تشهد الساحة الطبية في المغرب ظاهرة مثيرة للجدل، وتتعلق بتزايد هجرة الأطباء المغاربة إلى الخارج، مقابل زيادة الإقبال من قبل مغاربة العالم على العلاج في المغرب، خاصة خلال فترة العطلة الصيفية. وتطرح هذه الظاهرة العديد من التساؤلات حول الأسباب والدوافع الكامنة وراءها وخلفياتها.
في هذا الصدد، قال الدكتور الطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، إن "العديد من المغاربة المقيمين في الخارج يفضلون العودة إلى المغرب لتلقي الخدمات الطبية، وذلك لأسباب متعددة تتجاوز حاجز اللغة والتواصل. وفي كثير من الأحيان، يجد المغاربة المقيمون في الخارج صعوبة في التفاهم مع الأطباء، حتى مع وجود مترجمين، ما يدفعهم إلى البحث عن الرعاية الطبية في وطنهم".
وأوضح الدكتور حمضي في تصريح لـ"أنفاس بريس"، أن "ما يسم القطاع الصحي في المغرب هو المستوى العالي من الكفاءة، حيث تتماشى المعايير الطبية المتبعة مع المعايير الدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الواقع المحلي. ويكتسب الأطباء المغاربة خبرات متعمقة في تشخيص وعلاج بعض الأمراض التي قد تكون أكثر انتشاراً في المغرب مقارنة بدول أخرى، مما يعزز من جاذبية العلاج في البلاد".
وحسب الدكتور حمضي، يشكل عامل التغطية الصحية سبباً مهماً لعودة المغاربة إلى بلادهم لتلقي العلاج. ففي أوروبا، قد تكون تكاليف العلاج باهظة للغاية خارج نطاق التغطية الصحية، وغالباً ما يتطلب الحصول على الرعاية الطبية الانتظار لمدد طويلة. أما في المغرب، فيمكن للمرضى الحصول على الاستشارات الطبية والفحوصات الضرورية بسرعة، وبأسعار معقولة جدّاً.
وتابع المتحدث أن في عودة المغاربة إلى وطنهم للعلاج نوعاً من الراحة النفسية، حيث يتحدثون لغتهم الأم، ويستفيدون من الدعم العائلي والاجتماعي، وهو ما يساهم بشكل كبير في تحسين حالتهم الصحية بشكل عام".
في السياق نفسه، يرى الدكتور حسن الرافعي، وهو طبيب أخصائي في القلب والشرايين، أن "الأطباء المغاربة يغادرون المغرب بحثًا عن بيئة مهنية أفضل، حيث يجدون في الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية فرصًا لتحقيق تطلعاتهم المهنية والشخصية. ذلك أن هذه الدول توفر لهم موارد متقدمة، وتدريب مستمر، وتعويضات مالية مجزية، بالإضافة إلى احترام أكبر لمكانتهم كأطباء".
ومضى الرافعي قائلا: الهجرة ليست فقط بسبب الراتب، بل أيضًا بسبب الضغط النفسي الكبير ونقص الإمكانيات في بعض المستشفيات المغربية. فالعديد من الأطباء يشعرون بالإحباط نتيجة للظروف التي يعملون فيها، وهو ما يدفعهم إلى التفكير في البحث عن فرص أفضل في الخارج".
غير أنه، وعلى الرغم من هذا النزوح الطبي نحو الخارج، يبقى المغرب وجهة مفضلة للعديد من مغاربة العالم عندما يتعلق الأمر بالعلاج والاستشفاء، حيث ترى الدكتورة ليلى بنجلون، أخصائية أمراض النساء والتوليد، أن "مغاربة العالم يعودون للعلاج في المغرب، ليس فقط بسبب تكاليف العلاج المنخفضة، ولكن أيضًا لوجود روابط عاطفية قوية مع الوطن. فهم يشعرون بالراحة النفسية عند تلقي العلاج في بلدهم وبين أهلهم، وهذا له تأثير كبير على سرعة الاستشفاء".
وأوضحن الدكتورة بنجلون لـ"أنفاس بريس" أن "النظام الصحي المغربي، رغم التحديات المطروحة عليه يتوفر على كفاءات طبية مشهود لها بالخبرة والمهارة. فالعديد من الأطباء الذين يهاجرون يعودون بشكل دوري لإجراء عمليات معقدة، أو لتقديم استشارات طبية في المغرب، وهذا يعزز ثقة مغاربة العالم في النظام الصحي المحلي".
بدورها ترى ليلى جيكل، وهي مهاجرة مغربية في فرنسا، أن "عودتها إلى بلدها في إجازتها السنوية رفقة أسرتها مناسبة للاستفادة من خدمات الاستشفاء والعلاج، خاصة بالنسبة للأسنان، حيث الكلفة باهظة مقارنة مع بلد المهجر، فضلا عن إمكانية الجمع بين العطلة وخدمة التطبيب بمواعيد متقاربة وبكلفة أقل".
هذا ما أكده محمد بوعمر، وهو مهاجر مغربي مقيم بإيطاليا، قائلا "إن "تدفق مغاربة العالم على خدمات العيادات الخاصة للاستشفاء شيء طبيعي، بالنظر لكلفة العلاج من جهة، ومن جهة أخرى لضغط المواعيد وتباعدها من جهة أخرى، ولكون الأطباء المغاربة معروفين في بلدنا الأم، كما هو الشأن في بلد الهجرة، بالكفاءة والنجاعة، لكن في بلدنا تسعيرة الخدمة أرخص مقارنة مع بلدان الهجرة".