10.2. الفئات في وضعية هشاشة
5.10.2. الحقوق الأساسية للمعتقلين المسنين:
إن قضية الشيخوخة، هي قضية شمولية، فلم تعد قاصرة على الحياة العادية، وأصبحت تمتد بجذورها إلى داخل أسوار السجون. لقد أصبحت فئة المسنين تشهد تزايدا مستمرا في أعدادها خلف قضبان المؤسسات السجنية. وكثيراً ما يقع كبار السن ضحايا للتمييز، كما يجدون صعوبة في الاندماج في هذه المؤسسات التي لا تفهم دائما احتياجاتهم أو تستجيب لها، مما يضعهم في حالات من الضعف المتزايد.
ونظرا لغياب ذكر حقوق المسنين في قواعد مانديلا، فإننا سنعتمد في عرضنا الاشكاليات السجنية وحقوق الأشخاص المسنين في حالة اعتقال، على جاء في مبادئ الأمم المتحدة لكبار السن[1]، التي صرحت في المبدأ 14: "ينبغي تمكين كبار السن من التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية عند إقامتهم في أي مأوى أو مرفق للرعاية أو العلاج، بما في ذلك الاحترام التام لكرامتهم ومعتقداتهم واحتياجاتهم وخصوصياتهم ولحقهم في اتخاذ القرارات المتصلة برعايتهم ونوعية حياتهم."
من الملحوظ أن الاهتمام بالقضايا السجنية المتعلقة بالمسنين قد عرفت تطورا على مستوى الدراسات والبحوث الأكاديمية وتقارير بعض المؤسسات والمنظمات المهتمة بحقوق الانسان بأماكن الحرمان من الحرية. أما على مستوى المنتظم الدولي فقضية كبار السن في حالة اعتقال، فمازالت إلى حدود الآن لا تتوفر على سند تشريعي أممي، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الفئات السجنية التي تعتبر في وضعية هشاشة كالنساء والأطفال والأحداث.
لهذا نعتبر أن مشروع القانون 23-10 قد حقق نقلة نوعية لما اعتبر المسنين من الفئات الهشة، كما جاء ذلك في المادة 1: "الفئات في وضعية هشاشة: المعتقلون الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة ولا يتوفرون على القدرة الجسمانية أو العقلية أو النفسية الكافية لمواجهة ظروف الاعتقال، لاسيما، النساء والأحداث والمسنين، والأشخاص في وضعية إعاقة بعد أخذ رأي طبيب المؤسسة السجنية. "
كما أن هذا المشروع قد صرح، كما ذكرنا سابقا، بأن الفئات الهشة تستفيد من رعاية خاصة تتناسب مع وضعيتها، وذلك في ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ 64 التي جاء فيها: "يستفيد المعتقل من المساعدة الاجتماعية والمواكبة الطبية والنفسية بتعاون مع القطاعات والهيئات ﺍﻟﻤﺨﺘﺼـﺔ في حدود الإمكانيات المتوفرة.
تستفيد الفئات في وضعية هشاشة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون من رعاية خاصة تتناسب مع احتياجاتها وأوضاعها." إلا أنه، وكما أشرنا في مقالنا حول حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بالمؤسسات السجنية، لم يفصل هذا المشروع في طبيعة الحقوق الخاصة بالمسنين في حالة اعتقال.
وفي إطار المساهمة في تحسين الأوضاع السجنية للمسنين، سوف نقوم بتقديم بعض المقترحات في نهاية هذا المقال. ولكن قبلها، ولأن الموضوع يحتاج إلى توضيح تحديات تواجد كبار السن داخل المؤسسات السجنية، سنعرض أهم خصوصياته.
كل التشريعات الوطنية والدولية تحدد فئات هشة من المعتقلين كالنساء والقاصرين. فنظام اعتقال الأحداث مثلا، يعتمد على هشاشة القاصرين واحتياجاتهم الأساسية، من حيث التواصل الاجتماعي والأمن الجسدي والعاطفي، ونموهم الفسيولوجي والدماغي، وبشكل أعم على قدرتهم على تحمل الاعتقال. كما أن القواعد المحددة التي تنطبق على السجينات مستوحاة أيضًا من مراعاة احتياجاتهن الفسيولوجية المحددة، أو الحاجة إلى ضمان سلامتهن في السجون التي يغلب عليها الذكور. ولن نختلف حول أوجه التشابه، بخصوص هذه الحيثيات، لكبار السن مع هذه الفئات.
