السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

بودهن: التنسيقيات التعليمية مجرد ظاهرة اجتماعية مؤقتة تنتهي بانتهاء دورها النضالي وتحقيق ملفها المطلبي

بودهن: التنسيقيات التعليمية مجرد ظاهرة اجتماعية مؤقتة تنتهي بانتهاء دورها النضالي وتحقيق ملفها المطلبي عبد الواحد بودهن
اعتبارا‭ ‬لأهمية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬بصفته‭ ‬القاطرة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬والمستدامة،‭ ‬وتأكيدا‭ ‬لارتباطه‭ ‬الراسخ‭ ‬بالمشروع‭ ‬المجتمعي‭ ‬والديمقراطي‭ ‬للبلد،‭ ‬فإنه‭ ‬يتطلب‭ ‬إصلاحا‭ ‬شاملا‭ ‬فاعلا‭ ‬وفعليا‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬دوامة‭ ‬إصلاح‭ ‬الإصلاح،‭ ‬تأكد‭ ‬للأمة‭ ‬المغربية‭ ‬قاطبة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المؤسسة‭ ‬الملكية؛‭ ‬حيث‭ ‬مافتئ‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬ومنذ‭ ‬اعتلائه‭ ‬العرش،‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬شامل‭ ‬لمنظومة‭ ‬التربية‮ ‬‭ ‬والتكوين‭ ‬(خطابي‭ ‬ذكرى‭ ‬ثورة‭ ‬الملك‭ ‬والشعب‭ ‬سنتي 2012/2013،‭ ‬وخطاب‭ ‬افتتاح‭ ‬الدورة‭ ‬الخريفية‭ ‬10‭ ‬أكتوبر 2014)،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‭ ‬والتكوين‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭.‬
وبالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬الملكية،‭ ‬والمحاولات‭ ‬الإصلاحية‮ ‬‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين،‭ ‬وتجاوز‭ ‬اختلالاته‭ ‬البنيوية‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬(الهدر‭ ‬المدرسي‭ ‬والجامعي،‭ ‬الأقسام‭ ‬المشتركة،‭ ‬التجهيزات‭ ‬المهترئة،‭ ‬ضعف‭ ‬اكتساب‭ ‬التعلمات‭ ‬والمهارات،‭ ‬عدم‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الوطنية‭ ‬والأجنبية‭..‬)؛‭ ‬لازالت‭ ‬الوضعية‭ ‬التعليمية‭ ‬بالمغرب‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬بل‭ ‬زادت‭ ‬استفحالا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭.‬
وماتشهده‭ ‬الساحة‭ ‬التعليمية‭ ‬والتربوية‭ ‬من‭ ‬احتجاجات‭ ‬وإضرابات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬تعدت‭ ‬وتجاوزت‭ ‬أدبيات‭ ‬الإضراب‭ ‬العادي‭ ‬لتصبح‭ ‬حراكا‭ ‬تعليميا‭ ‬شاملا‭ ‬استثنائيا،‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬التنسيقيات‭ ‬التعليمية‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬متضررة،‭ ‬أكدت‭ ‬الأزمة‭ ‬الخانقة‭ ‬لقطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭.‬
للإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬هل‭ ‬التنسيقيات‭ ‬أعلنت‭ ‬عن‭ ‬موت‭ ‬النقابات‭ ‬والأحزاب؟‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬ملموس‭ ‬لهذا‭ ‬الواقع‭ ‬المتردي‭ ‬الذي‭ ‬أصبحت‭ ‬عليه‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬منذ‭ ‬استقلال‭ ‬المغرب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬بشكل‭ ‬معكوس؛‭ ‬وهو: “هل‭ ‬عجز‭ ‬الأحزاب‭ ‬وضعف‭ ‬النقابات‭ ‬هما‭ ‬اللذان‭ ‬أعلنا‭ ‬ظهور‭ ‬التنسيقيات؟”
