الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: إنه وقت الانعتاق أيها المحترم بنكيران

إدريس الأندلسي: إنه وقت الانعتاق أيها المحترم بنكيران إدريس الأندلسي
يعرف الكثيرون من أبناء جيلي كيف ولدت الحركات "الإسلامية" في بلادنا. لا ينكر أي باحث نزيه في الفكر التاريخي والسوسيولوجي أن تكثيف دخول هذه الحركات إلى معترك السياسة بدأ، من جديد، في بداية العقد الثامن من القرن العشرين. وهذا الدخول كان له ارتباط "عضوي" بمحاربة الحركات اليسارية وبما عرفته الساحة الأفغانية من حضور لافت على صعيد تحالف "الإسلاميين بالأمريكان". ولا ينكر قادة "القاعدة " تعاونهم مع مخابرات واشنطن . وبالطبع لا يمكن أن نقتنع بأن ما سمي "بالدولة الإسلامية " لم تكن تحظى برعاية أمريكية.  لعل الأستاذ المحترم ورئيس الحكومة السابق والمطاح به بمباركة من قياديي حزبه ، يتذكر كيف ساهم في تسييس  ومحاربة منتدى "فكر وحوار" الذي كانت تشارك فيه نخبة عربية  وإسلامية من كافة الاتجاهات خلال بداية الثمانينات. شارك الرئيس المحترم في تعطيل الفكر النقدي الذي جمع، بشكل جميل، بين إمام القدس وشيخ العلمانيين والمؤرخين وأساتذة أجلاء في علم الاجتماع والتاريخ.

أمر إلى المهم، وفي الخاطر والذاكرة، ذلك الهجوم على قاعة "سمية " التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة لفرض إيقاف الندوات خلال أوقات الصلاة. كنت أظن أن الأستاذ بنكيران قد تجاوز مرحلة الموجه الديني إلى مرحلة الفاعل السياسي ولو بعد أن تلقى ضربة موجعة "لطموحه" من طرف محيطه القريب. صدقت "بكثير من الثقة " أن رجوعه إلى  الأمانة العامة لحزبه سيزيد من وعيه بأهمية السياسة. ولكن الأستاذ، وبعد أن أعطى إشارات أولى على اهتمامه بالسياسة الإقتصادية  وبتدبير الشأن العام، رجع إلى عادته الأولى. أتساءل، مع الكثيرين الذين يريدون أن يعود حزب العدالة والتنمية إلى الساحة السياسية بقوة الإسهام الإيجابي في التدبير العام للبلاد، عن تحول "الزعيم إلى فقيه" تجاوزه المجتمع بكل معضلاته ومشاكله وتطلعات.

كنت ولا أزال أعتبر الأستاذ بنكيران من الأقربين إلى فكر الحداثة. ولا زلت أعتبره ذلك المغربي الذي يحمل هم مجتمعه.  ولكنني أجد نفسي في حيرة حين أرى وأسمع الرجل ينسى كل المشاكل والمعضلات السياسية والإقتصادية ليصب جام غضبه  وتهكمه على الحركات النسائية وعلى كل الأحزاب والشخصيات التي لا تتقاسم معه نفس الرأي حول إصلاح مدونة الأسرة. ولأن الأستاذ بن كيران ينسى وربما يتناسى أن الديمقراطية تزيد قوة مع إختلاف الآراء،  فلا يجد،  فرملة أو لنقل غضاضة في مهاجمة "رفيقه " بنعبد الله  وباقي أصحاب الرأي المخالف في قضية مدونة الأسرة.

أود أن أنبه الأستاذ بن كيران أن مسلسل الإستماع الذي نظمته الهيئة التي كلفها صاحب الجلالة الملك محمد السادس كان طويلا وهادئا وحفته عناية تبتغي الإصلاح والتغيير الذي يتوق إلى حفظ كرامة كل أفراد الأسرة. أسمعك وأحاول أن أفرق بين الأستاذ ورئيس الحكومة السابق وبين من نصب نفسه "وصيا" على الجميع وكأنه حكيما الحكماء ومجربا لكل ممارسات المجتمع.  وأرجع لكي أذكر الأستاذ بنكيران حول قضايا الأسرة. هل تدافع عن اغتصاب الزوجة من طرف زوجها؟ هل تقبل بسلطة الزوج الذي يجبر زوجته الأولى على القبول بزوجات أخريات؟ هل تقبل بجعل سلطة اللذة الجنسية سلطة ذكورية؟ هل تقبل بولاية ذكر على أسرة تعيلها امراة قد تكون عالمة أو طبيبة أو قاضية أو عضوة مجلس علمي ؟ هل تقبل بمقايضة المتعة الجنسية للرجل  بصداق كيف ما كان ثمنه؟.

