الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

وفاء فارس: فتاة طنجة التي كشفت عوراتنا..

وفاء فارس: فتاة طنجة التي كشفت عوراتنا.. وفاء فارس
انتهيت للتو من مشاهدة فيلم  she Saïd. 
أمسكت قلبي مرات عديدة وأوقفت المشاهدة كي لا يتوقف قلبي عن الخفقان، فيلم مؤلم حد الموت.
كيف تتحدث نساء عن الاغتصاب ولا يلقى لهن بال، أو في أحسن الأحوال أن تتم تسوية الملف وطيه بشروط مجحفة في حق الضحية ولا يحق لها بعد ذلك النبس ببنت شفة، لا يحق لها حتى مراجعة طبيب نفسي، أما الحديث عن التحرش واللمس السطحي والتقبيل فهو مقبول ومتجاوز ولا يعدو عن كونه ملاطفة واندماجا في بيئة العمل وشروطها.

كيف كان لممثلات مشهورات ومغمورات وموظفات داخل شركات عالمية التعرض لكل هذه الابتزازات، مساومة دنيئة بحقوقهم في ممارسة عمل أحببنه وأردن التدرج فيه، كيف غيرت مقابلة مع "الشر" حياة العديدات ودفنت أحلامهن، كيف ركنت بعضهن للنسيان والتجاوز، في حين بحثت الأخريات عن مغادرة الحياة طوعا دون أن تتحقق لهن الرغبة في ذلك، كيف قاومت البعض وقوبلن بالتستر والمماطلة والمساومة، كيف تجلد الضحية ويبرأ المغتصب، كيف تتماهى بيئة العمل وتصبح حقلا خصبا ومرتعا للاغتصاب والتحرش بل وتساهم في التعتيم على ظهورهما للعلن وتسارع في البحث عن سبل وأدهما بكل الخسة الممكنة..

الألم والغصة التي شاهدت بهما الفيلم لم يفقهما حتما إلا مشاهدتي لفيديو التحرش بشابة أمام الملأ ومحاولة تجريدها من ملابسها وسط الشارع العام تحت ضوء المصابيح العمومية وتحت أعين المارة من نساء ورجال، الأشنع من كل ذلك أن الأمر المشين لم يصدر عن شبان فقط، ما هالني أكثر هو مشاركة شابات من بنات جنسها في تعريتها والتلذذ بالكشف عن جسدها، فكرت كثيرا في كم الأذى النفسي الذي ستخلفه حادثة كهذه على شابة في مقتبل العمر، كيف مرت عليها تلك "الدقائق الدهر"، ما حجم الندوب التي حفرت بكل لمسة على جسدها وفي نفسيتها، كيف سيمكنها تخطي أمر مروع كهذا؟ 

كيف يتم كل هذا التواطؤ المخزي الذي يعري عن سوآتنا في مجتمع تنفض الأسرة فيه يدها من التربية بشكل عام، وتتنصل جمعيات المجتمع المدني من دورها في تأطير قدرات الشباب وتوجيه كل تلك الطاقات وتهذيب أصحابها ومساعدتهم على احترام الآخر وحدوده التي لا يجب بأي شكل من الأشكال تجاوزها.

تعود بي الذكرى لسنوات عمري المبكرة والتي تعرضت فيها للتحرش اللفظي مرارا دون أن أستطيع الدفاع عن نفسي أو الانتفاضة ضد المتحرش، وأتذكر جيدا كيف كنت أتنقل من جادة الطريق إلى الأخرى حتى أتجنب المرور بجانب شباب، لا لشيء إلا لأتحاشى كلماتهم ونظراتهم، كيف لم أكن أستطيع السباحة بملابس البحر لأني رأيت نظرة المفترس وأراها لحد الآن، كيف كنت أخجل من جسدي ومن وجودي كبنت وكيف كنت أدخل في ملابس أخي وأحتمي بها من العيون والكلمات ... 

لو كان لي يد لوضعت سؤالا خاصا بالنساء في استمارات الاحصاء عن من منهن تعرضت للتحرش اللفظي في أماكن عامة، لكانت النسب مهولة

الأمر ليس عارضا ولا جديدا، في كل مرة يتم فيها التعدي على فتاة يكون هناك لغط ويمضي، لأننا ننسى بسرعة ونترك الضحية للجلاد، هل نفتح نقاشات عامة؟ هل تضع الجمعيات التي تنهل من دعم الدولة برامج لتوعية الشباب؟ هل هناك إعلام يتناول الموضوع ويستدعي خبراء علم النفس والتربية؟ هل تناقش المقررات التعليمية الأمر بالشكل اللازم؟ 

طبعا الجواب وللأسف هو لا أو نادرا..