"الأجانب والتمييز: الوضع الراهن في ضوء الملاحظات الختامية للجنة القضاء على التمييز العنصري".. هذا العنوان الذي أطر الحلقة الجديدة لبرنامج "خميس الحماية"، الذي نظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي عرف مشاركة عدد من الفاعلين والخبراء والمهتمين بإشكالية التمييز العنصري.
اللقاء أشرف على تنشيطه عبد الرفيع حمضي، مدير الرصد وحماية حقوق الإنسان بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي أكد في بدايته أن المغرب كان من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وهي الاتفاقية التي صدرت عام 1965 وصادق عليها المغرب عام 1970، مشيرا بأن آخر تقرير يتعلق بمكافحة التمييز العنصري تقدم به المغرب الى اللجنة المعنية في نونبر 2023 .
كما ذكر عبد الرفيع حمضي بخطاب الامين العام للأمم المتحدة حول خطورة تفشي خطاب الكراهية في شبكات التواصل الاجتماعي الأمر الذي من شأنه تهديد السلم العالمي، مضيفا بأن هناك برنامج دولي لمكافحة خطاب الكراهية ينخرط فيه المغرب عبر اتخاذ عدد من المبادرات في هذا الإطار .
من جانبه أشار محمد الماكوتي، رئيس قسم الإدماج الاجتماعي والمواكبة القانونية في قطاع المغاربة المقيمين بالخارج في وزارة الخارجية، أن السلطات العمومية انفتحت في مسار إعداد التقرير الوطني بخصوص إعمال الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري على مختلف المتدخلين الوطنيين وكذلك الترابيين، كما تطرق الى مراحل إعداد التقرير الوطني الذي قدم في نونبر 2023 ، مضيفا بأن فتح نقاش وطني حول هذا الموضوع من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان له قيمته الإيجابية، كما أنه لا يمكن الرقي بالتشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة التمييز دون طرح الموضوع للنقاش مع مجموعة من المتدخلين.
كما تطرق الماكوتي الى أهمية المرتكزات التي جاء به دستور 2011، حيث أقر بسمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، الى جانب كونية حقوق الإنسان كماهي متعارف عليها دوليا، فضلا عن التنصيص على المساواة في الولوج الى الحقوق مع اعتماد قانون يتعلق باللجوء.
وأشار المتدخل أن الحكومة المغربية جعلت من حقوق الإنسان مرتكزا أساسيا في برامجها الحكومية، حيث أكدت من خلال مضامينها على حرصها والتزامها المتواصل في مجال إدماج المهاجرين واللاجئين باعتبارهم كأجانب، كما جعلت من حقوق الإنسان قضايا حقوقية مشتركة وفقا لمقاربة تقاطعية وهو ما يترجم على مستوى السياسة الوطنية التي تم اتخاذها من طرف المملكة المغربية تنفيذا للتوجيهات الملكية سنة 2013 والتي انبثقت عنها استراتيجية وطنية سنة 2014 تتضمن 11 برنامجا ومشروعا كبيرا و 81 تدبيرا وإجراء تضمن تيسير الولوج لمجموعة من الخدمات الاجتماعية، تيسير الولوج الى سوق الشغل ، تيسير الولوج الى مراكز التكوين، الاستفادة من البرامج ذات الدعم الإنساني والتوجيه القانوني بالإضافة الى مجموعة من البرامج ذات الطابع العرضاني.
كما تطرق الماكوتي في نفس السياق الى برنامج التواصل والذي يستهدف التحسيس بأهمية إدماج بعد الهجرة في مجموعة من السياسات والخطط الوطنية القطاعية، تحسيس المهاجرين واللاجئين الذين قرروا الاستقرار في التراب الوطني بأهمية الولوج الى مختلف الخدمات المقدمة لهم في إطار الاستراتيجية قصد تحقيق اندماج فعلي، وتحقيق تعايش سلس مرن في النسيج المجتمعي المغربي. كما تتضمن الاستراتيجية تأهيل الإطار التشريعي والمؤسساتي، وترسيخ نظام مؤسساتي معني بتنسيق المجهود الوطني المكلفة بتتبع السياسات العمومية المعنية بإدماج المهاجرين واللاجئين .
