الأربعاء 27 نوفمبر 2024
خارج الحدود

"يا فرنسا إن ذا يوم الحساب".. أسباب إعادة الجزائر مقطع التهديد

"يا فرنسا إن ذا يوم الحساب".. أسباب إعادة الجزائر مقطع التهديد الجزائر تهدد فرنسا
أعادت السلطات الجزائرية مقطعا من نشيدها الوطني يحمل عبارات تتوعد مستعمرها السابق، فرنسا،  بـ"الحساب" بعد أن حذفته قبل عقود، وذلك في وقت تشهد فيه علاقات البلدين توترات متلاحقة.
وأصدر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مرسوما رئاسيا أعاد بموجبه مقطعا محذوفا من النشيد الوطني، يتضمن إشارة إلى فرنسا، وذلك بعد إلغائه بقرار عام 1986، وحذفه من المقررات الدراسية عام 2007.
ويذكر النشيد الجزائري في مقطعه الثالث فرنسا، بعبارات تعتبرها أطراف فرنسية حاملة لنبرة العداء والتهديد، وسبق أن طالبت بسحبها في القرن الماضي.
ويقول المقطع الثالث من النشيد الذي ألفه الشاعر الجزائري، مفدي زكريا، خلال فترة سجنه إبان الاستعمار الفرنسي: "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب، إن في ثورتنا فصل الخطاب، وعقدنا العزم أن تحيى الجزائر، فاشهدوا.. فاشهدوا…".
وجاء في المادة الثالثة من المرسوم الرئاسي المنشور على الجريدة الرسمية: "يؤدى النشيد الرسمي في صيغته الكاملة، كلمات وموسيقى، بمقاطعه الخمسة"، محددة المناسبات والأماكن التي يعزف ويردد فيها.
ويأتي المرسوم الرئاسي الجديد ليلغي القرار الصادر عام 1986 الذي لم يشدد على اعتماد المقطع الثالث، وسمح بإلغائه من النص الرسمي للنشيد الذي وزعته السلطات في تلك الفترة، وفي عام 2007، حذفت السلطات الجزائرية المقطع من النشيد الوطني الجزائري من الكتب المدرسية، مما أثار استياء كبيرا في الجزائر حينها، بحسب صحيفة "الجزائر الآن".
"إرضاء أطراف"
الأستاذ الباحث في علم الاجتماع بجامعة مستغانم، الجزائري مصطفى راجعي، يكشف أن هذا المقطع "يظهر ويختفي منذ سنوات"، مشيرا إلى أنه يتم ترديده في مناسبات مثل أنشطة حزب جبهة التحرير الوطني، فيما يتم تفاديه في تجمعات أخرى.
وعن خلفيات إقراره بمرسوم رئاسي في الوقت الحالي يرى راجعي في تصريح لموقع "الحرة" أن القرار يأتي "استجابة لضغوط سياسية داخلية واتجاهات تحمل شعارات مواجهة المد الفرنسي، وتحمل باريس أسباب كل المشاكل والعثرات وتصفها بأنها أصل كل الشرور".
وتحسنت علاقات باريس والجزائر بعد زيارة الرئيس الفرنسي في أغسطس الماضي للجزائر، حيث وقّع مع تبون إعلانا مشتركا لدفع التعاون الثنائي، غير أنها سرعان ما شهدت تدهورا مفاجئا خلال الأسابيع الأخيرة.
وبعد أن طوى الجانبان قضية الناشطة الجزائرية الفرنسية أميرة بوراوي، في أعقاب اتصال بين رئيسي البلدين، عادت  العلاقات بين الإليزيه وقصر المرادية لوضعية الجمود خلال الأيام الأخيرة، مع عدم رضا الأوساط الجزائرية عن توجهات الحكومة الفرنسية لتشديد القوانين الخاصة بالقادمين من شمال أفريقيا، ودعوات أطراف رسمية لإلغاء اتفاق مع الجزائر يمنح أفضلية لمهاجريها.
وفي هذا الجانب، يرى المحلل السياسي الجزائري، توفيق بوقاعدة، أنه لا يمكن قراءة المرسوم الرئاسي الأخير بمعزل عن "السياقات السياسية والدبلوماسية التي أصدر فيها"، مشيرا إلى أن "الهدف المقصود من القرار تشكيل ضغط على فرنسا".
مستقبل العلاقات
وفيما إذا كانت الخطوة الأخيرة ستزيد من حجم الهوة بين الجانبين، يرى المتحدث ذاته أن ملف الذاكرة يبقى دائما "أكبر ما يربك أي تقارب جزائري وفرنسي"، ويظل "عائقا في تحقيق أي تقدم لتعزيز التعاون بين الجانبين". 
ويرى المحلل السياسي أن ارتدادات الخطوة الجزائرية سترتبط بطريقة قراءتها من الجانب الفرنسي،  قائلا: "هذا يتعلق بإذا كانت ستراها حقا سياديا لدولة الجزائر أم إهانة لفرنسا وعجزا عن تجاوز الماضي"، كما تصفه الدوائر السياسية الفرنسية.
وفيما تتزامن التطورات الأخيرة مع قرب زيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا، الشهر الجاري،  لا يستبعد بوقاعدة،  أن يكون المرسوم محاولة جزائرية لإلغاء الزيارة وذلك لتزامنها مع "توترات سياسية ودبلوماسية تمر بها العلاقات بين البلدين"، بالتالي يرى المتحدث أنه "لا يمكن تصور زيارة في هذا التوقيت".
بالمقابل، يرفض راجعي ربط القرار بملف الذاكرة وماضي فرنسا الاستعماري بالبلاد، مشيرا إلى ما اعتبره "التقدم الحاصل" في هذا الموضوع، مع قيام فرنسا، خلال الآونة الأخيرة عبر "خطوات مهمة"، أبرزها تأسيس لجنة مشتركة للعمل حول الذاكرة، بالتالي "إذا كان القرار يرتبط بهذا الموضوع فهو يبقى نشازا"، على حد تعبيره.
ويرى راجعي، أن القرار يأتي "لتلبية رغبات وإرضاء هذه الجماعات" إضافة إلى إرسال رسالة مفادها أن "السلطة مصرة على مواجهة فرنسا"، غير أنه يرى أن الخطوة تبقى "غير مفهومة حيث أن العلاقات مع فرنسا متواصلة على المستوين الدبلوماسي والاقتصادي".
ويبرز الباحث الجزائري  ذاته أن "الخطوة رسالة بلاغية وخطابية تقدّم كهدية لأطراف داخلية تعادي فرنسا"، غير أنه يشير إلى أن "ترجمتها واقعيا لن تلقى صدىً على المستوى السياسي، مع استمرار باريس كشريك مهم للجزائر".
 
عن/ الحرة