ففي‭ ‬واقعة‭ ‬إصدار‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬(الموحد)‭ ‬بالشكل‭ ‬والمضمون‭ ‬المعروف‭ ‬وغير‭ ‬الملائم‭ ‬للحظة‭ ‬المجتمعية‭ ‬الراهنة،‭ ‬ولما‭ ‬يصبو‭ ‬إليه‭ ‬المغرب‭ ‬للدخول‭ ‬الى‭ ‬معترك‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬استهلاك‭ ‬الثقافة‭ ‬والمعرفة‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬إنتاجهما‭ ‬عبر‭ ‬التكنلوجيات‭ ‬الحديثة‭ ‬والأبحاث‭ ‬العلمية؛‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الفاعل‭ ‬النقابي‭ ‬سقط‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬كبرى،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬إغفال‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الداخلية،‭ ‬وتهميش‭ ‬القواعد‭ ‬الخلفية،‭ ‬تواصلا‭ ‬وتقييما‭ ‬وتقريرا‭ ‬في‭ ‬الخطوات‭ ‬الحوارية‭ ‬مع‭ ‬الحكومة،‭ ‬كما‭ ‬استرسل‭ ‬الفاعل‭ ‬النقابي‭ ‬في‭ ‬تراكم‭ ‬الأخطاء‭ ‬القاتلة،‭ ‬حين‭ ‬خرج‭ ‬لمدح‭ ‬مقتضيات‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬والتهليل‭ ‬له‭ ‬عبر‭ ‬الصحف‭ ‬الورقية‭ ‬والإلكترونية،‭ ‬ليعود‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بمدة‭ ‬وجيزة‭ ‬للطعن‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والنظام‭ ‬الأساسي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬في‭ ‬اتهام‭ ‬واضح‭ ‬للوزارة‭ ‬الوصية‭ ‬بمجرد‭ ‬اشتعال‭ ‬الساحة‭ ‬التعليمية‭ ‬بالاحتجاجات‭ ‬والإضرابات‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬التنسيقيات‭ ‬التعليمية‭. ‬كما‭ ‬هرول‭ ‬الفاعل‭ ‬النقابي‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬شرعيته‭ ‬المفقودة،‭ ‬للسقوط‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وإصدار‭ ‬بلاغات‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الأقسام‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬النضال‭ ‬والإضراب‭.‬
تأسيسا‭ ‬على‭ ‬هكذا‭ ‬تضارب‭ ‬وتذبذب‭ ‬للفاعل‭ ‬النقابي،‭ ‬وتمسك‭ ‬الحكومة‭ ‬المغربية‭ ‬بمنطق‭ ‬تلبية‭ ‬الملف‭ ‬المطلبي‭ ‬بعد‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬الحجرات،‭ ‬وخروج‭ ‬أحزاب‭ ‬الأغلبية‭ ‬الحكومية‭ ‬للتنكر‭ ‬لدور‭ ‬الشغيلة‭ ‬التعليمية‭ ‬قاطبة،‭ ‬وإصدار‭ ‬التهديد‭ ‬بالاقتطاع‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى،‭ ‬ازدادت‭ ‬التنسيقيات‭ ‬تنظيما‭ ‬ونضالا‭ ‬وتشبثا‭ ‬بكينونتها‭ ‬وهويتها‭ ‬التنظيمية‭ ‬والمطلبية‭ ‬خارج‭ ‬تغطية‭ ‬الفعل‭ ‬النقابي‭ ‬القطاعي‭ ‬المتجاوز،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬ملفها‭ ‬المطلبي‭ ‬واضح‭ ‬لايستدعي‭ ‬الحوار‭ ‬المغشوش؛‭ ‬بل‭ ‬يتطلب‭ ‬فقط‭ ‬تنفيذه‭.‬
بناء‭ ‬على‭ ‬ماسبق‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬التنسيقيات‭ ‬أعلنت‭ ‬فعلا‭ ‬عن‭ ‬موت‭ ‬النقابات‭ ‬والأحزاب،‭ ‬وقدمت‭ ‬درسا‭ ‬لكل‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والهيئات‭ ‬النقابية‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬تمثيليتها‭ ‬الشرعية‭ ‬لدى‮ ‬‭ ‬منخرطيها‭ ‬وقواعدها‭.‬
ويمكن‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الآن‭ ‬طرح‭ ‬سؤال‭ ‬محوري‭ ‬يتعلق‭ ‬بمدى‭ ‬قدرة‭ ‬التنسيقيات‭ ‬التعليمية‭ ‬بقوتها‭ ‬وعنفوانها‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬الاستمرارية‭ ‬بعد‭ ‬تلبية‭ ‬ملفها‭ ‬المطلبي‭ ‬دون‭ ‬تأسيس‭ ‬هيئة‭ ‬نقابية‭ ‬جديدة؟
دون‭ ‬ذلك‭ ‬(تأسيس‭ ‬نقابة‭ ‬جديدة)،‭ ‬تبقى‭ ‬التنسيقيات‭ ‬التعليمية‭ ‬مجرد‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬مؤقتة‭ ‬تنتهي‭ ‬بانتهاء‭ ‬دورها‭ ‬النضالي‭ ‬وتحقيق‭ ‬ملفها‭ ‬المطلبي،‭ ‬وترجع‭ ‬إلى‭ ‬هيئاتها‭ ‬النقابية‭ ‬سالمة‭.‬
 
عبد الواحد بودهن/ الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للتعليم العضو بالمنظمة الديمقراطية للشغل