الأربعاء 27 نوفمبر 2024
خارج الحدود

بسبب استبداده وقمعه.. الرئيس ماكرون يعيش عزلة داخل وخارج فرنسا

بسبب استبداده وقمعه.. الرئيس ماكرون يعيش عزلة داخل وخارج فرنسا من مظاهرهذا الاستبداد دفع قوات الأمن الفرنسية نحو تشديد القبضة الحديدية ضد المتظاهرين
في الوقت الذي ظل الشعب الفرنسي ينتظر التجاوب مع أزمات بلاده العميقة، قرر إيمانويل ماكرون السفر إلى بكين بدعوى دفع القيادة الصينية إلى وساطة تثني روسيا عن مواصلة الحرب على أوكرانيا، والمقصود تحديدا التوسل إلى شي جي بينغ حتى لا يقدم إمدادات السلام إلى فلاديمير بوتين. 

لم يكتف ماكرون بالهروب إلى الفراغ من خلال أسفاره الفاشلة إلى الخارج، والتي تتكرر كلما تعمقت الأزمات في بلاده رغم فشل النتائج. بل ظل يتجاهل الإنصات إلى مطالب الشعب الفرنسي، وأساسها اليوم إلغاء قرار ما سمي بقانون إصلاح التقاعد المعروف ب 49.3، القاضي برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، وهو القرار الذي فرضته الحكومة الفرنسية بدون تصويت نواب الجمعية الوطنية، وذلك بعد تخصيص أحد يوما من المسيرات وخوض كل أشكال التظاهر على الصعيد الوطني. ويتواصل التجاهل رغم فشل لقاء الوزيرة الأولى مع القيادات النقابية يوم الأربعاء الماضي. بل إن ماكرون صار يلجأ إلى عدد من القرارات والآليات التي صارت تنحرف بفرنسا نحو زمن الاستبداد. 
 
من مظاهر هذا الانحراف دفع قوات الأمن نحو تشديد القبضة الحديدية ضد المتظاهرين، خاصة بعد إقحام جهاز الوحدة الأمنية الخاصة "براف إم" الذي صار يتحرش بالمحتجين وسط مطالب بإلغائه عبر تعنيفهم المفرط.
 
أما ثاني المظاهر فهو متابعة عدد من المتظاهرين بدعوى الإخلال بالأمن العام، واعتقال المحتجين بالمئات، وتقديم شكايات ضد الرافضين لقانون التقاعد كما حدث مع إحدى السيدات التي كانت قد نشرت تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر فيها الرئيس "قذرا"، فأحيلت نتيجة ذلك على القضاء يوم 30 مارس الماضي بتهمة "إهانة الرئيس". والأكثر من ذلك تهديد وزير الداخلية  بخفض الدعم المالي المقدم لرابطة حقوق الإنسان الفرنسية التي كانت قد خالفت الوزير في موضوع تقييم الوضع العام، وسلوك الحكومة، "بشكل علني،  بعد أعمال العنف التي شهدتها مظاهرات في سانت سولين وسط غرب البلاد". 
 
المتابعات القضائية طالت كذلك زعيم فرنسا الأبية بعد أن ندد، في حوار تلفزيوني يوم 26 مارس الماضي، بسلوك الأجهزة الأمنية. وهي المتابعة التي ندد بها أحد نواب تلك الحركة معتبرا أن الدولة الفرنسية صارت تشيطن الاحتجاج الشعب الفرنسي. كما أن منظمات حقوقية كانت قد اتهمت الأمن الفرنسي بـاقتراف "ممارسات عنيفة" تجاه المحتجين "داعية السلطات إلى احترام حق التظاهر، وعدم الاستخدام المفرط للقوة".
 
كل هذه المظاهر تضع المتتبع للشأن الفرنسي إزاء المنعطف الخطير الذي تدخله فرنسا بعد أن تنكرت لماضيها الحقوقي، ولتاريخ ثقافتها المتنورة. وهو ما يؤكد أن الرئيس الفرنسي صار بالفعل عدو الديموقراطية وخصم الشعب، بمن فيه هؤلاء الذين صوتوا عليه منخدعين بوعود برنامجه الانتخابي.
 
ماكرون اليوم في عزلة مطلقة في الداخل كما في الخارج، بلا أغلبية برلمانية، وبلا سند شعبي، وبلا صداقات مع العالم، وبلا إسهام حقيقي في خدمة السلام دوليا. والأخطر من ذلك أن فرنسا في المنعطف الحاد، فهل ستنتصر على نزعة الاستبداد التي يفرضها اليوم ماكرون على فرنسا والفرنسيين، أم ستستسلم لها فتتعمق الكارثة بكل آثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟
 
الجواب رهين بالمآل الذي ستتخذه الظاهرة الاحتجاجية يوم الخميس 13 أبريل 2023، تاريخ تنظيم يوم الغضب الثاني عشر، ورهين أكثر بالقرار المرتقب للمجلس الدستوري المطلوب منه الحسم في مدى مشروعية القرار 49.3، والمنتظر الإعلان عنه يوم 14 أبريل 2023، حيث طلب منه كذلك، وبالتماس من المعارضة، النظر في مدى صلاحية نص قدمته من شأنه التمهيد لاستفتاء يخص إصلاح التقاعد.