وقال الماكوتي إن المملكة المغربية ومنذ 2019 اعتمدت إطارا وطنيا لمكافحة الاتجار في البشر وتم تعيين لجنة وطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار في البشر بالإضافة الى إعداد مشروعي قانونين يتعلقان بالهجرة واللجوء .
وفيما يتعلق ببرنامج الإدماج الاقتصادي أشار الماكوتي، أن البرنامج يتضمن عدة تدابير من بينها تمكين المهاجرين واللاجئين المقيمين بطريقة قانونية من الاستفادة من خدمات وكالة إنعاش التشغيل والكفاءات، مشيرا بأن هناك تمييز لكنه تمييز إيجابي لأن المهاجرين معفيون من وثيقة الأفضلية الوطنية تفعيلا للمقاربة الإنسانية ولتمكين المهاجرين من الولوج الى سوق الشغل، بالإضافة الى تسهيل الحصول على تأشيرة السلطة الوطنية المكلفة بالتشغيل، كما تطرق الى أهمية المقتضيات التي حملها القانون المتعلق بإحداث التعاونيات والذي يعطي الحق للمهاجرين واللاجئين المقيمين بطريقة قانونية في الانخراط وتأسيس التعاونيات.
ملاك بن الصغير، رئيسة مشروع التعاون مع منظومة الأمم المتحدة بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تطرقت من زاويتها الى التقرير الذي قدمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان الى اللجنة المعنية بمكافحة التمييز العنصري مشيرة الى أن التقرير قدم نظرة عامة عن الإجراءات التي اتخذها المجلس لمكافحة التمييز العنصري ( دورات تدريبية حول مفاهيم حقوق الإنسان العالمية، زيارة مراكز الاعتقال للتحقق من مدى احترام حقوق الإنسان سواء المغاربة أو الأجانب، بمعالجة الشكاوى التي يتلقاها المجلس من السجناء الأجانب وإيجاد الحلول لها بتنسيق مع ادارة السجون ..)، كما تناول جزء من تقرير المجلس لحقوق الأجانب والمهاجرين، وتم خلاله التطرق الى التقدم المسجل بهذا الخصوص الى جانب بعض التحديات التي تظل قائمة والتي يمكن أن تؤدي الى التمييز العنصري، مقدمة على سبيل المثال مدونة الشغل التي تمنع جميع أشكال التمييز كما هو مبين في المادة 9، لكن المادة 419 من هذا القانون تنص على ضرورة توفر الأعضاء القياديين في النقابات على الجنسية المغربية وهو ما قد يؤدي الى حدوث تمييز ويمنع المهاجرين من تولي هذه المناصب كما ناقش التقرير قانون الجنسية المغربية، حيث تسمح المادة 6 من هذا القانون للأم المغربية بغض النظر عن جنسية زوجها بنقل جنسيتها تلقائيا الى أطفالها، كما أن المرأة الأجنبية المتزوجة من رجل مغربي بإمكانها الحصول على الجنسية المغربية، ولكن الرجل الأجنبي لا يمكنه الحصول على الجنسية المغربية عن طريق زواجه من مغربية وهذا ما قد يشكل تمييزا بحسب المتحدثة.
كما دعت المتدخلة الى أجرأة هيئة مكافحة جميع أشكال التمييز التي جاء بها دستور 2011 مشيرة بأن تفعيل هذه الهيئة سيساهم بشكل كبير في تعزيز مكافحة كافة أشكال التمييز.
وتطرقت كذلك الى بعض التحديات الراهنة بشأن الحق في العدالة بما في ذلك التحديات المرتبطة بالمساعدة القانونية للأجانب ولذلك أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان – تضيف بن الصغير بضرورة إنشاء آلية لتوفير المساعدة القانونية للأجانب .
