الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محـمـد بنـمـبارك: قمة لم الشمل العربي بقطر

محـمـد بنـمـبارك: قمة لم الشمل العربي بقطر محـمـد بنـمـبارك
عبارة " لم الشمل العربي" ترددت كثيرا سياسيا وإعلاميا على مدى سنة كاملة (2022) كشعار اختارته الجزائر بمناسبة احتضان القمة العربية 31، أوائل نوفمبر المنصرم. لكن هذه العبارة استعصى على صاحبها تجسديها على أرض الواقع لتظل ظلت جافة دون أثر، لم تجد صداها لا لدى الحكام العرب ولا عند الشارع العربي. وعلى ما يبدو فإن العبارة كانت تنتظر لحظتها الصادقة المعبرة لكي تحلق عاليا في سماء العروبة والإخاء وتنتشر على نطاق واسع في أبهى صورها، فاختارت أن تحط في قطر وليس بالجزائر، بعدما عثرت على معقلها الحقيقي، حيث أجواء الوحدة والتضامن العفوي النابع من أعماق قلوب وحناجر الجماهير العربية التي حجت إلى قطر لمتابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم، والتي تفاعل مع أجوائها أمير قطر تميم بن حمد، ووالده حمد بن خليفة وباقي أسرة آل ثاني، ومعهم القادة العرب وشعوبهم من الخليج إلى المحيط تآزرا وتآلفا.
لم يكن يدري أحد بعد توديع قمة عربية باهتة باردة بالجزائر، بأن العرب حكاما وشعوبا يخفون في أضلعهم ووجدانهم، روح ونفس (بالفتحة) المشاعر الأخوية التضامنية الجياشة والصادقة، التي كانت تنتظر لحظتها لتنتصر وتتحول إلى فعل ملموس يتخطى كل الحواجز ويقهر كل المعوقات المتكلسة منذ سنوات، والتي تحولت بقدرة قادر من قلق مصير إلى رؤية استشراف بأن العرب لم يفقدوا روح التضامن والإخاء.
هذه الروح تجسدت فعليا في قطر وهي تخوض معركة تنظيم المونديال، ومعها أربع منتخبات عربية مشاركة السعودية، المغرب، تونس وقطر، تطمح إلى تمثيل مشرف للعرب ليس إلا، ليخرج المارد المغربي ويقلب الطاولة على الجميع ويصل إلى المربع الذهبي بكل جدارة وعنفوان بشكل أذهل العالم وأسعد قلوب الجماهير المغربية والعربية والإفريقية.
التضامن العربي كان حاضرا أولا مع قطر، البلد العربي الأول الذي حاز شرف تنظيم هذا الحدث الكروي العالمي، فعمل على مدى عشر سنوات بكل جدية وجهد على تأمين كل مستلزمات ما يتطلبه هذه المحفل من بنيات تحتية رياضية وترفيهية وخدماتية وغيرها لضمان تنظيم مشرف باسم قطر والعرب جميعا.
غير أنه وقبيل انطلاق مباريات كأس العالم بأسابيع شنت الآلة الإعلامية الغربية وعدد من كبار الساسة الأوربيين حملة مسمومة قذرة واسعة النطاق ضد قطر، لتحطيم هذا العرس الكروي، بشكل يحمل في طياته عداء وغطرسة واستعلاء، يجسد ذلك الحقد الدفين لكل ما هو عربي واحتقاره واستصغاره، فكان الرد عربيا قبل أن يكون قطريا من قبل الدول وشعوبها التي عبرت عن تضامنها مع دولة قطر وتشجيعها على إنجازها العظيم بكل تفوق وعن جدارة، بعد أن استكثروا على هذا البلد العربي الصغير جغرافيا تنظيم فعاليات كأس العالم وبمدينة واحدة في ثمانية ملاعب رائعة، في تخريجة فريدة من نوعها على الصعيد العالمي.
برز عنفوان الأخوة العربية أيضا، وفي أبهى صوره لما تفاعلت الجماهير العربية بفلسطين ومصر والأردن ودول الخليج ومصر وموريتانيا وليبيا واليمن وتونس وباقي الأقطار العربية والإفريقية باستثناء الجزائر، مع انتصارات المنتخب المغربي، وتمكنه من الوصول إلى المربع الذهبي بعد الإطاحة بكبار أوروبا كالمنتخب البلجيكي والاسباني والبرتغالي. أظهر خلالها لاعبو المنتخب الوطني عن كعبهم العالي وجدارتهم بثقة ثابتة في القدرة على التغلب على المنافس مهما كان رصيده الكروي العالمي. فكان اللعب من أجل الوطن والراية المغربية والمغاربة. وقد سجل المنتخب المغربي بذلك انجازا تاريخيا عظيما غير مسبوق بعدما أصبح أول منتخب عربي وإفريقي يبلغ المربع الذهبي لكأس العالم. فكانت بذلك لحظات انتصار لأسود الأطلس ستظل محفورة في التاريخ وإلى الأبد.
