القتل أنواع متعدد، لا ينحصر فقط في إزهاق الأرواح البشرية، قتل الأمل في الأنفس، وقتل الثقة في الحياة في المجتمع، وقتل كل مقومات الديمقراطية.
ففي مجتمع يكثر فيه القتل، وجب نفض اليد من كل طموح أو أمل فيه. مجتمع يسير نحو الخراب العام مهما تعددت المبادرات الإصلاحية والنوايا الحسنة، فهي لا تكفي فالقتل يترصدها في كل جانب.
فمجتمع يعيش تحت انوار الشعارات الرنانة، الادعاءات الزائفة، وخلق تصورات براقة منعدمة الأثر لن تقوم له قائمة. لأن القتل هي السمة التي تحكم كل قواعده، وتتربص بمقوماته أو يشكل ركن من أركان مقوماته .
المجتمع لا تعوزه القواعد الديمقراطية لكن يعوزه الحفاظ على حياتها واستمرارية وجودها.
والفعالية القانونية لا تتوفق على جودة التشريعات ومدى قابليتها الاستجابة للظرفيات والواقع العام للمجتمع وانسجامها مع البيئة الوسطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية فقط، وإنما في تنزيلها وترسيخها كشرط ومكون للحياة المجتمعية وواقع حي ملموس.
فكل القوانين هي ككائن حي في حاجة دائمة لمستلزمات الوجود الفعلي والواقعي تحتضنها وتحصٌنها لاستمرار واستكمال دورتها في الحياة .
القتل مادي أو معنوي كان يبقى هو الإشكاليات الكارثية التي تواجه الإصلاح والتنمية والديمقراطية.
وتجعل كل شعاراتنا المتعلقة بمختلف شؤون الحياة بكل انواعها نظرية أكثر مما هي واقعية، برامج وتخطيط واستراتيجيات حية على الورق، وجثة في الواقع العملي والفعلي.
الأيمان بالديمقراطية كحكم الشعب بالشعب تحت تفعيل قوة وسيطرة سلطة القانون، شرط واجب وشرط وجوبها أن يكون الشعب نفسه متشبعا بأسس وقواعد الديمقراطية فلا يمكن أن نخلق كيانا ديمقراطي بأشخاص غير ديمقراطيين.
الديمقراطية التزام أخلاقي وسلوك سياسي يستوعب المعنى الجدري والحقيقي لمفاهيمها لا تلفظها كشعار وتشريع القوانين لإقرار الشرعية وصياغة الإطار القانوني والطابع الوظيفي للأجهزة الساهرة على المشروعية وبناء الوضع الصحيح واللازم لضمان مقومات مجتمع سليم وسوي ومتساوي يقوم على المساواة الدستورية.
لا ينفعا وحدهما، في ظل سيادة هيمنة غريزة القتل والفتك بكل هذه المبادئ.
وقد يحدث قتل المشروعية بسيف الشرعية.
ففي ظل تواجد قتلة لكل المبادئ الأخلاقية والديمقراطية لا يمكننا الحديث عن تنمية أو نهضة أو أي شيء من هذا القبيل.
فالعديد ممن يرفعون شعار الديمقراطية علنا يناهضونها ويحاربونها ويقتلون كل أسسها سرا.
فالمجتمع به لوبيات عديدة غير مستعدة التخلي عن امتيازاتها المادية والمعنوية وترفض كل تغيير إيجابي لأن كل الفضل لها، في إبقاء الوضع ماهو عليه. وهذه اللوبيات الدونكشيوتية متغلغلة في كل الميادين في الاقتصاد، السياسية.
والمجتمع وفي هياكل ودواليب الدولة وتتحكم في قطاعات مفصلية، لولبيات مغلفة بثوب الحداثة والتحديث وفي جوهرها أساليب التقليدانية طابعها الزبونية والمحسوبية والفكر القلبي. نخبتها لا تنعكس ثقافتها على سلوكها الإجتماعي وإنما كل همها استثمار طاقاتها لخدمة مصالحها الخاصة. فهي تعيش خارج النسق الديمقراطي رغم حملها لشعار الديمقراطية.
فمهما اختلفت مشارب اللوبيات، توحدت مناهجها وكأنها تلعب فوق خشبة مسرح كبير (المجتمع) تتقاسم الأدوار، الشرير والخير، المتسلط والمناضل وتصب فصول المسرحية برمتها في القتل الممنهج في حين أنها تعطي إنطباعا وإعتقادا في اشياء حقيقية بينما هي وهمية..
والقتل هنا تتشابه فيه كل اللوبيات دون استثناء وأصبح السمة الطاغية واللغة المنطوقة برموز ديموقراطية وأساليب وأدوات احتكارية
(حكومة أحزاب، نقابات، جمعيات، شركات) الكل يشكل كارتل سائد ومتسيد مكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) غايته السعي نحو السلطة والتي لا تنحصر في الحكم فقط بل في مجالات متعددة كل مجال له دوره في القتل والقضاء على المنطوق العميق القوانين. وجعله هياكل فارغة يتم حشوها بما يخدم انانية مصالحهم الخاصة.
وختاما نهمس للجميع أن الحق ليس مطالبة، وإنما بدل وعطاء، الحق هو القيام بصيانة حقوق الآخرين، وفك الترابط الحميمي الذي يجمع بين الفرد وقضاء أغراضه الخاصة على مطية المصلحة العامة، وتدبير وتسيير الشأن العام، بتجاوز الشرط القانوني.