الأحد 24 نوفمبر 2024
منوعات

"البرونكس" مهد الهيب هوب في نيويورك في بحث عن بريق ماضيه

"البرونكس" مهد الهيب هوب في نيويورك في بحث عن بريق ماضيه "البرونكس" مهد الهيب هوب في نيويورك
على بعد خطوات قليلة من محطة قطار موريس هايتس في جنوب حي البرونكس الشهير في نيويورك، ينخرط أفراد من قسم شرطة المدينة في سباق مع الزمن لتثبيت الحواجز اللازمة وتنظيم حركة المرور بالقرب من مبنى قديم على شارع سيدجويك الذي أصبح قبلة يأتيها الناس من كل حدب وصوب.


هذا الشارع يثير الحنين والإعجاب في الذاكرة الثقافية المشتركة لسكان نيويورك، خاصة بين سكان حي البرونكس، لاسيما وأنه يحتضن مبنى رمزيا شهد ولادة فن الهيب هوب.


واليوم أصبح المبنى الذي يحمل رقم 1520 في شارع سيدجويك، الوجهة المفضلة لجمع غفير من المعجبين والباحثين والصحفيين الذين يزورون المكان الذي أطلق فيه "دي جي كول هيرك"، واسمه الحقيقي كلايف كامبل، شرارة فن "ثوري" أصبح يشكل جزءا لا يتجزأ من الرأسمال الثقافي لنيويورك والولايات المتحدة ككل. يتعلق الأمر بفن يحتفي هذا الشهر بذكراه الخمسين.


وتعود قصة هذا المبنى العريق إلى يوم 11 غشت من سنة 1973، حين احتضن طابقه الأرضي حفلة عيد ميلاد أخت "دي جي كول هيرك"، الأب المؤسس لفن الهيب هوب. وكان هذا الفتى المراهق من أصل جامايكي قد انتقل، مع عائلته، إلى منطقة البرونكس ذات التنوع الثقافي الفريد؛ فبين أحضان هذا الحي، احتك هيرك مع شبان من خلفيات موسيقية مختلفة. ولعل تأثره بهذا التنوع الثقافي، الذي يمتح من الموروث الثقافي الإفريقي واللاتيني والأوروبي، أسعفه في تلك الليلة على إبداع إيقاعات جديدة ونظام أصوات متفرد، وهي مقومات أصبحت تشكل جوهر تعبير موسيقي جديد في نيويورك وأمريكا.


وفي مقال نشرته على موقع "هيستوري.كوم"، كتبت الباحثة، أماندا أونيون، أن دي جي كول هيرك، "أمام جمهور غفير لم يكن معتادا، استطاع أن يحقق نجاحا في حفلة عيد ميلاد أخته، مما سيشكل نقطة تحول أحدثت، بين صفوف شباب البرونكس خاصة، ثورة موسيقية شعبية استتبت قبل حتى أن يبرز مصطلح "الهيب هوب" في القاموس اللغوي للموسيقى".


وسيمتد صدى هذا النجاح ليصل إلى شوارع الحي الأسطوري، خصوصا في حديقة سيدار المشهورة، قبل أن ينتشر هذا التعبير الموسيقي الجديد بشكل أكبر مع ظهور "دي جي أفريكا بامباتا"، و"غراند تيودور"، و"غراندماستر فلاش" على الساحة الفنية، على الرغم من حالة انعدام الأمن التي كانت تسيطر على هذا الحي العريق.


وبعد ست سنوات على إطلاق الشرارة الأولى، سيظهر مصطلح "الهيب هوب" أخيرا بفضل الفنان "فاب فايف فريدي"، بعد أن اكتملت الأركان الأربعة لهذه الثقافة الجديدة (دي جينغ، والراب أو إم سيينغ، والبريك دانسينغ، والغرافيتي) وانتشرت بين شباب الحي.


في البرونكس، "بدلا من الانخراط في أنشطة ذات طابع سياسي، بدأ جيل جديد من الشباب بالتعبير عن ذواتهم من خلال دي جينغ، والراب، والبريك دانسينغ، والغرافيتي، أربعة عناصر أسست ما يسمى بثقافة الهيب هوب"، وذلك وفقا لمقال لصحفية "ريبيكا لورانس" نشرته على موقع "بي بي سي".