وحسب سارة سوجار، المكلفة بحماية حقوق الأجانب بالجمعية المغربية لمناهضة العنصرية، فالمغرب اليوم يتوفر على مبدأ دستوري يقر بعدم التمييز، وهو معطى قانوني، وتجريم لكافة أشكال التمييز في القانون الجنائي وهما معطيين مهمين يعتبران من وجهة نظرها المدخل لمحاربة التمييز، لكن يبقى تعريف التمييز في القانون المغربي إشكالا مطروحا، وخصوصا المادة 431 من القانون الجنائي التي لا تتلاءم مع المادة الأولى في الاتفاقية المتعلقة بمكافحة التمييز العنصرين حيث يتطرق التعريف الوارد في الاتفاقية الى التمييز، الاستثناء، التقييد والتفضيل في عرقلة الحصول على الحقوق الأساسية والحريات في حين أن القانون الجنائي المغربي يشير فقط الى التفرقة، داعية الى بذل مجهود تشريعي في هذا الإطار خصوصا أن الأمر طرح ضمن خلاصات اللجنة المعنية بالتمييز المتعلقة بالتقرير الأخير الذي قدمه المغرب بجنيف .
كما تطرقت سوجار الى تجريم الهجرة غير النظامية التي جاء بها القانون 02.03 ، مشيرة الى أن منطق التجريم قد يؤدي الى وقوع تجاوزات في مجال حماية حقوق الأجانب بما فيهم عديمي الجنسية، المهاجرين، اللاجئين.. ومن بينها عمليات التوقيف أو التنقيل التي تجرى داخل التراب الوطني وهي عمليات جماعية يحضر فيها نوع من التنميط تجاه الأشخاص ذوو البشرة السوداء، مضيفة بأن هذه العمليات لها انعكاس على حرية التنقل أو تؤدي الى عمليات تنقيل قسرية.
وتوقفت عند صعوبة الولوج الى العدالة من طرف الضحايا الراغبين في تقديم شكايات بسبب وقوع خروقات قانونية أو مسطرة، مع العلم أن هناك إمكانية لتقديم شكايات مباشرة للنيابة العامة -تضيف المتحدثة - مشيرة بأن المهاجرين يشعرون باطمئنان عندما تقديم شكايات مباشرة للنيابة العامة التي تأخذها بعين الاعتبار مهما كانت الوضعية الإدارية للمشتكي بخلاف مؤسسات اخرى مؤكدة بأن آلية تقديم الشكايات بما فيها الشكايات التي يتوصل بها المجلس الوطنية لحقوق الإنسان بدون شروط تعد جزء من توفير الحماية من التمييز العنصري.
وتناولت أيضا صعوبة اتباث التمييز العنصري ليس فقط في الأماكن العامة ولكن أيضا في الأماكن الخاصة مثلا أماكن العمل، خصوصا اذا كان ممارس من طرف الإدارة أو المؤسسة دون الخوض في أبعاد أخرى مثل الخوف والتردد، داعية في الأخير الى توفير آلية خاصة لمكافحة التمييز العنصري تأخذ بعين الاعتبار عنصر الاثبات وكافة الصعوبة المطروحة في هذا الإطار .
اللقاء التفاعلي عرف أيضا مشاركة عايدة خير الدين، وهي خبيرة في الإجراء والنوع وفي المقاربة التقاطعية، والتي تطرقت في مداخلتها الى المقاربة التقاطعية التي تشرح بأن التمييز ليس أمرا متجانسا فهناك الكثير من أشكال التمييز الى جانب الامتيازات التي يحظى بها بعض الأفراد بسبب انتمائهم لطبقة أو عرق أو جنس معين، وهناك الكثير من الأشخاص الذين يعيشون أشكال خفية للتمييز دون أن تكون لهم القدرة على إثباتها، فهناك مثلا نساء في وضعية إعاقة وفي نفس الوقت في وضعية الهجرة، ففي أي خانة سنضعهم؟ تتساءل المتحدثة ، الأمر الذي يحتم علينا العمل بالتمييز التقاطعي من أجل الكشف عن الحالات الخاصة لهذا التمييز، مضيفة بأن كلما كانت هناك أشكال متعددة من التمييز كلما كان هناك ولوج محدود للحقوق، وبالمقابل كلما كانت هناك امتيازات لدى البعض مثل الانتماء الى طبقة راقية ولون بشرة أبيض فيعني ذلك الحصول على امتيازات وولوج جيد للحقوق ولذلك لابد من ملاحظة تراكم الامتيازات الذي يتيح الولوج الى دراسات عليا أو مناصب بينما البعض الآخر يجد صعوبة في الولوج الى هذه المناصب والموارد، مشيرة بأن المقاربة التقاطعية تمكن من وضع استراتيجيات واضحة وهادفة تهم التمييز تتكامل مع المقاربة التشاركية والمقاربة الحقوقية وتجعل الضحايا شركاء وفاعلين في التغيير.