كلما ضاقت بك سبل العقل تقول "قال الله". قال الله أن نتمسك بالعدل والمساواة، لا أن ننزل بالدين إلى القياس بمستوى استجابة الأم لهيجان جنسي ذو طبيعة حيوانية، مع كل الإحترام لكل ما خلق الله من كائنات. لن أخفيك أنني لست مع القراءة الذكورية لكلام المولى عز وجل والعادل الأكبر. إلهنا المبدع والعادل لا يفرق بين مخلوقاته. الأنثى لها نفس الحقوق ولهذا كانت المرأة في حزبكم ولا زالت هي التي تجلب لكم المقاعد والأصوات. ورغم ذلك، يظل بوانو، الرجل المحترم، هو رئيس الأغلبية النسائية في فريقكم البرلماني.

أخاف أن يصل بكم الأمر، ولقد لمحتم بذلك، إلى وصف كل من لا يوافقكم الرأي، بمن يعادي القرآن. وهذا يبين بكثير من الوعي أنكم لبستم من جديد جبة الداعية والفقيه ومعادي حقوق المرأة والأسرة المتراصة. قضايا الأسرة التي تزيد عددا وإشكالات أمام المحاكم ليست مرتبطة بقانون تم إقراره، إن الأمر أكبر بذلك بكثير ويهم عوامل ترتبط بالتعليم  وبمكانة المرأة  وبوعي المجتمع. استمرارية الأسرة ليست أمرا مرتبطا بسلطة رجل أو بإشباع  غريزة جنسية يتبعها خنوع أنثى. وبما أنك تتابع ما يحدث في بعض الأسر الفرنسية الكبيرة وللتي ذكرتها بخصوص حصص الإرث، فأعلم أن الظلم المرتبط بهذا الأمر خطير في بلاد المسلمين. و إن داخلك شك في الأمر فأعلم أن الذكر يستولي على الكثير وتحفه قواعد المجتمع  وثقافته الرجعية بكل العناية لكي يظل شامخا ولكي تظل الأنثى ضحية سلطة لا زال فكر متخلف متمسكا بها.

إن كان التدبير السياسي لا زال يستهويكم فالأمر يتطلب حشد طاقاتكم فكريا لكي تساهمون في حماية المغاربة ضد الهشاشة والظلم وتقديم مشروعات في مجال السياسات الإجتماعية. أذكرك السيد رئيس الحكومة السابق أنك وأصحابك كنتم غير مسلحين بالعلم والسياسة والتجربة. سقطتم في بئر الإختيارت الليبيرالية ولم تجدوا في مكونات أغلبيتكم سندا. ولعل موقف أخنوش منكم  وخصوصا موقفه الحالي من تدبيركم  يبين أنكم أخطأتم موعدكم مع السياسة ومع المواطنين. ولهذا لا يجب استعال شماعة تغيير مدونة الأسرة للإكثار من الكلام ومهاجمة من لا يتوجهون إليكم بالكلام. المرأة أحق من الرجل اليوم بالولاية وبالحضانة وبتولي كل المسؤوليات. رجل السياسة اليوم يبكي على مغادرته لمنصب وزاري كبير، أو لإزاحته من مسؤولية قيادية في حزب أو لضياع "حقه" في ممارسة الجنس مع " مثنى وثلاث ورباع.." تلك المرأة التي تسوق صورتها في خطاباتك  لن تقبل من ذلك الذكر غير الإحترام والتعامل على أسس المساواة وخصوصا عدم اعتبارها مجرد آلة جسدية لاستهلاك متعة جنسية تتبعها خدمات منزلية وتربية أطفال. " قل للزمان ارجع يا زمان" ..لا.