الأحد 8 سبتمبر 2024
في الصميم

مونديال 2030.. هل سيستفيد المغرب من درس برشلونة؟

مونديال 2030.. هل سيستفيد المغرب من درس برشلونة؟ عبد الرحيم أريري
في العقود الثلاثة الماضية عرف العالم تنظيم 17 تظاهرة رياضية كونية، ثمانية تخص الألعاب الأولمبية وتسع تظاهرات تهم كأس العالم (لم نحتسب الألعاب الأولمبية التي ستنطلق متم يوليوز 2024 بباريس ومونديال 2026 المقرر تنظيمه بأمريكا - المكسيك).

وتعد مدينة برشلونة (بإسبانيا) من أشهر وأنجح المدن التي عرفت كيف تستفيد من عائد تنظيم التظاهرة الرياضية الدولية فوق ترابها، بالنظر إلى أن برشلونة قبل 1992 كانت مجرد تجمع حضري خافت بدون وزن وبدون إشعاع وبدون هوية وبدون بصمة، فإذا ببرشلونة تصبح بفضل احتضانها للألعاب الأولمبية عام 1992 منارة عالمية وقطب جذب دولي، ومركز ثقل حضري في خريطة الميتروبولات العالمية، على اعتبار أن المسؤولين الإسبان أرادوا جعل محطة الألعاب الأولمبية فرصة لتغيير معالم مدينة برشلونة، ليكون للإسبان موطئ قدم في حوض البحر المتوسط يتناسب مع طموح انضمامها الحديث للسوق الأوروبية (الاتحاد الأوروبي حاليا). فقرر الإسبان اعتماد مخطط حضري ثوري يتمثل في مصالحة برشلونة مع البحر وتأمين انفتاح المدينة على الساحل المتوسطي.
إلا أن هذا الطموح تطلب الجواب على سؤال حارق ألا وهو: ماهي الوصفة لحل إشكالية عزلة برشلونة عن باقي التراب الإسباني من جهة، وعزلتها عن باقي دول العالم من جهة ثانية.

لرفع التحدي تم تسطير أربعة محاور لربط برشلونة مع إسبانيا ومع الخارج (جوا وبرا وبحرا ولاسلكيا).
فعلى مستوى الربط الجوي تمت عصرنة مطار برشلونة وتوسيعه وإضافة أربع محطات جوية عصرية بمواصفات عالمية.

وعلى المستوى البري تم الاشتغال على محورين: محور طرقي يكمن في إحداث مدارات طرقية (Les rocades) لتخفيف الاكتظاظ مع ربط هذه الأخيرة بالأوطوروت، وبالموازاة مع ذلك تم خلق مدارين، واحد ساحلي بطول 12 كلم يستوعب 100 ألف سيارة في اليوم (Ronda Litoral) وآخر داخلي بطول 24 كلم يستوعب 130 كلم في اليوم (Ronda de Dalt). بينما المحور الثاني فيتجلى في تجديد خطوط ومحطات السكك الحديدية وبناء محطات جديدة وتعزيز الربط السككي بين المطار ووسط المدينة.

أما المستوى الثالث (البحري) فيتلخص في إدخال برشلونة في رادار الموانئ الترفيهية ببناء مارينا وتجهيز محيطها بعمران بهي.

أما المستوى الرابع فيخص المواصلات السلكية واللاسلكية، حيث سمح هذا المخطط بتغطية كل النقط السوداء عبر بناء أبراج المواصلات (أهمها برج Collserolo) وتقوية البنية التحتية للمواصلات السلكية.

كل هذه الأوراش الضخمة، تمت مصاحبتها بتدخلات مهمة لتجديد المشهد الحضري ببرشلونة ببناء الفنادق وتجديد النسيج العمراني الشائخ وإحداث الحدائق والمنتزهات داخل وبساحل المدينة (ارتفعت المساحات الخضراء بنسبة 78 % بين 1986 و1992)، وهدم الأحياء المهملة والعشوائية قرب الميناء، وتحويل هذا الأخير إلى أحد أهم الأقطاب الترفيهية بحوض البحر المتوسط.

