الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: ضرب الوطن أمام الأعداء.. من خلال ضرب سفيرته!!

محمد عزيز الوكيلي: ضرب الوطن أمام الأعداء..  من خلال ضرب سفيرته!! محمد عزيز الوكيلي
من الفلتات الرائعة التي عرفتها دبلوماسيتُنا، التي لا تخلو من كفاءات يُقام لها ويُقعَد، مثل مندوبِينا الدائمِين لدى الأمم المتحدة بنيويورك، ولدى المنظمات الدولية بجنيف وفي غيرها... أقول من تلك الفلتات المعتبَرة، ان يُعيّن جلالة الملك امرأةً ذات باع طويل في مجالات الإعلام والاتصال، وأقصد بالتحديد، السيدة سميرة سيتايل، التي لم تتأخر ولم تتلكّأ في الرد الصريح والمفحم على أبواق أعداء وحدتنا الترابية داخل اللحمة الفرنسية وخارجها، على إثر القنبلة السياسية والدبلوماسية التي فجرها الرئيس ماكرون، ("مضطرّاً رئيسُهم لا بطلاً")، والتي جعلت معربدي الموراديا في الجزائر وذبابَهم الإلكتروني وعملاءَهم المرتشين، داخل ألتنظيمات السياسية بفرنسا نفسها، يترنحون ويمارسون رقصات الدِّيَكَة المذبوحة... وذاك مجرد الجزء اليسير الظاهر من جبل النار والحقد والحسد الذي يترسخ يوما بعد آخر في أعماق العقل الجمعي الجزائري، الفاقد لكل مَلَكاته ماعدا موهبة الخيانة والتدليس وأفعال السوء بكل أنواعها ومكامنها وتجلياتها الممكنة والمحتمَلة!!
 
وبطبيعة الحال، ولأن بلادنا الصاعدة تعيش تحت سمائها فصائل وأصناف ونوعيات سياسية بائدة تدمن على الاشتياق لعهود الحرب الباردة، التي حين انتهت وانطفأ أوارُها تركت قيادات هذه الأحزاب، الوطنية ياحسرة، عاريةً إلا من خِرَقٍ قديمة ومتآكلة تغطي بعضاً يسيراً من عوراتها... فقد خرجت إلينا هذه الهيئات الكسيحة فجأةً، بألسنة شرذمة من "مناضليها"، شحذت خناجرها، وأعدّت كل عُدّتها، لتُوسِعَ ضرباً وتجريحاً في شخص سفيرة جلالة الملك لدى الإيليزي، السيدة سميرة سيتايل، لا لشيء سوى لأنها في بحر أسبوع واحد، وليس أكثر، عرّت أكاذيب الحاسدين الحاقدين داخل كل من فرنسا والجزائر، فأحرجت الأوائل، وضربت الأواخر على مؤخّراتهم أمام جهابذة الدبلوماسيا العالمية، عندما ذكّرت بنبذة من تاريخ المحادثات والمفاوضات والمجادلات الماراثونية التي عرفتها اللقاءات المغربية الفرنسية على كل النطاقات بلا استثناء، وزادت على ذلك فنبهت المسؤولين في الإيليزي وفي كل المواقع داخل فرنسا إلى ثابت من ثوابت الفرنسيين يتمثل في سيادتهم الوطنية، التي بَدَوْا وكأنهم قد تنازلوا عنها في إنصاتهم السلبي إلى التدخل السافر من لدن معتوهي النظام الجزائري، في النطاق الخاص والخالص لتلك السيادة، حتى أن هؤلاء المعتوهين سحبوا سفيرهم من باريس، بعد أن كالوا لماكرون ورجالاته ونسائه كل أشكال السب والشتم والهمز واللمز، لا لشيء، سوى لأنه مارس سيادته كرئيس لدولة عظمى ذات سيادة حقيقية ووازنة، كانت إلى أمس قريب تدرّس العالم قاطبةً في "مادة السيادة" بالذات، معتبرةً ذاتَها وتاريخَها الحضاريَّ والثقافيَّ، والاستعماريَّ أيضاً، نموذجاً يُحتذى بين كافة الدول في هذا المضمار!!
 
