الاثنين 7 أكتوبر 2024
في الصميم

أريري: من مظاهر تهريب الثروة.."للي مو في الرباط مايباتش بلا عشا" !

أريري: من مظاهر تهريب الثروة.."للي مو في الرباط مايباتش بلا عشا" ! عبد الرحيم أريري
ابتلعت مدينة الرباط في ظرف خمس سنوات 9.4 مليار درهم المرصود لبرنامج "عاصمة الأنوار، علما أن عدد سكان عاصمة المغرب لا يتعدى 577.827 نسمة حسب إحصاء 2014. 
 
معنى هذا أن السلطة العمومية رصدت لكل مواطن بالرباط حوالي 16.267 درهم ضمن مخطط التأهيل الحضري. علما أن الرباط ليست من المدن المنتجة للثروة، أو المنبت الذي يضخ الضرائب في خزينة البلاد من قبيل الدار البيضاء أو طنجة أو مراكش أوخريبكة. كما أن الرباط ليست حوضا جغرافيا يصدر المهاجرين بما يعود بالنفع على الخزينة العامة بفضل تحويلات مغاربة العالم من العملة الصعبة، من قبيل حوض تادلة بني مسكين، أو حوض تنغير الراشيدية، أو حوض وجدة فكيك، أو حوض سوس أيت باعمران، أو حوض الحسيمة تازة.
 
ولعل استفراد الرباط بالغنيمة المالية، يعود إلى كونها الحاضنة لأصحاب القرار على المستوى الوطني والماسكين بخيوطه في الوزارات والإدارات المركزية وبالمؤسسات العمومية الذين لا يؤمنون إلا بشعار واحد : «الصدقة في المقربيين أولى»، بدل الإيمان بالفقرة الأولى من تصدير الدستور وبالفصل 40 منه. وبالتالي عوض أن يكون صناع القرار الحكومي والمركزي مسؤولين عن تنمية مختلف ربوع الوطن وفق الحاجة والخصاص والقدرات الجبائية وخصوصيات كل منطقة، بما يضمن العدالة المجالية بين كافة مكونات التراب الوطني، بادروا إلى استغلال موقعهم الرسمي لتهريب ضرائب المغرب من أجل «تسمين» تراب مدينة الرباط وحدها على حساب المدن المغربية الأخرى.
 
صحيح أن الرباط هي «وجه المغرب»، بحكم أنها عاصمة المملكة، ومفروض في العاصمة أن تكون متوفرة على المقومات الأساسية التي تشرف البلاد مقارنة مع عواصم البلدان الأخرى، لكن المتأمل للكيفية التي صرف بها الاعتماد المالي لتنفيذ برنامج «عاصمة الأنوار»، سيلاحظ أن معظم الأوراش شملت الأحياء الراقية بالرباط والشوارع الرئيسية المؤدية لها، ولم تنتفع الأحياء الشعبية أو المهمشة بنصيبها من التهيئة بما يعيد لساكنة هذه الأحزمة جزءا من الاعتبار ويحقق للمدينة تكافؤ الفرص، اللهم بعض الدريهمات التي تم "رشها" بهذا الحي الشعبي أو ذاك.
 
 بل حتى المدن الفلكية المحيطة بالرباط أقصيت أصلا من رادار التهيئة ولم يشملها أي برنامج للتأهيل الشامل (نموذج الصخيرات وتمارة)، أو تم تخصيصها بالفتات: نموذج سلا التي لم ترصد لها الدولة سوى مليار درهم، علما أن سكانها يمثلون 982.163 نسمة( ثاني مدينة مليونية بعد البيضاء)، أي ما يوازي 1018 درهم لكل مواطن سلاوي. وهذا يكشف أي أن الدولة خصصت للمواطن بالرباط 15 مرة ما خصصته لزميله بسلا، علما أن سلا متأخرة عن الرباط "بقرون" من حيث البنية التحتية والتجهيزات العمومية، لكون "قراصنة الحكومة والبرلمان" حرموا مدينة سلا من معظم المرافق مقارنة مع الرباط !
 
دليل آخر على غياب رؤية مجالية منصفة في التهيئة، يتجلى في أن الدار البيضاء، الحاضنة للوعاء الضريبي المهم للبلاد والمساهم الرئيسي في المجهود المالي بالخزينة، فضلا عن كونها المدينة التي تأوي أكبر الأحياء الصناعية والخدماتية بالمغرب، لم تحظ سوى بغلاف مالي قدره 33 مليار درهم لساكنة تبلغ 3.359.818 نسمة. أي أن الحكومة لم تخصص لكل بيضاوي سوى 9821 درهم في برنامج التنمية الحضرية. وهو ما يفيد أن المواطن الرباطي يحظى بأفضلية في الاستثمار العمومي بنسبة تفوق 60% مقارنة مع ما يحظى به أخاه البيضاوي.
 
نفس الوضع ينسحب على طنجة (7132 درهم فقط كاستثمار عمومي لكل طنجاوي)، علما أن مكانة طنجة الاقتصادية والمالية مقارنة مع الرباط، لا ينكرها الا ساذج أو بليد أو "دمدومة"، فضلا عن كون طنجة (خاصة حزامها الضاحوي)، تعد من المدن المثقلة بالأعطاب والاختلالات الحضرية والمحتاجة لتدخلات مستعجلة لإنصاف سكان عروس البوغاز، بل وتحتاج "لمخطط مارشال" لتأهيلها ب"السميك الحضري".
 
هذا يبين أن المغرب لا يشكو فقط من اللاعدالة المجالية فقط، بل ويعاني من مرض أخطر، ألا وهو غياب العدالة في الحكامة في هرم الحكومة وفي هرم الإدارة المركزية، بالنظر إلى أن أي مسؤول في أي بلد يوظف منصبه السامي للتعامل بالمساواة مع كافة المواطنين وكافة المناطق، وليس باستغلال موقعه لتهريب ضرائب المغاربة، وإنفاق معظمها على الرباط قصد تحويل العاصمة إلى "جنة" : بإنجاز الشوارع الفسيحة والمشجرة والمخضرة والمؤثثة بالإنارة الجيدة وبالتشوير الرفيع، ومجهزة بآخر صيحة من الأثاث الحضري وإحداث الأنفاق المتعددة وبالأرصفة المبلطة بأرفع مواد التبليط، وتعميم الملاعب والمرافق، بينما يتم إهمال باقي المدن والمراكز الحضرية المغربية الأخرى.
 
ما يحز في النفس أن مدينة الرباط، لم تنعم فقط بهذا السخاء الحاتمي في الإنفاق العمومي على المدينة من طرف الدولة، بل يعاين المرء كيف تحول الوزير والوالي والمدير المركزي بالوازرة وبشركات التنمية وبباقي المؤسسات العمومية،  إلى رؤساء ورش، يسهرون ويتتبعون و«يزيرون» المقاولات لإتمام الأشغال في الأوراش في الآجال القياسية بالرباط ( مثلا نفق الأوداية أنجز في وقت قياسي لم يتجاوز 45 يوما !)،  أما بالمدن الأخرى، فلا يوجد أي تتبع حازم أو  اهتمام صارم للأوراش والمشاريع المسطرة: لا من وزير أو والي أو عامل أو مدير مركزي أو مفتش أو مهندس، وكأن الدستور "حدو الرباط".
وصدق من قال:" للي مو في الرباط مايباتش بلاعشا"!