الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: للمرة الألف أو أكثر.. تأتينا المُباغَتة من الجزائر!!

محمد عزيز الوكيلي: للمرة الألف أو أكثر.. تأتينا المُباغَتة من الجزائر!! محمد عزيز الوكيلي
من الصعب على أي باحث او متتبع، للشأن الجزائري، أن يحصي الفلتات الغريبة التي ينفرد بها حكام جارتنا الشرقية مهما فعل، لأن هؤلاء لا يتركون يوما واحدا يمر دون أن يباغتونا بتقليعة غريبة وغير مسبوقة بكل المعايير!!
فما الذي جادت به قريحة ذلك النظام في هذه الأيام تحديداً، بمناسبة إجراء الانتخابات الرئاسية وتقعيد السي عبد المجيد تبون على كرسي الرئاسة من جديد، كما كان العالم كله ينتظر ويتوقع؟!
 
بدايةً، تمت فعاليات الاقتراع كما كان الجميع ينتظر: تمثيلية هجينة ومثيرة للسخرية، تُكرس لتنافس غير عادل وغير شريف بين السي عبد المحيد، بقده وقديده، وبين "فأرَيْ" سباق، وليس "أرنبَيْن" كما يقول أهل رياضات السباق الحقيقية، بدليل الفارق المُفزِع والمُريع، الذي آلت إليه نتائج الاقتراع، حيث استأثر السي عبد المجيد بنحو ستة وتسعين في المئة، وتقاسم الغريمان المنافسان شيئاً من الفُتات المتبقي بعد عملية خصم الأوراق المُلغاة والمُستبعَدة!!
 
ولأن الخير عند جارتنا الشرقية لا يأتي منفرداً، فقد أعيدت مراجعة النتائج ونِسب الفوز والهزيمة بين المتنافسين الثلاثة لتنزل نسبة الأصوات عند السي عبد المجيد إلى نحو أربعة وتسعين في المائة... وأعتذر عن أي خطأ في هذا التحديد لأن النسب المصرّح بها ظلت تتغير طوال الأيام التي تلت عملية الاقتراع، وما زالت إلى غاية ساعة الناس هذه لم تَرْسُ في أيّ مرفإٍ يمكن اعتباره رسميا ونهائيا، كما يحدث في اقتراعات كل بلدان العالم... فمعذرة!!
 
كل هذا ممكن قبوله وتسويغه بشكل من الأشكال. ولكن الذي وقع كالكارثة، فشكّل سابقة في تاريخ الانتخابات في كل بقاع المعمور، وعن جدارة واستحقاق لهذا السبق غير المسبوق، هو أن المنهزمَيْن في هذه العملية عبرا عن تشكيكهما في نزاهة النتائج وصحتها وسلامتها من التحريف والتزوير، وهذا أيضاً جائز ولا غبار عليه، لولا أن المنتصر بدوره ساندهما في طرحهما، وعبّر هو الآخر عن تشكيكه في نزاهة الاقتراع وسلامة نتائجه من التزوير، وبذلك سجل نفسه تلقائيا في "كتاب غينيس للأرقام القياسية" بوصفه "أول رئيس دولة فائز يشكك في نتائج الاقتراع الذي أفرز فوزه على منافسيه" ويالها من سابقة!!
 
نعم، جرت العادة في كل بلدان العالم، وفي كل مراحل التاريخ السياسي الإنساني، أن يحتج المنهزمون ويشككوا في النتائج التي أثمرت هزيمتهم، ولكنها المرة الأولى، في هذا التاريخ البشري، التي ينضمّ فيها المنتخَب الفائز إلى احتجاجات منافسيه المنهزمين، الأمر الذي يجعله مُقِرّاً بكل المعايير بأن نجاحه مطعونٌ فيه، وبأنه هو  ذاتَه متّهمٌ بالتزوير والتلاعب ما دامت الانتخابات قد جرت تحت سلطته كرئيس مازال يمارس صلاحياته برسم العهدة المنتهية، وبوصفه رئيس السلطة والإدارة اللتين أشرفتا على تلك الاستحقاقات منذ بداية الإعداد لها إلى نهايتها، وقد كانت تضع تحت تصرفه ورهن إشارته طيلة أيام حملته الانتخابية كل إمكانياتها

 ووسائلها بخلاف منافسَيْه، اللذين بلغ الضغط الممارَس عليهما طيلة فترة تلك الحملة أشدّه إلى درجة تحويلهما إلى شبحَيْن وصورتَيْن فوق الجدران والملصقات بلا أدنى مظهر آخر من مظاهر الحياة!!
 
نعم، لقد أعلن السي عبد المجيد أمام اندهاش حوارييه ومعارضيه، في آن واحد، عن استياءه ممّا أفرزته نتائج اقتراع كان هو الفائز فيه بلا مغالاة، والمصيبة الأعظم من كل ذلك أن الأمر وقف عند هذا الحد، فلم يتم الطعن في تلك النتائج، ولم يتم إلغاؤها والقولُ بإعادتها، بل الذي حدث أن الرئيس المشكِّكَ هو ذاتَه في نجاحه تسلّم مسؤولياتِه ككل الرؤساء الفائزين، وشرع في ممارسة سلطاته وصلاحياته وكأنّ شيئا لم يكن..  فيا لها من سابقة في التاريخ الإنساني بكل عصوره وعهوده ووقائعه... وهنا يكمن السبق الجزائري غير المسبوق، والذي لن يكون له نظيرٌ مهما طال الدهر وامتدّت آفاقُه!!!
فهل يستطيع أحدكم أن يأتينا بنموذج كهذا في كل فترات التاريخ البشري؟ لا أعتقد!!! 
محمد عزيز الوكيلي،  إطار تربوي