كل هذا، لفتت السفيرة المغربية نظر الجزائريين والفرنسيين والناس أجمعين إليه، بدون تشنج، ولا زعيق ولا نوبات صَرَع، حتى أن العالم أنصت إليها بكل إعجاب وهي تتحدث وتُعقّب بهدوء خرافي أحرج مُحاوِراتِها الإعلاميات، ومُحاوِريها الإعلاميين، كما كانت تفعل عندما كانت مضطلعةً بمهام مديرة الأخبار في القناة المغربية الثانية، في اوج نجاحات تلك القناة!!
 
ونعود إلى فقاعاتنا السياسية الحزبية الفارغة والفاشلة، لنجد أن المتحدثين باسمها لم يجدوا سوى اتهام السفيرة بخرقها للدستور، لماذا؟ لأنها ذكّرت ضمن أحد تصريحاتها، على حد قولهم وادعائهم، بأصول المغرب الأمازيغية، وكأنها بذلك تُرجع الأصول العرقية المغربية إلى مكوّن أساسي حيواني وغير بشري، أو تُرجعها إلى خليط بين البشر والحيوان... ولم يجدوا ما يزكون به هذا التحامل على سفيرة أثبتت نجاحها وهي بعد في بداية مشوارها، بخلاف كل السفراء الذين أفرزتهم أحزابهم ماضيا وحاضراً بدليل خلودهم جميعا إلى صمت القبور داخل الأوطان التي يمثلوننا فيها، لم يجدوا سوى التغني بانتماء جلالة الملك إلى العرق العربي، وكيف لا يفعلون وهم أجهل بتاريخ وطنهم المغرب ورجالاته وأعراقه، حتى أنهم لا يعلمون من أيّ القبائل انحدر النسب العلوي الشريف، الذي اعتبرَه الأمازيغ الأقحاح عينَ نسبهم. وبذلك لم يجد المتحاملون للإثخان في النيل من سمعة ومصداقية السفيرة الحاذقة سوى المطالبة باستقالتها أو إقالتها، لأنها على حد زعمهم وادعائهم الكاذبَيْن، طالت بالمساس ثابتاً من ثوابتنا الوطنية والتاريخية هو شخص جلالة الملك ونسبه، وشكّلت بتحصيل الحاصل مساساً بانتمائنا كمغاربة إلى العروبة... بْلاَ بْلاَ بْلاَ... فبئسه مِن مُبرر ضَعُفَ من جرّائه الطالِبُ والمطلوب!!
 
لنناقش هؤلاء المتحاملين الذين أكل الحسد قلوبهم فأنطق بذلك ألسنتَهم وأقلامَهم، رغم أن الأمر لا يستحق المناقشة ولا حتى الانتباه، لأن هناك أخبارا جديدة تؤكد، من دائرة السفارة المغربية ذاتِها، بأن السفيرة لا علم لها بهذا الموضوع أساساً، وبالتالي فهي لم تصرح بأي شيء ذي علاقة بأصول المغرب الأمازيغية أو غيرها!!
 
وبالرغم من ذلك، لنفترض جدلاً أن المغرب وطن عربيُّ الأصول يحكمه في ظل مشترَكٍ ديني إسلامي "يَجُبُّ كلَّ ما قبله" ملِكٌ أمازيغيُّ المحتد والنسب، أو لنفترض أن العكس هو عين الواقع، وبأن المغرب الأمازيغي في أصوله العرقية، يحكمه في ظل الشرع الإسلامي والقانون الدستوري المتوافَق عليه مغربياً وعالمياً، ملكٌ عربيُّ المَنبَع... فأين الضرر في ذلك، أو في أن يصرح أحدنا بأحد هاتين الفرضيتين ويذكّر بها على سبيل استظهار واستحضار وقائعِ التاريخ وعناصرِه ومُكوِّناته؟!
 
ما الذي أوجع مؤخّرةَ هؤلاء المتحاملين على هذه السفيرة، فجعلهم يهجمون عليها ثِقالاً وخِفافاً بهذه الضراوة العجيبة والمفاجئة والفارغة؟!
 