وخارج حلبات السباق والملاعب والمسابح وقاعات المنافسة التي كان يتبارى فيها رياضيو العالم، ربحت برشلونة ارتفاع نسبة التشغيل بوتيرة 22 % وانخفاض البطالة إلى أدنى مستوى لها (8 %)، وأضحت السياحة ركيزة أساسية في الاقتصاد المحلي، لدرجة أن السياحة حاليا تمثل 12 % من الناتج الداخلي لبرشلونة وتساهم في خلق 10 % من مناصب الشغل في المدينة بفضل الإشعاع الذي اكتسبته برشلونة التي يزورها حاليا 28 مليون سائح في السنة بعد أن كان يزورها 1.7 مليون سائح عام 1991(!) بفضل مضاعفة الطاقة الإيوائية وتنويع العرض بما يناسب ميزانية كل فئة مجتمعية.

ما قلناه عن برشلونة، يسري على مدينة أطلنطا الأمريكية التي احتضنت الألعاب الأولمبية عام 1996 أو لندن (2012) أو ريو دي جانيرو (2016)، وغيرها من المدن التي كانت مسرحا لتظاهرات عالمية في المونديال أو غيره (إكسبو مثلا).

إن المغرب، وهو يستعد لاحتضان مونديال 2030، أمامه فرصة لإحداث وثبة في المشهد الحضري بالمدن المصنفة لاحتضان المباريات العالمية (البيضاء، طنجة، الرباط، أكادير، فاس مراكش)، بالنظر إلى أن محطة المونديال ليس هي تشييد الملاعب وحسب (ولو أن هذه المنشآت الرياضية مهمة لأنها شرط وجود للمونديال)، بل المونديال هو مناسبة لا تتكرر لكي يحقق المغرب إقلاعا حضريا بإعطاء هوية لكل مدينة مرشحة لاحتضان المقابلات، وتصحيح الاختلالات وردم الأعطاب الحضرية وتبني مخططا للتجديد الحضري بما يجعل المدينة المغربية جذابة بطرقاتها وشوارعها وساحاتها ومنتزهاتها ومآثرها ومزاراتها وخطوط النقل الحضري فيها.

وبالنظر إلى أن الرهان الأكبر للمغرب هو الدار البيضاء التي اختيرت ضاحيتها لبناء الملعب الكبير، فالأمل هو أن يتدخل المسؤولون لتصحيح عيوب اختيار موقع الملعب (نواحي المنصورية) عبر مصالحة الدار البيضاء مع البحر وإعداد سياسة جريئة تروم هدم البنايات التجارية والخدماتية واللوجستية بشاطئ عين السبع وعكاشة وروش نوار وعند مدخل الميناء وتهيئة ساحل الدار البيضاء من شاطئ النحلة بالبرنوصي إلى شاطئ مدام شوال بطريق طماريس، مع إحياء مشروع وصال «الذي أقبر منذ سنوات» وربط المارينا مع وسط المدينة وشق المحج الملكي، وشق الطرق لربط أحياء وسط المدينة بالساحل، وإخراج المنتزهات والحدائق المبرمجة في وثائق التعمير إلى حيز الوجود، مع اعتماد مخطط جريء لتشجير 12000 زنقة وشارع، أو على الأقل تشجير كل الشوارع الرئيسية والمحاور الطرقية بمدينة الدار البيضاء.

فإذا كان العالم ينظر للمغرب باعتبار 2030 هي محطة لرهانات مالية ضخمة للمستشهرين و«صيادي الهمزة» في المونديال، فعلينا نحن أيضا أن نجعل من 2030 محطة للإعلان عن ميلاد مغرب آخر، مغرب قوي بمدن بهية ومتوهجة يصل إشعاعها إلى أقاصي الدنيا.