أمس الخميس 25 أبريل 2024، وبعد أن أنهيت التزاماتي المهنية بالعاصمة الفرنسية، كنت أمام خيارين: إما الذهاب لرؤية أسوأ محل بباريس بساحة la bastille، أو الذهاب إلى أقدم مطعم بباريس بحي سان جيرمان.
في نهاية المطاف استقر بي الأمر على الاختيار الثاني، فأخذت الميترو من زنقة Balard إلى محطة مونبارناس، ومن هناك أخذت خطا آخر للميترو نحو محطة سان جيرمان، حيث انعطفت يسارا ببضعة أمتار، فإذا بي في زنقة l'ancienne comédie في الدائرة 6، التي تحتضن أشهر وأقدم مطعم بفرنسا ككل وليس بباريس.
اسم المطعم Procope نسبة إلى مهاجر إيطالي جاء من صقلية إلى باريس في النصف الثاني من القرن 17. كان هذا المهاجر واسمه،francesco procopio، يشتغل عاملا بمحل للأكلات والخبازة، إلا أن طموحه كان كبيرا، فجمع بعض المدخرات واقتنى عام 1686 هذا المحل بزنقة لاكوميدي، وحوله إلى مطعم ترتاده آنذاك الطبقة الأريستقراطية. وسرعان ماذاع صيت المحل الذي بدأت تحج إليه النخب المثقفة وفلاسفة الأنوار وقادة الثورة الفرنسية وكبار المفكرين، من أمثال: روسو، فولتير، مونتيسكيو، ديدرو، روبيس بيير، دامتون، أليمبير Alembert، ومارت j.paul Mart ، واللائحة طويلة.
مطعم procope عاش مرحلة ذهبية دامت 204 سنة، لكن في سنة 1890؛ ولأسباب مالية خانقة، اضطر المطعم بأن "يهبط الريدو"، وظل مغلقا إلى مابعد الحرب العالمية الثانية، حيث ستعيش فرنسا (وعموم أوربا الغربية) فترة زاهية بفضل تدفق المساعدات الأمريكية المقدمة لإعادة إعمار مدن أوربا الغربية في إطار"مخطط مارشال".
في حمأة هذه الفترة الزاهية بدأت فرنسا تنفض الغبار عن رأسمالها اللامادي من مبان تاريخية ولباس وأكل وفولكور لتسجيله كتراث لامادي. فتقدمت مجموعة Bertrand، واشترت محل Procope وأعادت فتح المطعم بنفس المواصفات والقاعات واللوحات وشعارات ثورة 1789 التي تزين طوابق المطعم، بعد أن ظل مغلقا طيلة 67 سنة.
لما ولجت المطعم، وبدون تردد ألححت على المضيفة، بكوني أريد تناول وجبتي في الصالة المفضلة لفولتير ومونتيسكيو للاستمتاع بعبق التاريخ، قادتني إلى الطابق الأول المكون من خمس صالات فسيحة، حيث جلست في القاعةالشمالية( وهي الأصغر)، التي تسع لعشر موائد ذات طاقة استيعابية 30 زبون، أما الصالات الأخرى فطاقتها أكبر، وهو ما يفسر كثرة مستخدمي مطعم الذين يصل عددهم إلى 75 مستخدم، وفق ما أفادني به المسؤول عن الصالة الشمالية.
مطعم procope يشتهر بتقديم ثلاث وجبات وهي:
le coq au vin، la tete de veau en cocotte, mille feuille
لكن شخصيا، أميل للسمك كلما توفر، بشكل جعل المسؤول عن الصالة يقترح على النادل، بأن يحضر لي طبق سمك "دوراد" dorade royale مطهي على الطريقة الباريسية مرفق بالأرز. وهي نفس الطريقة المعتمدة منذ أن تم تسجيل المطعم من طرف فرنسا كثراث لامادي عام 1962.