فإضافة إلى احترام كرامته وحقه في الحياة والسلامة الشخصية، كما هو مصرح به في المبدأ 17 من مبادئ الأمم المتحدة آنفة الذكر، التي جاء فيها:" ينبغي تمكين كبار السن من العيش في كنف الكرامة والأمن، ودون خضوع لأي استغلال أو سوء معاملة، جسديا أو ذهنيا؛" يكون المعتقل المسن في أمس الحاجة إلى الرعاية الصحية وضمان توفيرها كاملة وعدم تركه عرضه لمختلف الأمراض. فالمسنون في مرحلة عمرية يكونوا أكثر حاجة إلى العلاج عن غيرها من الأوقات الأخرى. كما يحتاج الى الحماية من كافة صور المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، والتي يجب أن تكون محمية بقوة القانون.
كما يجب علينا ألا نتجاهل الربط الدائم بين التقدم في السن والأمراض، فدائما ما تكون الثانية نتيجة طبيعية للأولى. فالكثير من المسنين تبدأ قدرتهم البدنية تضعف، وتقل قدرة جهازهم المناعي على مقاومة الأمراض. وظروف السجن الصارمة والحياة الجماعية والاكراهات اليومية الخاضعة للإشراف الشديد، تساهم في إضعاف المعتقلين المسنين. لهذا، يجب أن يكون نظام اعتقالهم أكثر مرونة وأكثر حماية.
وهذا ما أكد عليه المبدأ 11 من مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالمسنين المذكورة أعلاه: " ينبغي أن تتاح لكبار السن إمكانية الحصول على الرعاية الصحية لمساعدتهم على حفظ أو استعادة المستوى الأمثل من السلامة الجسمانية والذهنية والعاطفية، ولوقايتهم من المرض أو تأخير إصابتهم به؛"
وحتى يكون للاعتقال معنى بالنسبة للشخص المعتقل، وكذلك لموظفي السجن، يجب تكييف نظام الاعتقال كي يناسب الأشخاص المسنين، مع مراعاة ضعفهم الخاص، من حيث مساعدة السجناء المسنين على البقاء في صحة بدنية وعقلية جيدة، من خلال ضمان الحصول على الرعاية الطبية وممارسة التمارين الرياضية وغيرها من الأنشطة والوجبات الغذائية المناسبة، كما هو مذكور في المبدأ 13 من مبادئ الأمم المتحدة لكبار السن: " ينبغي تمكين كبار السن من الانتفاع بالمستويات الملائمة من الرعاية المؤسسية التي تؤمن لهم الحماية والتأهيل والحفز الاجتماعي والذهني في بيئة إنسانية ومأمونة؛"
فكثيرا ما يعتمد المسؤولون في المؤسسات السجنية على بعض المعايير من أجل تحديد أماكن اعتقال الأشخاص المحرومين من الحرية، كالشخصية أو الحالة الصحية أو الإعاقة، وهذه معايير نجدها عموما محددة إما بقوانين واضحة أو مذكرات داخلية تنبه إليها. إلا أنه ناذرا ما نجد عُمُر الأشخاص المعتقلين مؤطر بنفس المستوى.
فانطلاقا من تجربتنا الميدانية، ليس فقط من خلال ملاحظاتنا على المستوى الوطني، ولكن كذلك من خلال ما لاحظناه أو تتبعناه على المستوى الدولي، نسجل أن تنفيذ الأحكام بحق كبار السن يخضع بالفعل لتعديلات ملموسة على أساس يومي في ببعض المؤسسات السجنية. فالجوانب الإنسانية تكون عموما حاضرة، حيث غالبا ما يتم الاهتمام بالمسنين، عن طريق تقديم المساعدة من قبل زميل سجين. إلا أن هذا النوع من الحلول، التي تقدم بناء على حسن نوايا، قد تكون مشكلة عندما ننظر عن قرب جودة المساعدة المقدمة.
إلا أننا نريد التنبيه إلى أن عمل المؤسسات لا يجب أن يكون مبنيا على الجانب الخيري الذي يكون وازعا مهما. وبالتالي نود تحميل المؤسسات مسؤولية تقنين تدبير كل ما له علاقة بالإنسان داخل أماكن الحرمان من الحرية، وخصوصا على مستوى الحقوق الأساسية. فتحديد مكان اعتقال كبار السن داخل السجن أو في زنزانة أو مدى احترام ظروف الاعتقال لكرامتهم الإنسانية، لا تقل أهمية مما هو مسطر قانونا بالنسبة للنساء او الأحداث في حالة اعتقال. لهذا ندعو أن يصبح عامل السن أحد المعايير الأساسية في تحديد ظروف اعتقال الأشخاص المسنين، ولا يلعب فقط، كما يقع في كثير من الأحيان، دورًا هامشيًا.
