السبت 27 إبريل 2024
سياسة

الدروس الحسنية.. مؤتمر سنوي لأقطاب الفكر الإسلامي

الدروس الحسنية.. مؤتمر سنوي لأقطاب الفكر الإسلامي
من‭ ‬الأسباب‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬اتساق‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مع‭ ‬الاحتجاج‭ ‬بالمصادر‭ ‬الاجتهادية‭ ‬المتوافقة‭ ‬مع‭ ‬العصر،‭ ‬اختار‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية،‭ ‬التي‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬سنة‭ ‬1963،‭ ‬لتكون‭ ‬طقسا‭ ‬ملكيا‭ ‬راسخا‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬للنظر‭  ‬في‭ ‬الأحكام‭ ‬والمقاصد‭ ‬وتطويعها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جلب‭ ‬المصالح‭ ‬ودرء‭ ‬المفاسد،‭ ‬مع‭ ‬الإلمام‭ ‬التام‭ ‬بأهمية‭ ‬الواقع‭ ‬ومراعاة‭ ‬أحوال‭ ‬التطور‭.

وتنبني‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬الباحثين‭ ‬والباحثات‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والفقهاء‭ ‬والفقيهات‭ ‬الذين‭ ‬يشهد‭ ‬لهم‭ ‬بالقوة‭ ‬واليقظة‭ ‬والمعرفة،‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬مغاربة‭ ‬أو‭ ‬أجانب،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإحاطة‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬المسلمين،‭ ‬وقياس‭ ‬أثر‭ ‬الشرع‭ ‬عليها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مصادر‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأصلية‭ ‬واجتهادات‭ ‬العلماء‭ ‬والمجامع‭ ‬الفقهية،‭ ‬بما‭ ‬يتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إمعان‭ ‬نظر‭ ‬وبصيرة‭ ‬ثاقبة‭ ‬وحس‭ ‬سياسي‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬الدرس‭ ‬الافتتاحي‭ ‬الذي‭ ‬يلقيه‭ ‬وزير‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬مشحونا‭ ‬بحمولة‭ ‬سياسية‭ ‬واضحة،‭ ‬وبات‭ ‬يتضمّن‭ ‬الرؤيا‭ ‬الرسمية‭ ‬لتدبير‭ ‬الشأن‭ ‬الديني‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وقفنا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الدرس‭ ‬الافتتاحي‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬الوزير‭ ‬أحمد‭ ‬التوفيق،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬14‭ ‬مارس‭ ‬2024،‭ ‬بعنوان: "تجديد‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين"‭.‬

لقد‭ ‬شكلت‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية،‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها،‭ ‬آلية‭ ‬دينية‭ ‬لتكريس‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وأيضا‭ ‬آلية‭ ‬سياسية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الإيديولوجيات‭ ‬القومية‭ ‬والدينية‭ ‬الدخيلة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬إقامتها‭ ‬منذ‭ ‬اعتلائه‭ ‬العرش،‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬كمُجَمّع‭ ‬ديني‭ ‬حامل‭ ‬للرؤية‭ ‬التنويرية‭. ‬حيث‭ ‬استمر‭ ‬تشهد‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭ ‬حضور‭ ‬النخبة‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬مستشارين‭ ‬ووزراء‭ ‬ورئيسي‭ ‬مجلسي‭ ‬البرلمان‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمنيين‭ ‬والقضائيين‭ ‬وباقي‭ ‬الشخصيات‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬وأعضاء‭ ‬السلك‭ ‬الديبلوماسي‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭  ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬تتبع‭ ‬هواها،‭ ‬أو‭ ‬هوى‭ ‬البشر‭ ‬أياً‭ ‬كانوا،‭ ‬وأنها‭ ‬غير‭ ‬معرضة‭ ‬عما‭ ‬أنزل‭ ‬الله،‭ ‬بحيث‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬القواعد‭ ‬الشرعية،‭ ‬أو‭ ‬تخالف‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬الصحيحة‭ ‬في‭ ‬ثبوتها‭. ‬كما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الدولة،‭ ‬بكل‭ ‬رموزها‭ ‬السياسية‭ ‬والفقهية‭ ‬والأمنية‭ ‬والقضائية،‭ ‬تقبل‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬الاجتهاد،‭ ‬وترضى‭ ‬باختلاف‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬النص‭ ‬الثابت،‭ ‬بما‭ ‬تراه‭ ‬أرجح‭ ‬ديناً‭ ‬ومقصدا،‭ ‬فهماً‭ ‬جديداً‭ ‬لم‭ ‬ينقل‭ ‬عن‭ ‬السابقين‭.‬

وتبعا‭ ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬تقبل‭ ‬هذا‭ ‬الاجتهاد‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين،‭ ‬سواء‭ ‬أكانوا‭ ‬مالكية‭ ‬أم‭ ‬شافعية‭ ‬أم‭ ‬حنفية‭ ‬أم‭ ‬حنابلة،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تتحرج‭ ‬من‭ ‬استقبال‭ ‬مرجعيات‭ ‬شيعية‭ ‬أو‭ ‬صوفية،‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬حين‭ ‬دعا‭ ‬موسى‭ ‬الصدر‭ ‬لحضور‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية‭ ‬سنة‭ ‬1971‭‬.

