الجمعة 17 مايو 2024
اقتصاد

البوز: أخطر ما في "مشكلة أخنوش" هو أن تصبح وصفة "نموذجية" لهزم السياسة وإصابتها في مقتل

 
 
البوز: أخطر ما في "مشكلة أخنوش" هو أن تصبح وصفة "نموذجية" لهزم السياسة وإصابتها في مقتل أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط
أوضح أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية - السويسي بالرباط، أن زواج السلطة والمال ليس جديدا لما يتعلق الأمر بالسياق السياسي المغربي، بل إنه يكاد يكون ملازما للممارسة السياسية المغربية في جميع مراحلها.
وأبرز أحمد البوز، في حوار مع
"أنفاس بريس"، أنه إذا كانت العملية السياسية تسمح من الناحية القانونية والدستورية لأي شخص، غنيا كان أو فقيرا، بإمكانية المشاركة فيها، واحتلال مواقع القيادة في المؤسسات والأجهزة التي تدير شؤونها، فإن وجود أصحاب المال في هذه المواقع قد يشكل خطرا عليها، لأنه كما يقال كلما اجتمعت الثروة والسلطة إلا وكان الفساد ثالثهما، سيما عندما لا تكون العملية السياسية محاطة بكل الضمانات وقواعد المحاسبة التي تحد نسبيا من تغول هذه الفئة واستغلالها لمواقعها السياسية للتغطية على سلوكها الاقتصادي.                 
في نظرك أين تكمن مخاطر زواج السلطة والمال؟ 
بداية لابد من التأكيد على أن هذه المسألة ليست مغربية محضة بل توجد أيضا في سياقات سياسية أخرى، بما فيها الدول الغربية، عايشنا في بداية التسعينيات مثلا ظاهرة برلسكوني في إيطاليا، وتابعنا في نهاية العشرية الثانية من الألفية الثالثة ظاهرة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنها ليست جديدة لما يتعلق الأمر بالسياق السياسي المغربي، بل إنها تكاد تكون ملازمة للممارسة السياسية المغربية في جميع مراحلها. قد يكون نفوذ المال في السياسة وفي السلطة قد أضحى في الوقت الحاضر ربما أكثر حضورا، حيث تراجع الرهان على الاختيارات السياسية بشكل كبير، لكنه لم يغب في أية فترة من الفترات.

لا يجب أن ننسى الموقع السياسي والاقتصادي للملكية، والنقاش الذي ظل يثيره في بعض الأوساط خاصة ما يعرف بالمعارضة الوطنية، كما لا يجب أن ننسى أن الحكومة المغربية قادتها في أكثر من مناسبة شخصيات تجسد هذا الزواج بين المال والسلطة، فضلا عن ذلك يجب أن نستحضر أن نفوذ المال من خلال رجال الأعمال قد أضحى محددا في الحياة الانتخابية على الأقل منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي. لذلك، فنحن أمام معطى ثابت في الحياة السياسية المغربية.

بطبيعة الحال لم يكن هذا النفوذ المالي عندما يرتبط بالسلطة بدون تأثير على الحياة السياسية المغربية. من ناحية انعكاساته على التنافس السياسي والانتخابي المطلوب جدا في العملية السياسية والديمقراطية، وفي نفس الوقت على التنافس الاقتصادي الذي هو أيضا أساس الليبرالية وأساس الحرية، حيث يسمح الوجود في موقع السلطة السياسية من امتلاك المعطيات والمعلومات التي تحسم التنافس لفائدة من يمتلكها. ومن ناحية الدور الذي يلعبه في ربط العملية السياسية والانتخابية بالخدمة أكثر من الفكرة، حيث توارت بشكل كبير البرامج والاختيارات، وتحولت العملية السياسية إلى سوق تتحكم فيه سلطة المال. وكذلك من ناحية ما يتيحه من إمكانيات لاستغلاله من أجل المزيد من مراكمة الثروة، والتحكم في الصفقات. 