وبالنسبة للمؤرخ ماركوس ريفز، فإن الطاقة التي وضعت أسس حركة الهيب هوب الحالية نشأت من ثقافة العصابات في السبعينيات، حيث ظهرت العصابات في جميع أنحاء البرونكس بسبب التدهور العام في البناء الحضري"، وهو ما دفع مجموعة من السكان، أغلبهم شباب، إلى إطلاق هذا التيار الثقافي الجديد لتغيير واقع الحياة اليومية التي كانت تطغى على نمط العيش في البرونكس.


وفي نظر، مارك نايسون، أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة فوردام بولاية نيويورك، استفادت هذه الدينامية الثقافية الجديدة من هدنة بين العصابات في سبعينيات القرن الماضي من أجل أن تتجذر وتزدهر.


وإذا كانت ولادة هذا الفن متعدد الأبعاد تحمل بصمات شباب البرونكس، إلا أن الفضل في شهرته ذائعة الصيت على الصعيدين الوطني والدولي يعود إلى أشخاص عاشوا خارج الحي.


وبهذا الخصوص، يلاحظ نايسون قائلا "كان لدى شباب البرونكس القدرة على خلق الثقافة، ولكن لم يكن لديهم القدرة على تسويقها"، مشيرا إلى أن "هذه المسؤولية وقعت على عاتق أشخاص لم يكونوا يعيشون في البرونكس ولكنهم كانوا على دراية تامة بالإمكانات التجارية للهيب هوب كموسيقى وفن بصري وتعبيري ونمط حياة".


يتعلق الأمر بمهمة تقلدتها الفنانة سيلفيا روبنسون التي كانت تمتلك شركة تسجيلات صغيرة في إنغلوود في ولاية نيو جيرسي المجاورة؛ فبرفقة زوجها بيل، ستبدأ سيلفيا في تسجيل أغاني الراب التي بصمت تاريخ المشهد الموسيقي الأمريكي مثل "ذا ميساج" لـ غراندماستر فلاش. وبعد النجاح الهائل الذي حققته هذه الأغنية، ستقوم شركات التسجيل بالسير على خطى "روبنسونز"، لتنتج أغاني ناجحة ميزت سنوات الثمانينات مثل "كريسماس رابين" و"ذا بريكس" لمغني الراب الشهير كورتيس.


وستنتقل "عدوى" هذا النوع الموسيقي بعد ذلك إلى القارة الأوروبية، بما في ذلك باريس وبرلين، قبل أن يجذب الانتباه في أمريكا الجنوبية وشرق أوروبا وآسيا وإفريقيا. ومع انتشار هذا الفن الجديد عزز البرونكس مكانته في تاريخ الثقافة العالمية.


وفي هذا المشهد الفني الذي يميز حي البرونكس، يبرز نجم مغربي تمكن بدوره من حجز مكان له ضمن قائمة كبار فن الراب، وهو واحد من العناصر الأساسية لثقافة الهيب هوب. يتعلق الأمر بفرانش مونتانا، واسمه الحقيقي هو كريم خربوش، والذي أصبح، منذ إطلاق أغنيته الأولى "بوب ذات" في 2012، من كبار فن الراب على المستوى العالمي.


وكونه ابن مدينة الرباط، قضى فرانش مونتانا جزءا كبيرا من طفولته في الدار البيضاء، قبل أن ينتقل إلى حي البرونكس الأمريكي وهو لم يتجاوز ربيعه الثالث عشر.


وفي المغرب، ظهرت ثقافة الهيب هوب في ثمانينيات القرن الماضي، غير أن أول ألبوم راب لم يصدر سوى في عام 1996 من خلال فرقة "دوبل أي" المنحدرة من مدينة سلا. وعلى مر السنين، ظهرت فرق أخرى مثل "أش كاين" (مكناس) و"شايفين" (آسفي)، والعديد من فناني الراب مثل توفيق حازب (دون بيغ)، ومورفين، ومسلم، والغراندي توتو، الذين ساهموا في إثراء هذا المشهد وأضفوا لمسة مغربية على هذا التعبير الفني الذي يمزج بين فن الكلام والإبداع الموسيقي.


وفي عالم اليوم، لم يعد البرونكس هو مركز الهيب هوب وقلبه النابض في الولايات المتحدة، إذ تراجع عن موقع الريادة ليترك المجال لمدينة أتلانتا في ولاية جورجيا (جنوب شرق الولايات المتحدة)، حيث تجتمع الأسماء الأكثر شهرة وإنتاجا في عالم الهيب هوب الأمريكي والعالمي.
 
كريم اعويفية (و م ع)