انهالت التهاني على جلالة الملك محمد السادس من عدد من أشقائه قادة الدول العربية بما حققه المنتخب الوطني من انتصارات وتجاوزه لمنافسين من الحجم الكبير، معربين عن تمنياتهم بالتوفيق للفريق الوطني والرياضة المغربية بمزيد من التألق عربيا ودوليا. تهاني مماثلة توصل بها جلالته من قادة دول إفريقية الذين اعتبروا أن المغرب شرف القارة الإفريقية وعزز موقعها بين الكبار.
وقد حصل المنتخب الوطني المغربي على إجماع المحللين الرياضيين العرب والأجانب، بأنه فريق يلعب بقوة وروح قتالية عالية، مشيدين بالمدرب الوطني وليد الركراكي الذي منح اللاعبين الرغبة والحماس والنجاعة القصوى، مما جعلهم فريقا مثاليا متضامنا مكافحا بلا تهاون. بلاطوهات التحليل الرياضية العربية كانت حماسية تشجيعية صادحة بصوت التضامن والتآزر مع المنتخب المغربي، لطالما شدنا الحنين إلى هذا النوع من الشعور الأخوي الجياش المعبر عن صدق الوقوف العربي في صف واحد إلى جانب الفريق الوطني في مغامرته الجريئة بكأس العالم بقطر.
كسب عناصر المنتخب الوطني احترام وتعاطف الجمهور العربي من خلال عده مواقف وخرجات مدوية، كرفض حارس المرمى " بونو" الحديث بلغات أجنبية وإصراره على الإجابة على أسئلة الإعلاميين والصحافيين باللغة العربية، في خطوة مثالية تدعو وسائل الإعلام الدولية إلى احترام المنتخبات العربية في مشاركتها بالبطولات الدولية، التفاتة جميلة أخرى من جانب عدد من اللاعبين المغاربة لما نزلت أمهاتهم إلى أرضية الملعب في عناق حار بعد نهاية المباراة، اعترافا بجميل الأم وكفاحها في تربيتهم صغارا زمن المحنة، خرجة مغربية أخرى فريدة حظيت باهتمام عربي واسع، لما أعرب مدرب المنتخب الوطني وليد الركراكي عن أحقية المدربين العرب في التدريب بأوربا في رسالة واضحة إلى الأندية الأوربية الكبرى، بعدم استصغار المدرب العربي والتوقف عن هذا التمييز في التفوق.
الغريب في الأمر بل ليس مستغربا، كيف خرج نظام الجزائر عن الإجماع التضامني العربي، معبرا عن مواقف جرت عليه كل أنواع الاستهزاء والسخرية والتهكم، لما عمد على تجاهل انتصارات بل حتى نتائج مباريات المنتخب المغربي التي دوت بالوطن العربي وإفريقيا بل والعالم أجمع. الجزائر التي خيم على نظامها بشكل منعزل اليأس والإحباط والحقد والضغينة، في موقف شاذ لما أعرب إعلامه الرسمي عن الأسف والتعاطف مع دول كإسبانيا والبرتغال وهي تغادر المونديال خالية الوفاض. وفي موقف معاكس احتفى الشعب الجزائري وعدد من كبار اللاعبين الجزائري والإعلاميين المستقلين بفوز المنتخب الوطني معبرين عن مساندتهم ودعمهم لأسود الأطلس.
مثلت الفرحة العارمة التي عبرت عنها الجماهير العربية وقادتها ملوكا وأمراء ورؤساء، وصدحت بها أصواتها من الخليج إلى المحيط، دليلا على قوة الشعور بالتماهي التلقائي والتآخي المتجدر بين الشعوب العربية في كل أرجاء الوطن العربي. في مجملها كانت تعابير وخرجات ومؤشرات تبعث على الاطمئنان وعلى الارتياح والتفاؤل العميق، باستمرارية ودوام حضور ذلك الشعور العميق بقوة وصلابة أواصر الأخوة والإحساس المتجدر بوحدة مصير الأمة العربية.
لقد عاش الوطن العربي أياما سعيدة من التضامن والفرحة والفرجة متوجا بنجاح قطر في تنظيم المونديال، منتشيا بانتصارات الفريق الوطني وانجازه غير المسبوق، معتبرين أن المعجزة المغربية والقطرية رفعت رأس العرب عاليا. فكانت بذلك قمة عربية حقيقية لمت شمل قادة وشعوب العالم العربي.