ويرأس‭ ‬الملك‭ ‬الدروس‭ ‬الرمضانية،‭ ‬لأن‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬هي‭ ‬التمظهر‭ ‬المركزي‭ ‬لحكمه،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬التجلي‭ ‬الأسمى‭ ‬لنظامه‭ ‬كنسق‭ ‬سياسي‭ ‬يزاوج‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬مرتكزات‭ ‬تعمل‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمتين‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بعمق‭ ‬الموروث‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬مركزيا‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬أن‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬تشغل‭ ‬أيضا‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬الرسمية‭ ‬للبلاد،‭ ‬وتتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬بلدان‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬للدروس‭ ‬الحسنية‭ ‬منصة‭ ‬دينية‭ ‬وسياسية‭ ‬للإشعاع‭ ‬الديبلوماسي‭ ‬للمغرب،‭ ‬إقليميا‭ ‬ودوليا،‭  ‬وأيضا‭ ‬لإبراز‭ ‬الزعامة‭ ‬الدينية‭ ‬لأمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬ونقل‭ ‬نموذج‭ ‬عصري‭ ‬ومنفتح‭ ‬ووسطي‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬كما‭ ‬يحمله‭ ‬المغاربة‭.‬

وتحظى‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية‭ ‬باهتمام‭ ‬النخبة‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأيضا‭ ‬الإسلامية‭ ‬والدولية،‭ ‬نظرا‭ ‬لأهمية‭ ‬الأجوبة‭ ‬والإشارات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬حول‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الشائكة‭ ‬المطروحة‭ ‬للنقاش‭ ‬العمومي،‭ ‬منها‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الخلافي‭ ‬أو‭ ‬السجالي،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬مؤخرا‭ ‬مع‭ ‬«الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الربا‭ ‬والفائدة»،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬«لزوم‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬فلسفة‭ ‬الأخلاق‭ ‬لدى‭ ‬الغرب»،‭ ‬و«تعديل‭ ‬نظام‭ ‬الإرث»‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يبني‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬الرسمي‭ ‬انشغاله‭ ‬بما‭ ‬يُطرح‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬راهنة،‭ ‬ومنها‭ ‬مواجهة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬وكل‭ ‬أشكال‭ ‬الإجرام،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إبراز‭ ‬الدور‭ ‬المحوري‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعوة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬لإلقاء‭ ‬الدروس،‭ ‬مثل‭ ‬الأستاذة‭ ‬رجاء‭ ‬ناجي‭ ‬المكاوي‭ ‬(2003)‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬بدرس‭ ‬حول‭ ‬الأسرة‭ ‬بعنوان‭ ‬«كونية‭ ‬نظام‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الخصوصيات»،‭ ‬والأستاذة‭ ‬فريدة‭ ‬زمرد‭ ‬(2005)‭ ‬بدرس‭ ‬بعنوان‭ ‬«المرأة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬بين‭ ‬الطبيعة‭ ‬والوظيفة»،‭ ‬والقاضية‭ ‬السعدية‭ ‬بلمير‭ ‬(2006)‭ ‬بدرس‭ ‬حول‭ ‬«حركة‭ ‬التقريب‭ ‬بين‭ ‬المذاهب»‭ ‬منطلقاتها‭ ‬وآفاقها‭ ‬المستقبلية"،‭ ‬والقاضية‭ ‬زينب‭ ‬العدوي‭ ‬(2007) بدرس‭ ‬«حماية‭ ‬الأموال‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الإسلام»‭.. ‬إلخ‭. ‬

لقد‭ ‬تحولت‭ ‬الدروس‭ ‬الحسنية،‭ ‬مع‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬من‭ ‬ملتقى‭ ‬لتدارس‭ ‬القضايا‭ ‬الدينية‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬للانفتاح‭ ‬الرمزي‭ ‬والقانوني‭ ‬والسياسي‭ ‬على‭ ‬الحداثة‭ ‬والاجتهاد‭ ‬بروح‭ ‬العصر،‭ ‬حيث‭ ‬استمر‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭  ‬في‭ ‬وجه‭ ‬جميع‭ ‬العلماء‭ ‬والفقهاء‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مذاهبهم‭ ‬وتوجهاتهم‭ ‬الفكرية‭. ‬ومن‭ ‬أوجه‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭  ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬ترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬اللغات‭ ‬العالمية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬كالفرنسية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬والإسبانية،‭ ‬ووضعها‭ ‬رهن‭ ‬إشارة‭ ‬المهتمين‭ ‬والدارسين‭ ‬والباحثين،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الاجتهاد‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬المهمة‭ ‬والفنون‭ ‬الضرورية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬اليوم،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدرس‭ ‬الحسني،‭ ‬في‭ ‬عمقه‭ ‬ومجمله،‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬مشكلات‭ ‬وقضايا‭ ‬مستجدة‭ ‬وعويصة‭ ‬نزلت‭ ‬بالناس‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬لمعرفة‭ ‬حكمها‭ ‬الشرعي‭.‬
                      تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"
                                                                                      رابط العدد هنا