الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: صراع فرنسي من أجل رئاسة معهد العالم العربي؟

يوسف لهلالي: صراع فرنسي من أجل رئاسة معهد العالم العربي؟ يوسف لهلالي
بعد رئاسته لمعهد العالم العربي لثلاثة ولايات متتالية، اعتقد البعض ان جاك لونغ وزير ثقافة فرنسوا ميتران سوف يتقاعد، لكنه أكد للصحفيين حول هذا الموضوع بشكل صارم: "أبدا". كانت هي الإجابة الواضحة والصارمة لجاك لونغ البالغ من العمر 83 سنة، والذي يريد الموت فوق خشبة المسرح الثقافي مثل موليير الذي توفي فوق خشبة المسرح. 
تعيين رئيس لمعهد العالم العربي يقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويزكيه المجلس الأعلى للمعهد الذي يتكون من السفراء ممثلي البلدان العربية بباريس. لا أحد يعرف اليوم قرار ساكن الاليزيه، خاصة أن المرشح والمنافس هو وزير الخارجية السابق جون ادإيف لودريون. وهو من بين السياسيين الأوائل الذين رافقوا الرئيس الحالي في تأسيسه لحركته السياسية الجمهورية الى الامام، وتقلد مسؤولية وزارة الخارجية بعد أن تقلد مسؤولية وزارة الدفاع في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولند. لكن لا أحد طلب من الوزير السابق سحب ترشيحه ولذلك الأمر دلالة لنوايا ساكن الاليزيه.
طبعا الجميع يعرف قدرات وزير الخارجية السابق في المجال السياسي والعلاقات الدولية التي نسجها أثناء تحمله للمسؤولية، خاصة انه تمكن في ولايته كوزير للدفاع والخارجية، بعقد صفقات أسلحة كبرى خاصة مع الجمهورية المصرية والامارات والسعودية، لكنه غير معروف في المجال الثقافي أو من قربه من الفنانين والمثقفين مثل قربه من المقاولات خاصة التي تسوق الأسلحة.
في حين أن وزير الثقافة السابق عندما وصل الى معهد العالم العربي، وجده مثل "حقل متلاشيات جميلة"، قبل أن يتحول الى ورش مستمر للثقافة المرتبطة بالعالم العربي، وتم عقد العديد من المعارض الثقافية كان أبرزها حول الفن المعاصر بالمغرب. كما تم إحداث شهادة لتعلم اللغة العربية معترف بها دوليا مثل الشواهد التي تمنح للذين تعلموا الإنجليزية أو الألمانية.
الرئيس الحالي وفريقه يشتغل على إطلاق متحف للفن العربي المعاصر الى جانب عمل المعهد كمتحف للتاريخ الفن والثقافة العربية بباريس. والذي من المنتظر أن يفتتح ما بين 2025و2026 بفضل المنحة الاستثنائية لأكثر من 1700 عمل فني كبير من طرف كلود وفرانس لومان وبدعم من وزارة الثقافة.
طبعا جاك لونغ بين حصيلته في لقاء مع الصحافة الأسبوع الماضي، بعث برسائل الى قصر الاليزيه، مفادها انه هو الشخص الملائم في المكان المناسب، وهو ما ينتقده المقربون من وزير الخارجية السابق جون ايف لودريون:"عهدة جديدة.. لماذا؟" يقول أحد المقربين للوزير. ليضيف لا بد "من تحويل معهد العالم العربي الى وسيلة للتأثير الجيوسياسي في جهتة في عالم أكثر حساسية بهذه المنطقة، وهي منطقة زارها جون إيف لودريون مند 10 سنوات على رأس وزارات السيادة. يقول المساندون لترشيحه.
جاك لونغ تم تعيينه سنة 2013 وتم تجديد ولايته لثلاثة مرات، ويرغب في ولاية رابعة ويريد الاستمرار، وصرخ انه: "عندما يكون بمكان ما يبقى فيه دائما".
للدفاع عن حصيلته، أصدر جاك لانغ، كتابا من حوالي 300صفحة تحت عنوان: "معهد العالم العربي.. "شغف حياة"، يتحدث فيه عن التحولات التي أحدثها في هذه المؤسسة وعن مشاريعه المستقبلية من أجل تحويل المعهد الى معلمة ثقافية للحضارة العربية بفرنسا. رغم ان العديد من الأصوات الفرنسية تريد تحويله الى مؤسسة متوسطية وبعضها، مثل المقربين من وزير الخارجية السابق، تريد ان يكون له تأثير في مناطق الصين وروسيا.
واستعمل جاك لونغ مند وصوله كل علاقاته من أجل إعادة ترميم هذه المؤسسة خاصة واجهته من الموشاربية والحزانة، وتمكن من الحصول على تمويلات من العديد من البلدان العربية مثل قطر العربية السعودية والامارات. كما لم يتردد في المشاركة في برامج إعلامية بفرنسا للدفاع على اللغة والثقافة العربية وتاريخه الطويل بفرنسا وذلك أمام سياسيين لا يخفون معاداتهم لهذه الثقافة.
تكونت  فكرة تأسيس معهد للعالم العربي منذ ما يقارب الأربعين عاماً، بمبادرة من الملك خالد بن عبد العزيز والرئيس فاليري جيسكار ديستان، تم تجسدت في مشروع هندسي متميز قدمه المعماري جان نوفيل، وأشرف على انجازه  وزير الثقافة جاك لونغ  الذي كان يشرف على المشاريع الكبرى في فترة رئاسة فرانسوا ميتران. 
يقول لونغ حول ذلك:" شاءت الفرصة السعيدة أن اكون أنا المسؤول على البناء الى جانب فرنسوا ميتران، وكان ذلك بمثابة شيء خارق بالنسبة لي، كنت باني هذه المؤسسة عندما كنت وزيرا للثقافة في عهد الرئيس فرنسوا ميتران، وكانت لي مسؤولية تحقيق المشاريع الكبرى، وقد اعطيت مسؤولية تحقيقها الى معماري شاب وهو جون نوفييل آنذاك من أجل تحقيق هذا المشروع. واليوم انا على رأس هذه المؤسسة، ومهمتي منذ وصولي اليها هي  تجديدها، وتنشيطها واعطائها نفسا جديدا."
مشروع جاك لونغ اليوم هو تحويل متحف الفن والثقافة الى أكبر قاعة للعرض بأوروبا يكون مقرها معهد العالم العربي، وهو مشروع يتوفر وزير ثقافة فرنسوا ميتران على الوسائل لتحقيقه. وهو ما سيحول المعهد الى منافس لمتحف اللوفر في مجال الثقافة العربية الإسلامية، والذي يتوفر على شعبة للفنون الإسلامية وكذلك متحف ميتروبوليتان بنيويورك ومتحف البير بلندن.
 لكن الاليزيه هو من سيحسم في هذه المنافسة، والعلاقات التي يتوفر عليها كل مرشح من الطرفين مع الاليزيه ومع العالم العربي ومع قادة بلدانه ستكون هي المقياس الحاسم الذي سوف يختار من خلاله إما التمديد لجاك لونغ، أو وضع جون ايف لوديان مكانه.
وفي انتظار الحسم في الترشيحات، اختار جاك لونغ السفر الى المغرب والى الرباط لحضور افتتاح معرض استثنائي خارج معهد العالم العربي بمتحف محمد السادس، حيث ستعرض عدد من الأعمال الكبرى للمعهد سواء بالرباط، مراكش، فاس وطنجة.