ونضيف إلى ما ذكرناه أعلاه، أنه لما تكون المؤسسات السجنية تعرف اكتظاظ السجون تتعقد بشكل خاص مهمة مسؤوليها في ايجاد حلول لبعض الفئات السجنية التي ليس لها سند قانوني، كما هو الشأن حاليا مع كبار السن. الأمر الذي لا يمكن تجاوزه بالنسبة للنساء أو الأحداث نظرا لصرامة التشريعات السجنية بخصوصها. وفي الحالة هذه يصبح سِن المعتقل لا يلعب إلا دورًا هامشيًا يستعان به للضرورة، حيث يمكن لإدارة السجن أن تختار وضع المعتقل المسن في زنزانة من أجل تهدئة الأوضاع فيها. وفي هذه الحالة يكون السِّن مُتَغيّر التعديل لضمان وضع جيد للمعتقل المُسِنِّ.
إن التأكيد على الوضع الخاص للأشخاص المعتقلين المسنين من شأنه أن يتيح إرساء مبدأ تقليل اللجوء إلى وسائل المراقبة والتقييد ضدهم، فيما يتعلق بوسائل المراقبة وخاصة التفتيش الجسدي الكامل. كما إن جعل السجناء المسنين فئة خاصة، مثل النساء والاحداث، لتكييف ظروف اعتقالهم من شأنه أن يجعل من الممكن ضمان الامتثال للحظر المفروض على المعاملة اللاإنسانية والمهينة.
لهذا ندعو إلى وضع إطار قانوني واضح خاص بحقوق كبار السن بالمؤسسات السجنية، عبر تضمين التشريعات المعنية بحماية حقوقهم نصوصا صريحة، تهدف إلى ضمان حقوقهم الأساسية أثناء فترة اعتقالهم وتمنع كل صور الاعتداء التي تمارس ضدهم. وسيكون هذا جزءًا من ملائمة الحماية المقدمة لكبار السن خارج السجن، وفقًا للنهج العام الذي يكرس قواعد تحمي الكرامة والحقوق الأساسية لكبار السن، ولا سيما حقهم في العيش حياة كريمة ومستقلة. فإذا كان تكيُّف المجتمع مع الشيخوخة ضرورة وطنية وأولوية في جميع السياسات العامة، فيجب أن يكون كذلك في المؤسسات السجنية أيضًا.
وفي النهاية نُذكِّر أن ما أشرنا إليه من ضمانات تتعلق بحقوق المسنين في حالة اعتقال، تعتبر تمييزا إيجابيا لهذه الفئة، كما هو الشأن بالنسبة للفئات الأخرى في وضعية هشاشة، كما أشارت إلى ذلك "مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن[2]" في الفقرة 2 من المبدأ 5:" لا تعتبر من قبيل التمييز التدابير التي تطبق بحكم القانون والتي لا تستهدف سوى حماية الحقوق والأوضاع الخاصة للنساء، ولا سيما الحوامل والأمهات والمرضعات، أو الأطفال والأحداث، أو المسنين أو المرضى أو المعوقين. وتكون ضرورة هذه التدابير وتطبيقها خاضعين دائمـا للمراجعة من جانب سلطة قضائية أو سلطة أخرى".
وفي ختام هذا المقال، ومن أجل تعزيز الطموح الحقوقي لمشروع القانون 23-10، نقدم مجموعة من المقترحات تضمن الحقوق الأساسية للمعتقلين كبار السن بالمؤسسات السجنية، وذلك على غرار ما اقترحناه لبعض الفئات الأخرى في وضعية هشاشة:
* المادة ...: "تهيئ الإدارة المكلفة بالسجون بنايات المؤسسات السجنية لجعلها أحسن ولوجية وملائمة لحاجيات المعتقلين كبار السن."
* المادة ...:" لكل معتقل مسن الحق في الحصول على رعاية طبية وقائية وعلاجية كافية، بما في ذلك رعاية في طب الأسنان وطب العيون والطب النفسي."
* المادة ... : " تؤمن كل مؤسسة سجنية لكبار السن من المعتقلين غذاء ملائما، يعد ويقدم على النحو الملائم في أوقات الوجبات العادية بكمية ونوعية تستوفيان معايير التغذية السليمة والنظافة والاعتبارات الصحية، وتراعى فيه، إلى الحد الممكن، المتطلبات الدينية والثقافية. وينبغي أن يتاح لكل معتقل مُسِنٍّ، في أي وقت، مياه شرب نظيفة."
* المادة ...: "تشرك المؤسسة السجنية المعتقلين كبار السن في البرامج التربوية والأنشطة الثقافية والرياضية، والتنسيق في ذلك مع المصالح الحكومية الوصية محليا وجهويا وكذا مع الجمعيات المختصة أو المهتمة."
* المادة ...: " يمنع وضع المعتقلين كبار السن في الزنازين التأديبية أو في العزلة، إدا ما كان ذلك سيسبب تفاقم حالتهم."
عبد الحق الدوق/ خبير في مجال حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية
ورئيس سابق لقسم حماية حقوق الانسان في أماكن الحرمان من الحرية بالمجلس الوطني لحقوق الانسان