لذلك، فإذ كانت العملية السياسية تسمح من الناحية القانونية والدستورية لأي شخص، غنيا كان أو فقيرا، بإمكانية المشاركة فيها، واحتلال مواقع القيادة في المؤسسات والأجهزة التي تدير شؤونها، فإن وجود أصحاب المال في هذه المواقع قد يشكل خطرا عليها، لأنه كما يقال كلما اجتمعت الثروة والسلطة إلا وكان الفساد ثالثهما، سيما عندما لا تكون العملية السياسية محاطة بكل الضمانات وقواعد المحاسبة التي تحد نسبيا من تغول هذه الفئة واستغلالها لمواقعها السياسية للتغطية على سلوكها الاقتصادي.    
             
منذ انتخاب 8 شتنبر 2021  والعديد من المتابعين يحذرون من وجود عزيز أخنوش في رئاسة الحكومة بمبرر أنه يمثل طبقة رجال الأعمال التي تدافع عن مصالح شركاتها بدل الاهتمام بقضايا المواطنين؟
مشكلة أخنوش كرجل أعمال جاء إلى السياسة من بوابة البرلمان، ثم أصبح وزيرا للفلاحة باسم الحزب الذي لم يكن يترشح باسمه، ثم أمينا عاما لحزب لم يكن عضوا به، فرئيسا للحكومة وقائدا لأغلبية حكومية على أنقاض أغلبية حكومية أخرى كان كوزير نافذا فيها، لا ترتبط فقط بقضية مراكمة الثروة أو حماية مصالح الشركات التي يملكها، فهو كان يقوم بذلك حتى ولو أنه ليس في موقع القرار السياسي، خصوصا ونحن نعلم بأنه في المغرب المال ليس مستقلا قطعا عن السلطة. أعتقد أن أخطر ما فيها هو أن يصبح وصفة "نموذجية" أو لنقل "سحرية" لهزم السياسة وإصابتها في مقتل. 

خلال العشر سنوات التي أعقبت ما عرف بالربيع العربي ارتفع منسوب الطلب على السياسة، وأضحت العملية الانتخابية تدور بكيفية أو أخرى حول اختيارات سياسية، بغض النظر هل هي مقبولة أو مرفوضة؟ وهل هي ناجعة أم لا؟ وبغض النظر عن تأثيراتها السلبية على بعض الفئات الاجتماعية، وفي مقدمتها الطبقة الوسطى، لكن ما حدث في انتخابات 2021 لا أقول أعادنا إلى الصفر، بل كشف عن أن للمال سلطة غير مسبوقة في الحياة السياسية والانتخابية المغربية، إلى درجة أن نتائج الانتخابات أصابت الجميع بالذهول، وجعلت الجميع غير قادر على تفسير ما حدث إلا من خلال ربطه بقوة المال وسطوته. 

لقد كان يتم تسويق هذه الوصفة بأنها ناجعة من ناحية الخبرة التي يمتلكها رجال الأعمال والتقنيون عموما في التعاطي مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي عجز حزب العدالة والتنمية من خلال قيادته للحكومة في تدبيرها. لذلك أغرقت العملية الانتخابية في بحر من الوعود انساق حولها العديد من الناس رغم أن أجرأتها كانت تبدو عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة في سياق تداعيات جائحة كوفيد  19، وإكراهات  سوق المحروقات العالمية بفضل الأزمة الأوكرانية وغيرها. وبالتالي فإن المغاربة الذين يفترض فيهم أنهم خاضوا مقاطعة غير مسبوقة لمنتوجات عزيز أخنوش الاقتصادية قبل سنتين أو ثلاثة من تنظيم انتخابات 2021 هم الذين أعلنت أصواتهم لفائدة المنتوج السياسي لأخنوش نفسه خلال هذه الانتخابات، وهي مفارقة غريبة.  