من زاويتها أشارت أوغيلي إيغاني، رئيسة قسم حماية حقوق الأجانب بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الى التوصيات التي تقدمت بها اللجنة المعنية بمكافحة التمييز الى المغرب وهي توصيات لا تستهدف المهاجرين الأجانب فقط بل من أجل تقديم دعم شامل لمواجهة النضال ضد التمييز.
ومن بين التوصيات المهمة التي تقدمت بها : توفير المعلومة التي تهم الساكنة المعنية بالحماية، لذلك لابد من توفير معلومات دقيقة وموثوقة من أجل حماية الضحايا من التمييز، كما دعت المغرب الى إعداد إحصائيات دقيقة حسب الجنس والسن فيما يتعلق بالوضع السوسيو-اقتصادي لمختلف المجموعات الإثنية وضمنهم المهاجرين في وضعية غير نظامية وطالبوا اللجوء، الأمر الذي سيمكن من تكوين نظرة شاملة حول وضعهم السوسيو-اقتصادي، وخاصة ولوجهم للعلاج والتعليم والسكن الخ .
وأشارت أوغيلي إلى أن اللجنة نوهت بمصادقة المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية كما أن الدستور أقر بسمو هذه الاتفاقيات، لكن مع ذلك لازالت تسجل صعوبة في تطبيق هذا المبدأ في المحاكم، ولهذا أوصت اللجنة بتعميم المعلومات المتعلقة باتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري وحول الحقوق التي تحميها، وتوفير المعلومة لدى منفذي القانون ولدى القضاة من أجل تفعيل هذا المقتضى القانوني.
وفيما يتعلق بتفشي خطاب الكراهية في الشبكات الاجتماعية أشارت المتحدثة أن المغرب اتخذ العديد من المبادرات من أجل مواجهة خطاب الكراهية والعنصرية، ولكن للأسف فالشبكات الاجتماعية تظل حاضنة لهذا الصنف من الخطاب وهو ما يفرض تقوية تدابير الحماية وتقوية تدابير مواجهة الأحكام النمطية تجاه بعض المجموعات، والتي يمكن أن تقود الى بروز هذا الصنف من الخطاب، داعية الى فتح تحقيقات فعالة وإقرار عقوبات رادعة لمواجهة خطاب الكراهية في الشبكات الاجتماعية.
من جانب آخر أشارت أوغيلي، الى التدابير والإجراءات اتخذت من طرف المغرب من أجل ضمان ولوج الأجانب للعلاج والتعليم والشغل والسكن، لكن لازالت هناك تحديات وضمنها أن عدد من المهاجرين ذوي البشرة السوداء يعانون من الأحكام النمطية والتي قد تؤدي الى التمييز وهو ما يفرض مواجهة الأحكام النمطية تجاه المهاجرين ورفع الحواجز التي تحول دول ولوج المهاجرين للحقوق وتوفير آليات فعالة لتقديم الشكاوى لمواجهة بعض التحديات العملية، وضمان الولوج الى العدالة، خاصة بالنسبة للمهاجرين في وضعية غير نظامية، وتوفير المساعدة القانونية لفائدتهم كما أوصت بذلك اللجنة، الى جانب بلورة تشريعات تغطي كافة أشكال التمييز سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص وكذا تعديل القانون الجنائي بما يتلاءم ومقتضيات الاتفاقيات الدولية.