الثلاثاء 7 مايو 2024
في الصميم

بورجوازية الريع.. اشتروا توبتكم من المغرب والمغاربة قبل فوات الأوان!

بورجوازية الريع.. اشتروا توبتكم من المغرب والمغاربة قبل فوات الأوان! عبد الرحيم أريري
طوال 30 سنة وما يزيد، كانت الدولة المغربية تسمن طبقة من رجال الأعمال بالريع وبالامتيازات والإعفاءات والإغراءات والقوانين المصاغة على «المقاس»، أملا من صانعي القرار أن المغرب ستتوفر له «بورجوازية وطنية» قادرة على جر الاقتصاد المغربي نحو الأعلى والتنافسية، وقادرة على تأمين نسبة نمو عالية ومتواترة  تسمح بخلق الثروة وطنيا وتوسيع وعاء التشغيل.

لكن ها هي النتيجة أمامنا: المغرب يحصد اليوم الخيبة؛ فقد أبرزت الأزمات المتتالية أن معظم رجال الأعمال المغاربة «جبناء» ويحبونها «باردة» دون مخاطرة أو مغامرة أو قيمة مضافة: فلا الصحراء توجهوا إليها لمواكبة المجهود العمومي الحربي ضد العدو الجزائري، ليستثمروا في الأقاليم الجنوبية بما يعضد الاستثمار العمومي هناك، ولا هم استثمروا في قطاعات لا ترعاها الدولة أو تغدق عليها الامتيازات، ولا هم خلقوا مؤسسات خيرية (Fondations) للتكفل بجزء من التحملات الاجتماعية لدعم الفقراء والطلبة المعوزين والمرضى المنحدرين من أوساط ومجالات هشة، لتخفيف العبء على الدولة، ولا هم خلقوا صناديق استثمارية خاصة والتكتل فيها لتمكين المغرب من منصات صناعية وخدماتية تسمح بنقل التكنولوجيا وتسجيل براءات اختراع باسم المغرب والمغاربة لتحقيق الإقلاع الصناعي وبالتالي الإقلاع الاقتصادي.

اليوم يعرف المغرب أزمة اقتصادية واجتماعية جد خانقة برزت تجلياتها في المعيش اليومي للفقراء والطبقات المعدومة التي اكتوت بلهيب الأسعار والغلاء الفاحش غير المبرر الذي استهدف المواد الغذائية الأساسية التي لم تكن أي حكومة تجرؤ على المس بها من قبل، بمثل ما نرى من وحشية حاليا في عهد حكومة أخنوش، التي أعتبرها حكومة تمثل الباطرونا وليس حكومة تمثل الشعب المغربي.

وبالنظر إلى غياب موارد مالية كافية لدى الدولة لمواجهة تداعيات هذه الأزمة وتمويل حاجيات السوق الداخلي بمواد استهلاكية في متناول المواطنين البسطاء، وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد لتشغيل أكبر عدد ممكن من العاطلين ومحاربة الفقر، يبقى من المستحب خلق صندوق خاص بالاستثمار التضامني تكون مساهماته متأتية بالأساس من إلزام رجال الأعمال الذين «أكلوا وشبعوا لحما ومالا وريعا» من المغرب طوال 30 سنة بأن «يضعوا أيديهم في جيوبهم»، لرد الديون للبلد التي حلبوها ومصوا خيرات شعبها.
على الدولة، التي خلقت «صندوق محمد السادس للاستثمار» لإنعاش الحركة الاقتصادية المؤسساتية والمهيكلة، أن تعمل على خلق «صندوق استثمار» مواز يكون مخصصا للاستثمار التضامني، لكن دون إرهاقه بتحويل الموارد من خزينة الدولة أو بديون أجنبية، بل الإسراع بحصر لائحة  «أثرياء الريع» الذين انتفخت أرصدتهم بالملايير في العقود الأخيرة (في قطاعات السكن الاجتماعي والفلاحة والصيد  والأبناك والاستيراد... وغيرها) وتحديد مساهمة لكل عائلة ثرية ولكل رجل أعمال (على غرار ما تم في صندوق مواجهة تداعيات جائحة كورونا) لتحقيق ثلاث غايات: 

الأولى: تتمثل في السماح لهؤلاء بـ «غسل ذنوبهم» المرتكبة في حق المغرب والمغاربة وبالتالي «شراء التوبة» من البلاد والعباد.
والثانية: تتجسد في ضخ جرعة أوكسجين في الاقتصاد الوطني لتشغيل المواطنين بدل إذلالهم بالمساعدات الموسمية وبالقفة الظرفية. 
أما الغاية الثالثة: فتكمن في أن صندوق الاستثمار التضامني الممول من مساهمات رجال الأعمال المذكورين سيقلص حجم الفقر بالمغرب (الفقر النقدي بالأساس) وسيوسع من دائرة الكرامة بالبلاد، على اعتبار أن المواطن الذي له دخل شهري (ولو متواضع) يسمح له بتدبر شراء حاجياته وفق قدراته، بدل أن يبقى عالة على المجتمع ينتظر «صدقة» أو «قفة رمضان».

فلنفتح الحساب البنكي الآن ولنشهر لائحة رجال أعمال الريع والعائلات التي اغتنت بشكل فاحش بفضل قربها من مدفأة السلطة وليس بفضل مهاراتها في التدبير وتحمل المخاطر في الاستثمار.