الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: تعالوا نتكلم كورة.. شوفينية الفراعنة!!

محمد عزيز الوكيلي: تعالوا نتكلم كورة.. شوفينية الفراعنة!! محمد عزيز الوكيلي
صحيح أن إخواننا المصريين لم تكن لهم منذ بداية التاريخين الوسيط والحديث أدنى علاقة بالجنس الفرعوني، الذي يغلب ظن علماء الإناسة والآثار بانتمائهم إلى حضارات سحيقة، ربما كانت من خارج الكوكب الأرضي، ولذلك ما زال هؤلاء العلماء يتهجّون ألف باء آثار لم يجدوا أدنى تفسير لأسسها الهندسية والمعمارية والهيروغليفية، رغم محاولاتهم اليائسة لإرجاعها إلى حضارات جد قديمة يمكن أن يكون قد شهدها هذا الكوكب!!
 
لسنا هنا بصدد البحث في أصول الأجناس التي عمّرت أرض الكنانة في قديم التاريخ المتوسطي وحديثه، وإنما هي محاولة لإيجاد تفسير، أو بالأحرى تبرير، لهذه الشوفينية المنغلقة والزائدة عن اللزوم، والتي تجعل المواطن المصري، مهما كان انتماؤه الاجتماعي، يرى نفسه أعرق أجناس البشر، وأذكى أعراق البشر، وأكثرهم استحقاقاً لكل الفضائل بلا استثناء، ويعتبر نفسه بتحصيل الحاصل أحق بالسبق والغلبة والرقي والتفرد، مهما كانت ظروفه عصيبةً وعصيةً على المعالجة!!
 
مناسبة الخوض في هذه المفارقة، المصرية بامتياز، مباراة في كرة القدم بين المنتخبين المغربي والمصري، برسم نيل الميدالية البرونزية بدورة 2024 لألعاب باريس الأولمبية، المنتهية قبيل يومين أو ثلاثة... فما علاقة هذه المباراة بما ذكرناه من شوفينية المصريين واعتدادهم المفرط والمرَضي بذواتهم، وكأنهم جنس متسامٍ لا يليق التعامل معه على قدم المساواة مع باقي ساكنة المعمور... فكيف ذلك؟!
 
كلنا يعرف أن تلك المباراة انتهت بانتصار ساحق للمنتخب المغربي الأولمبي بستة أهداف لصفر، وهذه نتيجة من شأنها أن تُطير النوم من جفون المصريين قاطبة، غير أن الذي حدث هو عكس ذلك تماماً، إذ أصر المحللون الرياضيون المصريون في نوع من التعالي والترفع، وفيما يشبه الإجماع، على أن تلك الخسارة كان مردّها إلى العياء الذي أصيب به لاعبو المنتخب المصري من جراء تقارب مواعيد المباريات، وكأنّ منتخبهم كان وحده تحت رحمة ذلك الازدحام في برنامج الألعاب، كما أن غياب لاعبَيْن أو ثلاثة، كما قالوا، كان له أيضاً أثره في تلك الخسارة المذلّة، وأنّ الخروج المفاجئ لأحد المهاجمين المصريين بسبب تمزق في عضلات الفخد كان له هو الآخر أثره الفادح في نزول المستوى التقني والسجالي لمنتخب مصر... ولم يكلف أحد منهم نفسه عناء الإشادة بالمستوى العالمي الذي ظهر به منتخبنا الأولمبي منذ بداية هذه النهائيات الأولمبية، حيث انتصر على منتخب الأرجنتين، وما أدراك ما الأرجنتين، وربح منتخب العراق بثلاثية تظيفة، ثم أخرج منتخب الولايات المتحدة الأمريكية بدوره من المسابقات برباعية أنظف وأقسى، قبل أن ينهي هذا المشوار الرائع بسداسية ولا أنظف، تلقاها مرمى منتخب مصر، الذي ما زال محللو كرة القدم المصرية يبحثون له عن المزيد من الأعذار والمبررات، لكي لا يضطروا، إلا صاغرين، إلى الاعتراف بتفوق الكرة المغربية على نظيرتها المصرية، في هذه الآونة بالذات... وتماماً، كما كان الجزائريون المصابون بلوثة التفوّق المغربي يفعلون على مدار الأيام والسنين، قدّم المصريون خسارتهم الفادحة بستة أهداف ولا أروع، كما لو كانت من فعل فريق خيالي أو افتراضي، ولسان حالهم يقول: "خسرنا بستة أهداف لصفر بسبب إخفاقاتنا الذاتية"... وكأنهم لعبوا مقابلتهم تلك مع أنفسهم أو مع فريق من عطارد، وليس ضد فريق مغربي أفضل منهم استعدادا وعدّة، وأمثل من فريقهم تقنيةً واحترافيةً وقتاليةً... والأدهى من هذا، أن هذا الفريق المغربي لم يأت من فراغ، بل هو امتداد طبيعي ومنطقي للفريق الأول، الذي استأثر قبل سنتين فقط بالرتبة الرابعة عالمياً، في نهائيات كأس العالم بدولة قطر... غير أن هذا كله لم يعره المحللون الرياضيون المصريون أدنى اهتمام، إذ كفاهم جميعاً أن فريقهم خسر ميدالية البرونز بسبب عدم جاهزيته وهَوَان لاعبيه ومسيّريه داخل أرض الكنانة وخارجها... أما الفريق الأولمبي المغربي فمجرد كومبارس جاء ليسجل ستة أهداف ثم يختفي عن الأنظار، أي مجرد "خضرة فوق الطعام"!!!
 
وليت الأمر وقف عند هذا الحد من اعتزازٍ مفرطٍ بالنفس لم يعد في محله، بل وجدنا بين محلليهم من صب جام غضبه على الفريق الأولمبي المغربي لأنه، كما قال، لم يكتف بانتصار معقول يتناسب وقامة منتخب مصر الفارهة، انتصار بهدف أو اثنين أو حتى ثلاثة، ولذلك أوسعوا فينا نقدا وتجريحا لأنهم اعتبروا الأهداف الستة بمثابة إذلال مقصود ومبيَّت استهدف النيل من سمعة مصر... وهَلُمَّ فذلكاتٍ وعبَثاً!!
 
بل سمعنا بعضهم يقول بعظمة لسانه، "أن ننهزم بستة لصفر ليس مشكلة.. وإنما المشكلة أن يأتي ذلك على يد منتخب المغرب"... كذا !!!
 
نهايته... إن هذه الشوفينية المفرطة والزائدة عن اللزوم حاولت أن تسرق من المنتخب الأولمبي المغربي فرحته بالتفوق القائم على مسار استعدادي، تصاعدي، سجلته كرة القدم المغربية في كل الفئات العمرية، بل وفي فرق الإناث أيضاً، والتي استطاعت أن تجد لها هي الأخرى موطئ قدم في نهائيات كأس العالم المقبلة كما لم يحدث أبدا من قبل!!
 
وما على إخواننا المصريين، المعتدّين أكثر من اللازم بتفوّقهم، المنتهيةِ صلاحيتُه، إلا أن يشمروا عن سواعد الجد ويلهجوا بالشكر والامتنان لفريق أولمبي مغربي استطاع أن يُعَرِّي سوأة مسؤوليهم الذين شكّلوا أسوأ خلف لأحسن سلف عرفت رياضة كرة القدم المصرية في عهوده صولات وجولات لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل... والعبرة بما سيأتي!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي