الجمعة 29 مارس 2024
في الصميم

سكان الجبال بين تسول القفة التضامنية والحق في الثروة الوطنية!!

سكان الجبال بين تسول القفة التضامنية والحق في الثروة الوطنية!! عبد الرحيم أريري
للمرة الألف نقولها، طالما أن المسؤولين بالحكومة والبرلمان يرفضون كسر حاجز الريف والأطلس، فإن 9000 دوار بالمناطق الجبلية سيبقى محاصرا في الجبال كلما تهاطلت الأمطار والثلوج والعواصف الرعدية.
إن الحوض الجبلي بالمغرب الممتد من الحسيمة شمالا إلى ورزازات وتنغير جنوبا مرورا بشفشاون وصفرو وإفران والحاجب وميدلت وأزيلال والحوز وتارودانت يعد من أغنى الأحواض الجغرافية ببلادنا إن على المستوى الديمغرافي أو المالي أو الطبيعي أو الوجودي.

فديمغرافيا تقطن بهذا الحوض الجبلي حوالي 10 ملايين نسمة، أي ثلث سكان المغرب. ومن العار أن يتم إقصاء ثلث الساكنة من أبسط حق من حقوق الإنسان، ألا وهو الحق في الولوج إلى أي نقطة بالتراب الوطني. فعلى امتداد الحكومات المتعاقبة (من سنوات الرصاص إلى حكومة أخنوش) لم يحظ الشريط الجبلي بأي قيمة في الأجندة العمومية، بدليل أن حظ المدن والمراكز الجبلية من الاستثمارات العمومية في الطرق العادية والطرق السريعة والأوطوروت والقناطر جد ضعيف، إن لم نقل منعدم، لدرجة أن الطرق بالمناطق الجبلية تنجز بنفس المواصفات التقنية التي تتم بالبيضاء أو برشيد أو حد كورت، بينما العقل الهندسي الكوني يوصي بإخضاع الطرق بالجبال لضوابط الثلج والمطر.
 
وها هو موسم البرد والمطر والثلج يبرز صواب هذا الطرح حيث حوصر العشرات من الآلاف من سكان الجبال، وصعب عليهم التزود حتى بالمؤن الضرورية فأحرى الخروج لقضاء أغراضهم الإدارية والمهنية. بل حتى الملح( وهو الأرخص والموجود بكثرة بالمغرب)، لم يوزع على السكان لرشه أمام المنازل والمحلات والمرافق العامة حتى لا تغلق الأبواب من شدة سمك الثلوج.

أما من الناحية المالية فالحوض الجبلي يعد أهم حوض مصدر لليد العاملة بالمهجر، وبالتالي فسكانه (عبر تحويلاتهم ) يساهمون في ضخ العملة الصعبة بالخزينة العامة. وبدل أن تسخر تلك العملة لاقتناء الحاجيات والآليات الضرورية لتنمية مدن وقرى الجبال، نجد المسؤولين يستغلون العملة الصعبة لجلب «الفيراري» و«الهامر» و«الفودكا» و«الأوساك». (للإشارة تحويلات المهاجرين المغاربة تمثل 33 في المائة من عائدات العملة الصعبة).

أما طبيعيا فإن غنى وتنوع المناظر الخلابة (من الحسيمة إلى واحات أسا) يعد هبة إلاهية لا يقدر قيمتها إلا من كانت له الحظوة للاستمتاع بجمال وروعة هذه المناظر التي تعد أحد نقط جذب السياح الأجانب، بدليل أن السياح لما يحجون بمراكش أوفاس أو أكادير فلأن هذه المدن تتوفر على البنية الإيوائية. إذ ما أن يستقروا بهذه المدن حتى تتوجه قوافل السياح نحو الصحاري والجبال والشلالات والمغارات والمحميات لأخذ الجرعات الكافية من صفاء الطبيعة وروعة المناظر.

أما وجوديا، فإن الحوض الجبلي هو ضامن وجود المغرب أصلا. فكل منابع الأودية المهمة التي تزود كافة التراب الوطني بالماء (المادة الأساسية للحياة ولتشغيل محركات الاقتصاد) توجد بالمناطق الجبلية: خذوا واد سبو أو واد ملوية أو واد أم الربيع أو واد بهت أو أي نهر.
والمفارقة الخطيرة أن الصهريج الرئيسي "Le chateau d'eau" للماء بالمغرب يوجد في قلب الأطلس المتوسط بين ميدلت وخنيفرة، وبدل أن تنعم هذه المنطقة برغد العيش وجودة الحياة، نجدها تصنف حسب تقارير مندوبية التخطيط ضمن أفقر المناطق المغربية. 

من العار، أن لا نسمع صوتا لدى هذا الحزب أو ذاك بشأن المونطاج المالي المؤسساتي لانتشال الأحواض الجبلية من العصر الجليدي إلى العصر الإنساني داخل سقف زمني معقول. ومن العار أن يكون الجبل مرادفا للفرح والبهجة بالدول الأوربية والأمريكية كلما تهاطل المطر والثلج (ممارسة رياضة التزحلق، السياحة الجبلية الشتوية، إلخ....)، في حين يصبح الجبل بالمغرب مرادفا للخطاب الجنائزي كلما نزل الثلج والمطر!!

وفي انتظار أن تنجب التربة المغربية مدبرين وطنيين بالحكومة والبرلمان والجماعات الترابية، لا نملك من سلاح للتضامن مع إخواننا المنسيين والمعذبين  في الجبال سوى القول: حسبنا الله ونعم الوكيل.