الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

منعم وحتي: إلغاء أضحية الأضحى وشريعة الحق..

منعم وحتي: إلغاء أضحية الأضحى وشريعة الحق..
إن كل الشرائع السماوية منها والأرضية، وضعت دائما نصب أعينها الإنسان، حيث جانبت الصواب أحيانا، وتم تأويل مضامينها أحيانا أخرى قهرا للناس وإعلاء لحرفية النص، كما برزت فترات زاهية للاجتهاد المنصف للبشرية وسمو الجانب المشرق للشرائع.
إن أضحية العيد عند المسلمين، لم تعد مرتبطة فقط بأمر سماوي مستند على عنعنة الأولين للاحقين، بقدر ما دخلت لحقل النسيج الاجتماعي وعادات الناس في العيش المشترك الاحتفالي، وطقوس الفرح الجماعي والتلاحم الأسري. إن هذا التشابك في تقديرات زاوية رؤية أضحية العيد يقتضي بالضرورة أن تكون تحليلاتنا مركبة لمراحل الأزمات والنكبات التي تمر منها المجتمعات، في التعاطي الجماعي مع أضحية العيد هاته.
إن الشعب المغربي يمر بمرحلة صعبة جدا، نتيجة انهيار القدرة الشرائية للأسر، والارتفاع المهول للأسعار، مقابل انسحاب الدولة من مهامها الاجتماعية في حماية الطبقات المسحوقة في المجتمع، بل حتى الطبقات المتوسطة انحدرت مؤخرا  لدائرة الفقر، حيث توسعت رقعة الفئات المفقرة. خصوصا وأن الدولة عمقت رقعة المعوزين بإلغاء صندوق المقاصة وانتهاك جيوب المغاربة، ومما زاد الطين بلة أن منظور الدولة للعدالة الضريبية ينحصر في إعفاءات الشركات الكبرى من أداء ضرائبها تحت ذريعة تشجيع الاستثمار، ناسية أو متناسية أن تخفيض الضريبة على أجر العمال والمستخدمين والأطر في القطاع العام والخاص، هو في صُلب العدالة الضريبية، فليُعد الليبراليون لقراءة كتابات منظرهم جون مينارد كينز، فتخفيض الضرائب على المأجورين سيؤدي لتحفيز الطلب والاستهلاك. ولن تسبب اختيارات الدولة في دعم الرأسماليين فقط لتشجيع العرض لوحده إلا استمرار التضخم والركود الاقتصادي العام. فما تتجه إليه الدولة لا علاقة له بشعارات الدولة الاجتماعية المفترَى عليها. فمن يحمل ذرة تفكير اجتماعي ولو ببعده الليبرالي، فمن التوحش والتغول أن يبقى ديدنه الوحيد هو تعليف الزمرة المتنفذة "للعرض"، ومحاصرة أي نداءات حيوية لتشجيع "الطلب".
إن استهلاك الأسر المغربية المعوزة للحم في فترة العيد أصبح يعادل  %60 من الاستهلاك السنوي للحم على طول العام، مقابل %45 في الأعوام السابقة، مما يؤشر على انخفاض مهول لقدرة المغاربة على اقتناء اللحم، مع الارتفاع الصاروخي لأثمنته، خصوصا وأن أسعار الأغنام المسجلة في هاته الفترة المتبقية حتى يوم العيد تصل إلى ضعف السميك. ومع هذا الغلاء الفاحش لأثمنة الأكباش وقلة القطيع هاته السنة والجفاف المسجل، بادرت الدولة كالعادة لتشجيع العرض بإعفاءات رسوم الاستيراد، ولم تفكر مرة أخرى في المستهلكين وانهيار القدرة على الطلب.
ألا يعلم من يسير دواليب هاته الدولة أن الأسر حائرة بين ضغط أضحية العيد والإمكانيات غير المتوفرة لعطلة الأطفال، وواجبات التسجيل المدرسي نهاية السنة، ولوازم الدراسة بداية الموسم؟؟!! إن كتبة التقارير أعتقد لا يدونون معاناة الأسر المغربية في محاضرهم المرفوعة للسلطات التي أعلى هرم الدولة، أو أن هاته الأخيرة أصابها الصمم أمام قهر جيوب المغاربة وهو الاحتمال الأعم.
مقابل كل هاته التعقيدات التي تؤرق كاهل المغاربة، يأتي بعض حفظة النصوص دون استخدام العقل، ويحثون بمنطق الأمر على أضحية العيد بتأويل أرعن للدين، وبالموازاة يحرمون الفوائد البنكية في اقتناء الأضحية، إن المغاربة أمام نارين جشع الرأسمال المالي وجهل فقهاء الإقطاع، إن هؤلاء الكهنة ناطقون رسميون باسم اللوبي المتحكم في تسويق قطيع الأغنام، ففقهاء السوء هؤلاء لا هم يجرؤون على الحديث على التفقير الموجه للناس، ويصمتون أمام استبداد الدولة بحقوق الناس، بالمقابل تتعالى أصواتهم للدفاع المسموم على ضرورة الأضحية وسط واقع مأزوم جدا، وضائقة خانقة تشمل عموم الفئات المسحوقة. أليس هناك عقلاء يتمثلون الشريعة الحقة والتي تضع في مقاصدها مصلحة الناس واليُسر بمعيشهم الذي أصبح عسيرا. إن من لا يستحضر عوز الناس من "علماء الدين"، لن يكون إلا تاجر دين يسند تاجر أغنام. 
فلنبادر لإلغاء أضحية العيد هاته السنة بمنطق الشريعة الحقة والبعد الإنساني لروح القوانين.
ملحوظة 1: لقد قام الخليفة عمر بن الخطاب بإلغاء حدِّ السَّرقة في عام الرَّمادة، لأنَّ شروط تنفيذ الحدِّ لم تكن متوفرةً، فأوقف تنفيذه لهذا السَّبب، فالذي يأكل ما يكون ملكاً لغيره بسبب شدَّة الجوع والقحط، وعجزه عن الحصول على الطَّعام يكون غير مختارٍ، فلا يقصد السَّرقة، ولهذا لم يقطع يد السارق، وهو إعمال فطن للعقل والاجتهاد، وتقدير لعسر عيش الناس.
ملحوظة 2: لقد امتلك الملك الحسن الثاني، ذات زمن جرأة إلغاء شعيرة عيد الأضحى بسند فقهي ووضعي، والزمن جفاف، وتلا القرار وزير الأوقاف آنذاك سنة 1996، فما بال الأيدي ترتعش أمام قرار يفك كربة المغاربة.