات‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬المنطقة‭. ‬طبعاً‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬تعرفه‭ ‬المنطقة‭ ‬له‭ ‬كذلك‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬المجتمعية‭ ‬المغربية‭ ‬المرتبطة‭ ‬وجدانياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬بالقضايا‭ ‬العربية‭ ‬خاصة‭ ‬فلسطين‭ ‬ولبنان،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬يكون‭ ‬فرصة‭ ‬لبعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬والحركات‭ ‬السياسية‭ ‬أن‭ ‬تدلو‭ ‬برأيها‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الاختيارات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للدولة‭ ‬المغربية،‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬براغماتياً،‭ ‬ولكن‭ ‬هو‭ ‬قريب‭ ‬إلى‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬لها‭ ‬حسابات‭. ‬تأثيرها‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬جداً‭.‬
 
ماذا‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬
فيما‭ ‬يخص‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬فهي‭ ‬مؤطرة‭ ‬بالاتفاق‭ ‬الثلاثي‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬علاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬واستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الرباط‭. ‬المغرب‭ ‬يتابع‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬التطورات‭ ‬ومنخرط‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬ومنظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬المغربي‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬كرئيس‭ ‬للجنة‭ ‬القدس‭ ‬التابعة‭ ‬لمنظمة‭ ‬المؤتمر‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬يدعو‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬واقعية‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬كانت‭ ‬سباقة‭ ‬الى‭ ‬تنبيه‭ ‬المنظم‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬شاملة‭ ‬للمشاكل‭ ‬التي‭ ‬تعرفها‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تعزيز‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬والتحلي‭ ‬بروح‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تطرف‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف،‭ ‬وكذلك‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭. ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والسياسي‭ ‬مازال‭ ‬متواصلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬عبر‭ ‬حلّ‭ ‬الدولتين‭.‬
 
في‭ ‬نظرك،‭ ‬ماهي‭ ‬مبررات‭ ‬تفاعل‭ ‬النخب‭ ‬المغربية‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تفاعلها‭ ‬مع‭ ‬مشاكل‭ ‬المغاربة‭ ‬اليومية،‭ ‬هل‭ ‬يشير‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬"أزمة‭ ‬هوية"‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬البعض؟‭
أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬مرتبط‭ ‬بعدة‭ ‬محددات‭ ‬وتراكمات‭ ‬تاريخية‭. ‬المغرب‭ ‬دولة‭ ‬أمة،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكون‭ ‬وليد‭ ‬صدفة‭ ‬ولكن‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬تاريخي‭ ‬يضرب‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬القدس‭. ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬جازماً‭ ‬بوجود‭ ‬"أزمة‭ ‬هوية"‭  ‬فالشخصية‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشعر‭ ‬يوماً‭ ‬بوجود‭ ‬أزمة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المؤامرات‭ ‬والعواصف‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬المغرب،‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصمد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التحديات‭ ‬لقرون‭ ‬عديدة،‭ ‬كما‭ ‬حقق‭ ‬انتصاراته‭ ‬بفضل‭ ‬ارتباط‭ ‬المغاربة‭ ‬بهويتهم‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬وعامل‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المواقف‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬المغرب‭ ‬كحضارة‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭ ‬يعرف‭ ‬تعايش‭ ‬لجميع‭ ‬الأديان‭ ‬والثقافات،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬ولازال‭ ‬سمة‭ ‬أساسية‭ ‬للهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬المغربية،‭ ‬وهذا‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭  ‬تملك‭ ‬مكونات‭ ‬حقيقية‭ ‬لهويتها‭ ‬الوطنية‭. ‬فهي‭ ‬تتجاذب‭ ‬وتنصهر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القضايا‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالأمة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬ترفض‭ ‬الاستلاب‭. ‬المغرب‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الانتماء‭ ‬الجغرافي‭ ‬والمكاني‭ ‬تكونت‭ ‬له‭ ‬ذاتية‭ ‬مغربية‭ ‬خالصة‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬وجودها‭ ‬رغم‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تمر‭ ‬منها،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬الأمة‭ ‬المغربية‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬العنف‭ ‬والتصادم‭. ‬ومن‭ ‬تم،‭ ‬فإن‭ ‬وضوح‭ ‬الهوية‭ ‬المغربية‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الانتماء‭ ‬للذات‭ ‬الوطنية‭ ‬المغربية‭ ‬ومتواصلة‭ ‬وجدانياً‭ ‬مع‭ ‬كينونتها‭ ‬وماهيتها‭ ‬الحضارية‭.‬