الجمعة 22 نوفمبر 2024
جالية

أريري: زيارة لأقدس ولي من أولياء الله الصالحين  بباريس!

أريري: زيارة لأقدس ولي من أولياء الله الصالحين  بباريس! الزميل عبد الرحيم أريري في محطة Fulgence Bienvenüe بمونبارناس
رغم أن محطة الشمال بباريس la gare du nord، تعد من بين أكبر المحطات كثافة في العالم بحكم أنها تسجل أزيد من 211 مليون مسافر في السنة بالقطار والميترو.
 
ورغم أن محطة Chatlet-les-halles، تعد أكبر "غار" في العالم يسجل عبور 1500 قطار في اليوم لخطوط النقل الحضري فقط (الميترو والقطار الجهوي السريع RER)، منها 120 قطار في الدقيقة خلال ساعات الذروة الصباحية أو المسائية.
 
ورغم أن محطة Etoile بباريس هي الأكثر استعمالا من طرف السائحين الأجانب الراغبين في التنزه أو التبضع وتناول الوجبات بأحلى شارع في العالم" شارع الشانزيليزيه".
 
رغم ذلك، فإن أحب محطة إلى قلبي بباريس هي محطة مونبارناس Montparnasse، ليس لأنها قلعة ديمغرافية للأقلية البروطانية Breton التي تناضل ضد الحكومة الفرنسية لرد الاعتبار للغتهم المهددة بالانقراض، أو لكون "مونبارناس" هو موطن الصناعة الليلية بباريس لأن الحي يأوي المسارح والمطاعم والحانات والملاهي التي تبقى مفتوحة إلى وقت متأخر من الليل، بل لأن محطة الميترو مونبارناس تحمل اسم من أعتبره أنا شخصيا أحد "أولياء الله الصالحين فعلا وقولا".إنه المهندس "فيلغونس بيانفوني" Fulgence Bienvenüe، الذي يعتبر "الأب الحقيقي" لميترو باريس.
 
رغه الإعاقة التي أصيب بها Fulgence Bienvenüe، الذي بترت يده اليسرة في حادثة شغل حين كان يشرف على ورش للسكك الحديدية وعمره 29 سنة، فإن ذلك لم يمنعه من أن يقود أكبر مواجهة بين فرنسا وبريطانيا في من ستكون لها الريادة في تنظيم المجال الحضري والتحكم في التعمير والعمران، علما أن الفترة التي عاشها المهندس Fulgence Bienvenüe ( ولد عام 1852 وتوفي عام 1936)، كانت فترة توتر بين فرنسا وبريطانيا في من سيحكم العالم، وهو التوتر الذي زاد من حدته أن فرنسا كانت تحس بالدونية أمام التطور التكنولوجي والتقدم الصناعي ببريطانيا. 
 
من هنا اصطفاف Fulgence Bienvenüe، وهو خريج مدرسة البوليتكنيك ومدرسة القناطر والطرق على حد سواء، إلى جانب مهندسين وصناعيين وسياسيين آخربن، وخلقوا جمعية غايتها تسريع التطوران التكنولوجية والتقنية بفرنسا في كل مناحي الحياة( معامل النسيج، المصاعد، السلاح، طرق البناء، الكيمياء، السفن، السكك الحديدية إلخ...) ومنحوها اسم: La Société d'Encouragement pour l'Industrie Nationale .
 
وبحكم أن المهندسFulgence Bienvenüe كان يشتغل في بلدية باريس، فقد سخر كل قدراته التواصلية والمعرفية والتقنية لإقناع الطبقةالسياسية بوجوب خلق ميترو للتخفيف من حدة الاكتظاظ وحل أزمة التنقل بين أطراف المدينة، علما أن باريس في النصف الثاني من القرن 19 كانت تعرف دينامية كبرى وتحولات مورفولوجية بفضل سياسة هوسمان السابقة من جهة وبفضل تدفق الثروات من مستعمرات فرنسا من جهة ثانية.

ومع تدشين لندن لأول خط ميترو في العالم ( عام 1863)، زادت القناعة لدى سياسيي فرنسا ومهندسيها بوجوب أن تمر باريس للسرعة القصوى لإنجاز ميترو خاص بها يكون أحسن من لندن.
 
في عام 1895 قدم المهندس Fulgence Bienvenüe ( رفقة زميله Edmmont Huet)، مسودة مخطط ميترو يربط الضفة الغربية بالشرقية لباريس بمر عبر باطن الأرض بحفر الأنفاق. ومن حسن الحظ أن باريس كانت ستحتضن المعرض الدولي في1900، بشكل جعل الطبقة السياسية ( حكومة ومجلس بلدية باريس) تدفن أحقادها وخلافاتها وتصادق على المشروع الذي قدمه المهندسFulgence Bienvenüe.
 
انطلقت الأشغال في حفر أنفاق ميترو باريس يوم 4 أكتوبر 1898 وتم تدشين أول خط ميترو فرنسي في ظرف زمني لا يتعدى عامين، ( دشن الميترو تحديدا يوم 19 يوليوز 1900)، بفصل تشغيل 2000 عامل وتقني ومهندس.
 
وبعد أربعة أشهر من الاستغلال حقق خط ميترو باريس أرقاما خرافية إذ نقل 4 ملايين فرد في ظرف ربع سنة. وهو ماقاد فرنسا أن تصدر قرارا يقضي بأن يتولى المهندسFulgence Bienvenüe مهمة واحدة فقط، ألا وهي أن يوسع شبكة الميترو لتغطي كل باريس، وهي المهمة الني تولاها Fulgence Bienvenüe بكل شغف وحب، وكرس حياته كلها لهذا الورش، إلى أن توفي عام 1936. وبفضل إصراره أضحت باريس من أحسن المدن في العالم في مجال النقل الحضري الذي يضم 16 خطا من الميترو و16 خطا من الترامواي و61 خطا من الحافلات (ببلدية باريس وليس جهة إيل دوفرانس)، لدرجة أن المهندس Fulgence Bienvenüe، يرقد حاليا مرتاح البال في مقبرة Pére Lachaise بباريس، بعد أن أنجز أضخم وأكبر ورش للنقل الحضري في العالم ينقل سنويا حوالي ملياري راكب.
 
ولاعجب في أن تبادر فرنسا بإطلاق اسمه على محطة الميترو بمونبارنس تكريما له، وهو التكريم المضاعف لأن حي مونبارنس يضم الفرنسيين المنحدرين من منطقة بروطان، وكأن فرنسا أرادت أن تردالاعتبار من خلاله إلى هذه الأقلية ذات الحقوق الثقافية اامهمشة في الفضاء العام الفرنسي.
 
فلترقد روح المهندس Fulgence Bienvenüe بسلام، والأمل أن يرزق الله المغرب"وليا من أوليائه الصالحين" من طينة Fulgence Bienvenüe.
إنه على كل شيء قدير !