Wednesday 3 December 2025
مجتمع

الشهيد أحمد الحنصالي… استعادة ذاكرة وطنية في لقاء أكاديمي يرسخ حضور رموز المقاومة في الوعي المغربي

الشهيد أحمد الحنصالي… استعادة ذاكرة وطنية في لقاء أكاديمي يرسخ حضور رموز المقاومة في الوعي المغربي جانب من الندوة

نظم ماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الخامس بالرباط، ندوة وطنية بمدينة طنجة يوم 28 نونبر 2025 تحت عنوان: "الشهيد أحمد الحنصالي: ذاكرة المقاومة وبناء الوعي الوطني في وجدان الشباب المغربي".
وجاء هذا اللقاء في إطار الجهود المتواصلة التي يبذلها الماستر لإحياء الذاكرة الوطنية وربط الجامعة بتاريخ المغرب النضالي. ويعد هذا التوجه أحد المرتكزات الفكرية والعلمية التي يعمل عليها الماستر تحت إشراف منسقه البيداغوجي الدكتور عبد الرزاق الجاي، الذي حرص على أن تكون هذه المناسبة فرصة لتجديد الصلة بين الأجيال ورموز المقاومة، وتأكيد حضور الذاكرة في مشروع البناء الحضاري.

وقد تم تنظيم الندوة بشراكة مع مؤسسة عبد الخالق الطريس للتربية والثقافة والعلوم والنيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بجهة طنجة–تطوان–الحسيمة، مما منحها طابعًا تكامليًا جمع بين البعد الأكاديمي والمؤسساتي والذاكراتي. وتميزت هذه الفعالية بتسيير مقتدر من طرف الأستاذ حسن الطويل، الذي أدار الجلسات المختلفة بمهارة وتناغم يليقان بقيمة الموضوع وحجم المشاركين.

افتتحت الندوة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، تلتها كلمات الشركاء، حيث شدد كل من الدكتور عبد الرزاق الجاي، الدكتور طارق حيون، الأستاذ حسن بن يوسف، والأستاذة حميدة الجازي على أهمية إعادة قراءة سيرة الشهيد أحمد الحنصالي باعتبارها مدخلًا لفهم روح المقاومة وتجلياتها في جبال الأطلس، وأبرزوا دور هذا النوع من اللقاءات في تعزيز وعي الشباب بالتاريخ الوطني. بعد ذلك، تم عرض وثائقي مؤثر حول حياة الشهيد، تلاه زيارة لجناح المعرض الذي ضم صورًا ووثائق مرتبطة بالمقاومة في المنطقة.

وقد عرفت الجلسات العلمية للندوة مداخلات متعددة الأبعاد التي سلطت الضوء على الجوانب التاريخية والنفسية والقيمية لمسار الشهيد. فتناول الدكتور امحمد جبرون الأسس التاريخية لشخصية الحنصالي وظروف نشأته، بينما أبرز العلامة عبد السلام الكرتي البعد الروحي والقيمي في نضاله. كما قدمت الدكتورة ثورية وديع قراءة نفسية لمسار المقاومة في الأطلس، ليختتم الدكتور محمد نحوا مداخلات الجلسة الأولى بتسليط الضوء على المقاومة في أزيلال وصور الصمود الشعبي فيها.

فيما ركزت الجلسة الثانية على ربط الذاكرة الوطنية بالحقول التربوية والنفسية، حيث قدم الدكتور عبد الرزاق الجاي تصورًا تربويًا لدور المقاومة في بناء الانتماء، وطرح الدكتور عمر لمغيبشي رؤية عملية لإدماج الذاكرة الوطنية في المناهج التعليمية. قبل أن تقدم الدكتورة سهام بن المجدوب الحسني أول تحليل نفسي لشخصية الشهيد، ويعرض الدكتور ياسر الطريبق سردًا مفصلًا حول ظروف اعتقال الحنصالي وإعدامه.

أما الجلسة الثالثة، فكانت محطة لافتة للطلبة الباحثين الذين برهنوا على قدرتهم المتقدمة في البحث والتحليل، حيث تناولت أوراقهم العلمية حضور الشهيد في الذاكرة الوطنية والكتابات الاستعمارية والمخيال الشعبي. وكشفت مداخلاتهم عن وعي جديد يتشكل داخل الجامعة المغربية بأهمية استعادة رموز المقاومة وتقديمها للأجيال في صيغة معرفية حديثة.

وفي واحدة من أكثر لحظات الندوة تأثيرًا، قامت مؤسسة عبد الخالق الطريس بمبادرة ذات رمزية عالية حين قدمت للأستاذ حسن بن يوسف، النائب الجهوي للمندوبية السامية، مجموعة من الصور التاريخية النادرة التي توثق لمسار الوطني الكبير عبد الخالق الطريس في محطات مختلفة من نضاله. وقد شكلت هذه المبادرة لحظة احتفاء حقيقية بواحد من كبار رجالات الحركة الوطنية، خاصة وأن الصور المسلمة تعد وثائق نادرة تعيد الاعتبار لصفحات مشرقة من تاريخ المغرب. وقد عبر الأستاذ حسن بن يوسف عن تقديره العميق لهذه الالتفاتة التي قال إنها تجسد روح الوفاء وتعزز الشراكة الهادفة بين المؤسستين في خدمة الذاكرة الوطنية.

واختتمت الندوة بتقديم توصيات علمية دعت إلى تعزيز الحضور الإعلامي للذاكرة الوطنية وإنتاج محتوى بصري ورقمي موجه للشباب حول رموز المقاومة، إضافة إلى تلاوة الدكتور عبد الرزاق الجاي لبرقية ولاء وإخلاص للسدة العالية بالله، جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده. كما شهدت الفعالية توقيع كتابين للدكتور ألعيد نحوا حول تاريخ وزوايا منطقة أزيلال والأدب الأمازيغي بها، في ختام يوم علمي زاخر بالنقاشات والمعرفة.

لقد أكدت هذه الندوة أن سيرة الشهيد أحمد الحنصالي ليست مجرد فصل من الماضي، بل هي طاقة روحية وتاريخية قادرة على إلهام الحاضر وشحذ همم الشباب نحو قيم التضحية والوفاء والانتماء. كما برهنت على أن الجامعة المغربية، من خلال ماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري، قادرة على أن تكون جسراً بين المعرفة والذاكرة، وبين التاريخ ومسؤوليات المستقبل.