الجمعة 3 مايو 2024
في الصميم

فـي الحاجة إلى «سطاج» إجباري للوزراء!

فـي الحاجة إلى «سطاج» إجباري للوزراء! عبد الرحيم أريري
لن تقوم للمغرب قائمة إلا إذا ألزمنا وزراءنا وبرلمانيينا وكبار مدراء المؤسسات العمومية على التقيد بالالتزامات التالية:
 
أولا: إلزام وزير التعليم بالمغرب بأن يدرس أبناؤه بمدارس جماعة المعازيز أو دار بلعامري أو خميس متوح أو جمعة فوكو، بدل أن يدرس أبناؤه بفرنسا أو بمدارس البعثة الفرنسية أو الإسبانية أو البريطانية، وذلك لكي يتسنى للوزير الوقوف عند أعطاب التعليم بالمدرسة العمومية ومعاناة التلاميذ والآباء والهيأة التربوية، بحكم أن فلذة كبده تدرس في مدارس القاع بالمغرب.
 
ثانيا: إلزام وزير الصحة بأن تلد زوجته بدار الولادة باليوسفية أو زاوية سيدي اسماعيل أو الوطية أو تفرسيت أو كهف النسور أو باب برد أو في واويزغت، بدل أن تلد بمستشفيات كندا أو مصحات إسبانيا، وأن يجبر وزير الصحة على الاستشفاء بمستشفى عمومي بالبرنوصي أو آسفي أو الصويرة أو خنيفرة أو بوجدور، بدل أن يطير إلى مؤسسات علاجية بألمانيا أو إيطاليا (وفي أقل الحالات يحال على مستشفى الشيخ خليفة)، ليكتشف حجم بؤس التطبيب والتمريض بالمستشفى العمومي المغربي وافتقاده لكل المستلزمات الدنيا للعلاج والمراقبة والمواكبة.
 
ثالثا: إجبار وزيرة السياحة على قضاء العطلة الصيفية في موسم مولاي عبد الله بدكالة أو بشاطئ السعيدية أو في شاطئ فم الواد أو في شاطئ الواليدية أو النحلة بالبيضاء، بدل أن تطير إلى تنزنانيا أو جزر السيشل والمالديف لـ «تفقس» المغاربة ب»السيلفي والبوزات»، وذلك لتكتشف بأم عينيها أنه حتى المرحاض العمومي غير متوفر في مصايف المغرب، فأحرى أن تتوفر الدوشات والولوجيات للأشخاص ذوي الإعاقة وللنساء الحوامل والعجزة، فما بالك بسيارات الإسعاف والمنقذين الكافين من معلمي السباحة.
 
رابعا: إجبار وزير الداخلية على تناول وجباته الغذائية في مقاهي الأحياء الشعبية والأسواق القروية وفي المطاعم ومحلات سناك، ليصاب بالتسمم أو أمراض «بزلوم» و«بوصفير» وأعراض المعدة والمرارة، بفعل غياب أدنى مراقبة أو معاقبة، بدل أن يتلذذ الوزير الأكل الرفيع من مطابخ «الشاف» الفرنسي أو النمساوي أو الهنغاري.
 
خامسا: إجبار وزيرة التضامن والأسرة لقضاء شهر في دار للمسنين أو مركز مخصص للنساء، لتعرف حجم البؤس الذي يطال فئة واسعة من المغاربة في وضعية هشاشة، مع إلزامها بأن ترافق شخصا في وضعية إعاقة لمدة شهر كذلك، لتعاين غياب الولوجيات وتعاين العذاب المادي والمعنوي الذي يتعرض له ذوو الاحتياجات الخاصة في الإدارات العمومية والأبناك والمساجد حتى.
 
سادسا: إجبار وزير التجهيز على استعمال الطرق الإقليمية والجهوية في تنقلاته، مع إلزامه بالتنقل في سيارة عادية وليس سيارة وزارية مريحة (بفضل نوابضها الجيدة)، وكذا إلزامه بالتنقل ليلا ليقف بنفسه على رداءة طرقاتنا بمختلف المناطق المغربية وليعرف حجم الضرر الناجم عن غياب المراقبة وغياب التشوير والصيانة والصباغة البيضاء بالمحاور الطرقية، بدل أن يتلذذ فقط بالتنقل بين المدن الكبرى عبر استعمال الطريق السيار دون أن «يجيب شي خبار».
 
سابعا: إجبار وزيرة المالية وإصلاح الإدارة بأن تنزل من برجها العاجي بالرباط وتذهب إلى مصلحة البيرميات بأي مدينة مغربية أو إلى أي مصلحة للتسجيل والتمبر أو وكالة حضرية أو قباضة أو جماعة ترابية أو مكتب للاستثمار الفلاحي لإنجاز وثيقة إدارية، لتفهم حجم سخط المواطنين من تكلس الإدارة وتعقد البيروقراطية الناتجة عن قوانين ومساطر أورتوذكسية طاعنة في التخلف والابتعاد عن الرقمنة والشفافية.
 
ثامنا: إجبار وزير الفلاحة بالعمل في قطعة أرض فلاحية صغيرة بواحة بتافيلالت أو طاطا أو زاكورة أو فكيك، أو العمل في حقل بسهل عبدة أو الشاوية أو دكالة أو الشياظمة وغيرها، ليعرف حجم الظلم المسلط على رقاب الفلاحين الصغار كلما أرادوا الحصول على سماد أو بذور أو قطرة ماء لسقي مزروعاتهم، وليعاين كيف أن كل ما يقال عن برامج الدعم والمغرب الأخضر لا تستفيد منه سوى نفس العائلات المغربية الغنية ونفس الشركات المملوكة لأسماء نافذة.
 
تاسعا: على وزير العدل أن ينسى الانشغال بـ «تبليص» ابنه العائد من كندا، ويجبر على المكوث بمحكمة مغربية ليذوق المعاناة الدامية للمرتفقين مع بطء العدالة وغياب مفهوم «زمن العدالة» بسبب «التجرجير» في الملفات بشكل تطول معه المساطر وتضيع معه حقوق الناس التي لا يتم البت فيها في الآجال المعقولة.
 
عاشرا: إجبار وزير الثقافة على السكن والتسكع بالدروب والأحياء الشعبية وبضواحي المدن لمدة ثلاثة أشهر، ليعرف معنى أن يعيش الإنسان في الخواء وفي بيئة فارغة لا تنتج سوى القرقوبي والحشيش والمعجون، ولا تنتج سوى العدمية والتطرف واليأس، لغياب أي سياسة تروم تغذية عقول الشباب المغربي بالمعارف وتهذب ذوقه بالموسيقى وبالمهرجانات الشعبية والتظاهرات الفنية والثقافية.
 
لكم أن تتخيلوا كيف سيكون عليه المغرب والمغاربة لو فرضنا على جميع وزرائنا ومسؤولينا أن يعيشوا كما يعيش جميع المغاربة.. 

إذا أردنا أن نطمئن إلى مستقبل المغرب والمغاربة، وقبل إعداد البرامج وصياغة المخططات، لا بد أن يخضع الوزراء والمسؤولون عندنا إلى هذا «السطاج» الإجباري. حينها، سيعرفون الواقع كما هو في الميدان، وليس كما يقرأون عنه في وثائق مكاتب الدراسات «الماكينزية».. وحينها، سيشعرون بما يشعر به جميع المغاربة..

وآنذاك، عندما سيتحدث أي وزير أو مسؤول أو مدير مؤسسة عمومية عن مشاكل المغرب والمغاربة سنكون مطمئنين إلى أنه يعرف عما يتحدث، ويمكن عندها أن نثق فيه.