الجمعة 7 فبراير 2025
سياسة

محاربة الفساد.. مهمة مستعجلة لتنظيف المؤسسات!

محاربة الفساد.. مهمة مستعجلة لتنظيف المؤسسات!
يدبر‭ ‬الفاسدون‭ ‬والمفسدون‭ ‬احتكاراتهم‭ ‬للسلطة‭ ‬بطريقة‭ ‬تجعلهم،‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬يجندون‭ ‬عملاء‭ ‬شخصيين،‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أقاربهم،‭  ‬وبعض‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والنخب‭ ‬المحلية‭ ‬الذين‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬الإثراء‭ ‬السريع‭ ‬وغير‭ ‬المكلف‭ ‬ماديا‭. ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الفساد،‭ ‬مفتقرا‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬حقيقية‭ ‬للمساءلة،‭ ‬وخاضعا‭ ‬لنظام‭ ‬قوي‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬المتشابكة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬للفاسدين‭ ‬بناء‭ ‬احتكارات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المال‭ ‬والسلطة،‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقاسم‭ ‬المكاسب،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مصدرها‭.‬
هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬أغلب‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يتابعون،‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬فساد‭ ‬ثقيلة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬مصدر‭ ‬ثروتهم،‭ ‬ولا‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬النفوذ‭ ‬الذي‭ ‬تراكم‭ ‬لديهم،‭ ‬حتى‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬آمرين‭ ‬ناهين،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬زحزحتهم‭ ‬من‭ ‬مكانهم،‭ ‬أو‭ ‬منافستهم‭ ‬على‭ ‬المناصب‭ ‬أو‭ ‬الاستثمارات‭ ‬التي‭ ‬حازوها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬فوضوي‭ ‬أو‭ ‬مفاجئ،‭ ‬أو‭ ‬المسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬أسندت‭ ‬إليهم‭ ‬داخل‭ ‬التنظيمات‭ ‬التي‭ ‬أصبحوا‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬مفاصلها،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬رياضية‭. ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬"المسؤولين‭ ‬الفاسدين"‭ ‬لم‭ ‬يتدرجوا‭ ‬في‭ ‬الأجهزة‭ ‬التنظيمية‭ ‬لأحزابهم‭ ‬أو‭ ‬نواديهم‭ ‬الرياضية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬«رأسمال»‭ ‬المستثتمرين‭ ‬منهم‭ ‬مجهول‭ ‬المصدر،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مصدرا‭ ‬مريبا‭ ‬أو‭ ‬مشبوها‭ ‬أو‭ ‬سيء‭ ‬السمعة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬«استثمار»‭ ‬نزيه‭ ‬أن‭ ‬يحولك،‭ ‬في‭ ‬طرفة‭ ‬عين،‭ ‬من‭ ‬بائع‭ ‬تمور‭ ‬أو‭ ‬جامع‭ ‬متلاشيات‭ ‬أو‭ ‬تاجر‭ ‬سيارات‭ ‬مستعملة‭ ‬أو‭ ‬«شناق»‭ ‬إلى‭ ‬مالك‭ ‬قصور‭ ‬يتصرف‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬المليارات،‭ ‬وفي‭ ‬عقارات‭ ‬لا‭ ‬يحوزها‭ ‬إلا‭ ‬أباطرة‭ ‬المخدرات‭ ‬أو‭ ‬سادة‭ ‬الكارتيلات‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬
وإذا‭ ‬أكدت‭ ‬الوقائع‭ ‬الجارية‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬سعيد‭ ‬الناصيري‭ ‬ومن‭ ‬معه،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬الوزير‭ ‬محمد‭ ‬مبديع،‭ ‬ثم‭ ‬ملف‭ ‬الوزير‭ ‬محمد‭ ‬الغراس،‭ ‬وملف‭ ‬البرلماني‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الوادكي،‭ ‬وملف‭ ‬ياسين‭ ‬الراضي‭ ‬«رئيس‭ ‬جماعة»‭.. ‬إلخ،‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬ومنفلت‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عقال،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يمارسون‭ ‬«العمل‭ ‬السري»‭ ‬بل‭ ‬يسيرون‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬ويدبرون‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬موقعه‭ ‬«وزير،‭ ‬رئيس‭ ‬جماعة،‭ ‬برلماني،‭ ‬رئيس‭ ‬جهة،‭ ‬رئيس‭ ‬عمالة،‭ ‬رئيس‭ ‬مؤسسة‭ ‬عمومية،‭ ‬رئيس‭ ‬نادي‭ ‬رياضي‭.. ‬إلخ»،‭ ‬فإن‭ ‬التشوهات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الداخلي،‭ ‬بل‭ ‬تتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الحدود،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬الفساد،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تتمأسس‭ ‬محاربته،‭ ‬تربويا‭ ‬أمنيا‭ ‬وإداريا‭ ‬وقانونيا‭ ‬وقضائيا،‭ ‬«علامة‭ ‬تجارية»‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬وأن‭ ‬شبكات‭ ‬الفساد‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬استقبال‭ ‬جميع‭ ‬المبادرات‭ ‬الاستثمارية،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬بالفعل،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬مؤشرات‭ ‬النمو‭ ‬الإيجابية،‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬منظومة‭ ‬فاسدة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬دولة‭ ‬إلا‭ ‬الانحناء‭ ‬أمامها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬قوتها‭ ‬تدريجيا‭.‬
لقد‭ ‬استقبل‭ ‬المواطنون‭ ‬الأبحاث‭ ‬التي‭ ‬باشرتها‭ ‬الشرطة‭ ‬القضائية،‭ ‬والتحقيقات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬القضاء،‭ ‬بوصفها‭ ‬إرادة‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬المركزي‭ ‬لإحراق‭ ‬أسواق‭ ‬نفوذ‭ ‬الفاسدين،‭ ‬وردا‭ ‬لاعتبار‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬بوصفها‭ ‬انتصارا‭ ‬لتخليق‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المواطنين‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬انتصار‭ ‬حاسم‭ ‬للقانون،‭ ‬بدل‭ ‬البقاء‭ ‬رهائن‭ ‬للتحالفات‭ ‬المتماسكة‭ ‬للفساد‭. ‬كنا‭ ‬ينتظرون‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬القضاء‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬واقيات‭ ‬وحواجز‭ ‬ضد‭ ‬المفسدين،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬بلغ،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬محمد‭ ‬الغلوسي،‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬المغربية‭ ‬لحماية‭ ‬المال‭ ‬العام،‭ ‬مستويات‭ ‬غير‭ ‬مقبولة،‭ ‬والجميع‭ ‬يُقر‭ ‬بأنه‭ ‬يشكل‭ ‬خطورة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬البرامج‭ ‬والسياسات‭ ‬العمومية‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬التنمية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كلفته‭ ‬باهظة‭ ‬وتستنزف‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬5%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬منها‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬سنويا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الصفقات‭ ‬العمومية"‭.‬
إن‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تخليق‭ ‬المؤسسات‭ ‬العامة‭ ‬وتطهيرها‭ ‬من‭ ‬الفاسدين،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أجندة‭ ‬سياسية‭ ‬وجيوسياسية‭ ‬تتميز،‭ ‬إقليميا‭ ‬ودوليا،‭ ‬بالتعقيد‭ ‬وارتفاع‭ ‬سقف‭ ‬الرهانات‭ ‬والتطلعات،‭ ‬تفرض‭ ‬عليه‭ ‬الاحتكام،‭ ‬في‭ ‬الحكامة‭ ‬والتدبير،‭ ‬إلى‭ ‬الضوابط‭ ‬القانونية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬النشاطات‭ ‬الفاسدة‭ ‬للنخبة‭ ‬إذا‭ ‬اتسع‭ ‬نطاقها‭ ‬تعني،‭ ‬أولا،‭ ‬أن‭ ‬الحوافز‭ ‬الفاسدة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬العلاقات؛‭ ‬ثانيا،‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬الدولة‭ ‬غير‭ ‬مستقل‭ ‬ويقع‭ ‬التلاعب‭ ‬به‭ ‬وعليه؛‭ ‬ثالثا،‭ ‬أن‭ ‬أجهزة‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬تشتغل‭ ‬لحساب‭ ‬الفساد؛‭ ‬رابعا،‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬بين‭ ‬الفاسدين‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الجريمة‭ ‬والعنف؛‭ ‬خامسا،‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الوساطة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬والجمعيات،‭ ‬تتطابق‭ ‬حرفيا‭ ‬مع‭ ‬الفساد،‭ ‬بل‭ ‬مصممة‭ ‬لخدمته‭ ‬وتكريسه‭ ‬وتقويته‭ ‬وتمنينه‭.‬
النقطة‭ ‬الخامسة‭ ‬تجرنا‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬جوهرية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القفز‭ ‬عليها،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬الفساد‭ ‬هم‭ ‬أعضاء‭ ‬قياديون‭ ‬في‭ ‬أحزابهم،‭ ‬جهويا‭ ‬أو‭ ‬مركزيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬سياسية‭ ‬تتبارى‭ ‬في‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وتتنافس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مناصب‭ ‬حكومية‭ ‬مفصلية،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إلى‭ ‬مناصب‭ ‬محلية‭ ‬تتصل‭ ‬بالماكينة‭ ‬السياسية‭ ‬الوطنية،‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬سعيد‭ ‬الناصيري‭ ‬«رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬عمالة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء»‭ ‬أو‭  ‬عبد‭ ‬النبي‭ ‬بعيوي‭ ‬«رئيس‭ ‬جهة‭ ‬الشرق»‭. ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬هو:‭ ‬هل‭ ‬سيساعدنا‭ ‬التدقيق‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الترقي‭ ‬في‭ ‬المسؤوليات‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬أصول‭ ‬هذا‭ ‬الفساد؟‭ ‬هل‭ ‬الفاسدون‭ ‬مناضلون‭ ‬سابقون‭ ‬تعرضوا‭ ‬لـ‭ ‬«الانحراف»،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬نفوذهم‭ ‬المالي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬لهم‭ ‬بالتغلغل‭ ‬داخل‭ ‬الأحزاب؟‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تخليق‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أحزاب‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬الفاسدون‭ ‬والمرتشون‭ ‬وأباطرة‭ ‬المخدرات؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬إفراز‭ ‬نخبة‭ ‬سياسية‭ ‬وطنية‭ ‬نزيهة‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬أحزاب‭ ‬تجذَّر‭ ‬فيها‭ ‬نفوذ‭ ‬الفاسدين؟
لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬يحدث‭ ‬أثارا‭ ‬ضارة‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬الحيوية‭ ‬للبلاد،‭ ‬ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬نقطة‭ ‬التحول‭ ‬هو‭ ‬تكريس‭ ‬مكافحة‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيها‭ ‬للفاسدين،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬أو‭ ‬المنتخبة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬«تقترح»‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء،‭ ‬وتفرضهم‭ ‬فرضا‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬بقوة‭ ‬المال‭ ‬الحرام،‭ ‬وبقوة‭ ‬شراء‭ ‬«التزكيات»،‭ ‬وبقوة‭ ‬فساد‭ ‬الزعامات‭ ‬الحزبية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الكفاءة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬تحتكم‭ ‬في‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬المرشحين‭ ‬للتنافس‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬والتشريعية‭ ‬إلى‭ ‬المسار‭ ‬الطبيعي‭ ‬للترقي‭ ‬في‭ ‬المسؤوليات،‭ ‬وإنما‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬أصحاب‭ ‬المال،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬بمصدره،‭ ‬أو‭ ‬بالسجل‭ ‬العدلي‭ ‬لصاحبه‭. ‬كما‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الولاءات‭ ‬الشخصية‭ ‬دون‭ ‬الاهتمام‭ ‬بدرجة‭ ‬الكفاءة‭ ‬«العلمية»‭ ‬أو‭ ‬التحصين‭ ‬الأخلاقي‭ ‬للمرشحين،‭ ‬وعن‭ ‬الأقطاب‭ ‬الصاعدة‭ ‬«الطاشرونات‭ ‬والمغامرين‭ ‬والباحثين‭ ‬عن‭ ‬الامتيازات‭ ‬وطالبي‭ ‬الحصانة‭.. ‬إلخ»‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يهم‭ ‬هذه‭ ‬الزعامات‭ ‬هو‭ ‬حصد‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المقاعد،‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مبادئ‭ ‬الحزب‭ ‬ومرتكزاته‭ ‬المذهبية‭ ‬والسياسية،‭ ‬للفوز‭ ‬بنصيب‭ ‬من‭ ‬الكعكة‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالتفاوض‭ ‬
 
حول‭ ‬بعض‭ ‬المناصب‭ ‬محليا‭ ‬وإقليميا‭ ‬وجهويا،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الحكومي‭.‬
إن‭ ‬الفساد،‭ ‬تبعا‭ ‬لكل‭ ‬ذلك،‭ ‬جريمة‭ ‬منظمة،‭ ‬وهي‭ ‬تجاهد‭ ‬بكل‭ ‬الإمكانات‭ ‬المتاحة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬استمرارها،‭ ‬ولا‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬الاستمرار‭ ‬إلى‭ ‬بالتغلغل‭ ‬المخطط‭ ‬له‭ ‬سلفا‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ،‭ ‬وتوزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬بين‭ ‬أقطابه‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬عدة،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬للحماية،‭ ‬أي‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الماكينة‭ ‬الحكومية‭ ‬ونسج‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬والتقرب‭ ‬منهم،‭ ‬وأحيانا‭ ‬بتوريطهم‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬مالية‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية‭ ‬وابتزازهم‭ ‬وتحييد‭ ‬قوتهم‭ ‬وتجنب‭ ‬مضايقاتهم‭. ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬استقلال‭ ‬القضاء؛‭ ‬فالحل،‭ ‬أولا،‭ ‬هو‭ ‬تحصين‭ ‬هذا‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ومنع‭ ‬سقوطه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التبادل‭ ‬مع‭ ‬الجهاز‭ ‬التشريعي‭ ‬أو‭ ‬التنفيذي‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إنهاء‭ ‬فرض‭ ‬احتكار‭ ‬الإعلام،‭ ‬وتقويته‭ ‬وتحصينه‭ ‬وتحريره،‭ ‬والدفع‭ ‬به‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬ليلعب‭ ‬الدور‭ ‬المنوط‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه،‭ ‬وأيضا‭ ‬تمكينه‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحقق‭ ‬الفارق‭ ‬في‭ ‬تخليق‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭.‬
قد‭ ‬تكون‭ ‬المتابعات‭ ‬الحالية‭ ‬محاولة‭ ‬لاستعادة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الوضع،‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬توجها‭ ‬أعمق‭ ‬لمحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تدخل‭ ‬المال‭ ‬الوسخ‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والرياضة‭ ‬والأعمال،‭ ‬لكن‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬لا‭ ‬ينتظرون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إسقاط‭ ‬الرؤوس‭ ‬الكبيرة‭ ‬مجرد‭ ‬حملة‭ ‬عابرة‭ ‬أملتها‭ ‬ضرورة‭ ‬الجهاد‭ ‬الموسمي‭ ‬ضد‭ ‬الفساد،‭ ‬بل‭ ‬يريدون،‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا،‭ ‬تجفيف‭ ‬أسواق‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬المفسدين‭ ‬وأتباعهم‭ ‬وأموالهم‭ ‬ومخدراتهم‭ ‬وأوساخهم‭..‬
 
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
(رابط العدد هنا)