الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد العدّاسي: محمول

عبد الحميد العدّاسي: محمول عبد الحميد العدّاسي
توقّفتُ أسأل نفسي إن كان يُمكن نُزولُ اسمِ المفعول محلّ اسمِ الفاعِلِ، تماما كما أنزلَ الحُطيئةُ اسمَ الفَاعلِ اسمَ مفعولٍ، يمرّر به هجاءً لاذعًا مقذِعًا، يجلِد به الزِّبْرِقان بن بدر أحد وجهاء بني تميم وفرسانها وسادتها، "فاقعد فأنت الطّـــــــاعمُ الكــــــاسِي"[1]، يعني بها المطعوم المكسوّ! كانت الإجابة سريعة مستشهِدة بخير الكلام وأرفعه، فقد جاء في القرآن الكريم (خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ) (الطارق 6) أي مدفوق و(فهو في عيشةٍ راضيةٍ) (الحاقة 21) أي مرضيّة و(لا عاصمَ اليومَ من أمرِ اللهِ)( هود 43) أي لا معصوم اليوم...
 
وإنّما أسرعت وراء المعاني أستقصيها، حذر أن أكون وغيري من النّاس - ممّن قد تأخذ لا سمح الله بتلابيبهم الغفلة - مفعولًا بنا، ونحن نحسب أنّنا فاعلون. فقد حملناه طويلا وخنس في جيوبنا صبورا يُقنع الذين أمِنوا مكره ربّما وجالوا في أفنيته بقلّة خبرة أو عدم انتباه أو انعدام نظر في العواقب أنّه مجرّد محمول، فلم ينتبهوا إلى أنّ عدم ترويضه على الخير وعدم مراقبته بصرامة تجعله من جند إبليس الممتنع عن السّجود والاتّباع، ممّن شملهم قوله ﷻ [وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ] (الإسراء: 64)!.
 
وجدت المحمول أحد اثنين: مؤمن مساعد على ترقية الإيمان وتقويته وزيادته، أو داعٍ إلى معصية الله تعالى والحثّ على ارتياد مراتع ضلالةٍ قد يُرقدنا - لا سمح الله - فيها ويُغوينا وينسينا حتّى لا ننتبه إلى أنفسنا إلّا ونحن ننبت في نهر الحياة، كما تنبت الحبّة في حميل السّيل!..
 
ليس هيّنا ولا مريحا أن يحمل الإنسانُ حاملَه، وعلينا ألّا نغترّ باسم مفعوله (المحمول)، بل نجتهد في تبيّن ما جاء في اسم فاعله الثّاني (النقّال) نستفيد منه، نحرّضه بالصّبر على نقلنا من الخطإ إلى الصّواب ومن السّيّئة إلى الحسنة ومن صفة الحامل المحمول إلى صفة المسيطر على مَا يَحمِل وإلى خاصّية المتبيّن فيما يُحمل إليه... نفعل ذلك كي تخفّ أحمالُنا وتثقُل موازينُنا وتُختم بالباقيات الصّالحات أعمالنا، ولن نُؤتى ذلك إلّا بتوفيق من الله ﷻ وتثبيت...