لكن مرور ما يقارب عن سنة ونصف من عمر الحكومة لا يبدو أنه كشف عن هذا "السحر" الذي يتوفر عليه المال من أجل إيجاد الحلول المناسبة للقضايا والإشكاليات التي تواجه المغرب. أتساءل مثلا هل حصلت اجتهادات على مستوى تنويع مصادر الثروة في المغرب؟ وهل تخلص الاقتصاد المغربي من سلطة الأمطار؟ وهل تمكن المغرب من اكتساب أسواق جديدة ومن توسيع شراكاتنا في فضاءات وعوالم أخرى لم تكن من قبل؟ وهل يشعر المغاربة أن أوضاعهم المادية والاجتماعية أخذت تتحسن؟ وهل اكتسبنا نقاط جديدة في سلم ترتيبنا كدولة في مؤشرات التنمية والحرية على المستوى العالمي؟ لن أتحدث عن قضية الصحراء ومسألة الجوار والمحيط لأنني أعلم أن تدبيرها يتم في مستويات أخرى. 

يصعب تفسير غلال أسعار المواد الغذائية، والمنتوجات الطاقية التي يكتوي بلهيب نيرانها المواطنين فقط بالظروف التي جاءت فيها الحكومة، مع أنها أغدقت هذه الوعود وهذه الظروف قائمة، خاصة عندما يكون رئيس الحكومة يحتكر ترويج أهم سلعة (المحروقات) يغذي ارتفاع أسعارها النقاش داخل المغرب، وعندما تكون المؤسسة التشريعية تجد صعوبة في تفعيل آلياتها الرقابية لمساءلة الحكومة ورئيسها حول هذا الموضوع بالذات، كما وجد مجلس المنافسة من قبل نفسه في نفس الوضعية في قضية 17 مليار الشهيرة. 
لذلك، فإذا كانت قضية الزواج بين المال والسلطة ليست خطيرة في حد ذاتها، فإنها في الحالة المغربية تبدو كذلك، لأن السلطة والسياسة لا يتم تمثلهما في كثير من الأحيان كخدمة عامة، وإنما كفرصة قد لا تتكرر لمراكمة الثروة وكمصدر دخل.   
                 
كيف تتعامل الدول الأكثر ديمقراطية مع إشكالية زواج السلطة والمال؟
أظن أن الدول الديمقراطية وإن كانت لا تخلوا هي الأخرى من ظاهرة الزواج بين السلطة والمال، خاصة لما نستحضر مثلا تأثير المال في الانتخابات الأمريكية وفي صناعة النفوذ السياسي في هذا البلد، فإن ما يصنع الفرق مقارنة بالأنظمة السلطوية هو سلطة المراقبة والتتبع وعدم الإفلات من العقاب التي تشترك في صنعها المؤسسة البرلمانية والقضائية والإعلام والرأي العام نفسه.

في هذه البلدان وقع تراكم كبير في الممارسة السياسية وفي الثقافة السياسية سمح للديمقراطية بأن تخلق آليات حماية نفسها بنفسها، وأضحت العملية السياسية مرتبطة أكثر بالمؤسسات، حتى ولو أن بصمة الأشخاص تبقى حاضرة، وبالتالي أن يصل رجل الأعمال إلى القيادة السياسية لا يعني بالضرورة أن الحياة الاقتصادية والمالية ستصبح طيعة لاختياراته أو لشهواته المالية والمادية، وقد تابعنا مثلا منذ 2016 إلى حدود 2020 المقاومات التي واجهها اختيارات دونالد ترامب كرجل أعمال في السياسة من قبل الكونغرس والحزب الجمهوري. 

ما يحصن أكثر الحياة السياسية في هذه البلدان من الاستغلال السلبي للمال في خدمة الثروات والنفوذ المالي هو أنها قائمة على أساس التوازن الذي يصنعه أساسا وجود معارضة يقظة وتمتع بأدوات التأثير التي تمسح لها بفرض رقابة لصيقة على الانحرافات الممكنة في هذا المجال. واعتقد أننا نعيش مشكلا كبيرا على هذا المستوى، عندما تكون المعارضة التي تريد أن تكون معارضة ذات تمثيلية ضعيفة ومشتتة، وعندما تكون معارضة أخرى لا تريد أن تكون معارضة، وتنتظر أول فرصة تتاح أمامها لكي تصبح هي الأخرى جزء من الأغلبية أو على الأقل هكذا يتهيأ لها.