هل يريدون إرجاعَنا إلى الصراعات الإثنية لما قبل الإسلام، وإلى أسلوب من التفكير كان سائدا لدى أهالي تلك العهود بإزاء الفتح الإسلامي الذي فاجأهم من حيث لا يحتسبون؟!
 
ام يريدون العودةَ بنا إلى ما قبل اندماج أعراقنا في لحمة مغربية واحدة، يكرّسُها ويزكيها، على صعيد الأسرة الملكية تحديداً، ذلك المزيج المتناغم والمنسجم بين النسبين العربي والأمازيغي داخل الأسرة العلوية ذاتها؟!
 
إلى أي مجال من الجدل الأخرق يريد أن يقودنا هؤلاء السلبيون الانهزاميون بقِصَر نظرهم، حتى انّ الواحد من متكلميهم في هذا الأمر لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، إن هو رآها افتراضاً؟!
 
نهايته... نحن هنا بصدد الحديث عن امرأة حظيت بثقة الملك أمير المؤمنين، الذي يرى ويسمع ويُنصت ويحلل ويتخذ قراراته من منطلق ذاتٍ واعيةٍ وعالمةٍ وعارفةٍ لا تشوبها أدنى شائبة من شوائب "الحزبية الضيقة"، و"الشوفينية السياسية الهجينة"، التي يبدو أن هؤلاء المتحاملين غارقون فيها حتى النخاع...
 
إننا هاهُنا، يا محترمين، بصدد موقف وطني نحن بإزائه في أمس الحاجة إلى الالتئام حول بعضنا البعض لدفع سوء وحقد وحسد وعدوانية جيران نربأ بأنفسنا أن نجعلهم يتفرّجون علينا منشرحين مستبشرين بصراعات سفسطائية تثيرونها أمام أعينهم، فتعملون من جرائها على تغذية أحقادهم وعدائهم وعدوانيتهم القياسية، خاصةً وأن الأمر يتعلق بموضوع وحدتنا الترابية، وبمصيرنا ومصائر أجيالنا الصاعدة والقادمة!!
 
كفوا، إذَنْ، عن صناعة الخلافات الواهية، وعن فبركة مشاهد يندى لها حبين الوطن، عندما تكون ماسّةً بعنصر من عناصره المنافِحة عن وحدته وعزته وسيادته!!
 
نهايته أيضاً... إنّ أيَّ محاولة لتحويل الجدال الدائر مع الفرنسيين الحِربائيين وصنيعتهم الجزائر العدوة والعدوانية وجارة السوء، إلى صراع مُفرَغ من أي محتوى، وفاقد لأي هدف يستحق النقاش والسجال، لا يمكن اعتباره والحالة هذه، وفي هذه الظرفية السياسية والدبلوماسية بالغة الدقة والحساسية بالذات، إلا اصطفافاً ضمنياً، بل صريحاً، في صف أعداء هذا الوطن وهذه القضية الوطنية المصيرية...
 
وإنّ الدخول في هذا الوقت بالذات، في مناقشة تخص أنساب المغاربة وأعراقهم، ونسب عاهلهم وأسرته المجيدة والبعيدة كل البعد عن هذا العبث، لهو من أشد مظاهر ذلك الاصطفاف الخبيث.. فحذار فإن نتائج هذا السلوك لن تكون إلا وخيمة، وبكل معايير العقل والرُّشْد والمنطق!!!
 
وختامه... وحتى لا يشط عقل البعض بعيداً، فهذا القول من بدايته إلى آخر مطافه لا يعني مطلقا أي دفاع عن شخص السفيرة السيدة سميرة سيتايل، التي أعترف بأنني كنت شخصيا من بين المعارضين لأسلوب تدبيرها لمجال الأخبار كمديرة للأخبار بقناة دوزيم، وإنما هذا المقال إعادة لوضع النقط على حروف يريد بعض السياسيين الفاشلين أن يجعلها ضائعة وتائهة بين السطور من جراء ما يضيفه عليها من الحركات والعلامات الطائشة والخارجة عن السياق، من قَبيل المجادلة في نسب الملك وأنساب مواطنيه...
وللحديث حتماً صلة!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي