الثلاثاء 23 إبريل 2024
خارج الحدود

بين الجزائر وباريس علاقة "حميمية".. غضب ونفور ثم تودُّد فعودة إلى "بيت الطاعة"

بين الجزائر وباريس علاقة "حميمية".. غضب ونفور ثم تودُّد فعودة إلى "بيت الطاعة" الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون وسط الحشد

 أشار كتاب "باريس والجزائر.. قصة حميمية" للصحفييْن الفرنسييْن "كريستوف دوبوا" و"ماري كريستيان تابيت" إلى أن السلطات الجزائرية تتقرب من نظيرتها الفرنسية، وكان  الرئيس الراحل المخلوع عبد العزيز بوتفليقة لا يتوانى عن إبراز ما أسماه بـ"حب الجزائريين لفرنسا والإشادة بالعلاقات الثنائية بين البلدين"، واستعداده لإرضائهم بشتى الوسائل بما فيها مفاضلة الشركات الفرنسية، وبناء مصنع "رونو" في مدينة وهران رغم افتقاده للجدوى الاقتصادية والاستراتيجية (والذي لم يكتب له النجاح وفشل فشلا ذريعا لأنه لم يكُن مشروعا للجزائر  بل كان لمجاراة مصانع المغرب).

وأرجع الصحفيان العاملان في القناة الفرنسية الأولى بداية "القصة الحميمية" إلى العام 2006، حين حمّل الرئيس الفرنسي السابق "فرانسوا هولاند" خلال سباق الرئاسيات سلفه "نيكولا ساركوزي" مسؤولية جمود العلاقات مع الجزائر، وكانت أول وجهة له في المنطقة بعد دخوله قصر الإليزيه هي الجزائر، وحظي حينها باستقبال شعبي ورسمي لافت.

وكشف كتاب "باريس والجزائر.. قصة حميمية" الصادر في 15 أبريل 2015، بباريس، عن تحويل مسؤولين جزائريين مبلغ بقيمة 50 مليار يورو في شكل استثمارات ومدخرات وعقارات في أرقى الأحياء الباريسية والمدن الفرنسية، كما تناقلته العديد من وكالات الأنباء العربية والدولية  عبر مقالات تمّ نشرها في جرائدها أو قنواتها أو مناقشتها في برامجها التلفزيونية.

وفي 378 صفحة، تناول الكتاب العلاقات بين العاصمتين وتركيبة وطريقة عمل النظام الحاكم في الجزائر، إلى جانب ما قال إنها أملاك لمسؤولين جزائريين حاليين وسابقين في أحياء باريسية راقية.

وخلف الكتاب جدلا في الجزائر بين اعتباره "مؤامرة" ونفي لمضمونه من قبل شخصيات مقربة من النظام الحاكم، ومطالب بالتحقيق في مضمونه من قبل معارضين، في وقت تلتزم فيه الحكومة والرئاسة الصمت بشأنه.

وخصص الصحفيان فصلا كاملا للحديث عن النظام الجزائري وطريقة عمله من الداخل، حيث ورد في الكتاب أن هناك "ثلاثة أقطاب تسير النظام الحاكم في البلاد؛ هي الرئاسة والجيش والمخابرات، في إطار توازنات، غير أن العلاقة بينها تتأرجح بين التكامل والصراع".

ونشر الكاتبان ما قالا إنها أملاك فاخرة لشريف رحماني، وهو وزير لعدة سنوات في الجزائر (1993- 2012)، حيث "يمتلك شقة فاخرة في الدائرة 16 بالعاصمة الفرنسية رغم أن سيرته الذاتية لا تشير إلى أي مصدر للأموال التي أنفقها على شراء تلك الشقة بأحد أرقى شوارع باريس"، وفق ما ورد في الكتاب.

وغاص الكتاب الذي جاء بشكل تحقيق في عمق العلاقات "المعقدة والمتذبذبة" على المستوى السياسي بين باريس والجزائر منذ استقلال الجزائر عام 1962، مشيرا إلى أن التعاون الأمني بين البلدين "لم يتأثر" بالأزمات السياسية، وذلك استنادا إلى مصادر دبلوماسية وأمنية.

وخصص الصحفيان فصلا كاملا للحديث عن النظام الجزائري وطريقة عمله من الداخل، حيث ورد في الكتاب أن هناك "ثلاثة أقطاب تسير النظام الحاكم في البلاد؛ هي الرئاسة والجيش والمخابرات، في إطار توازنات، غير أن العلاقة بينها تتأرجح بين التكامل والصراع".

وكشف عن مدخرات وعقارات ومصالح مالية في أرقى الأحياء والمدن الفرنسية، يمتلكها العديد من الشخصيات السابقة والحالية في السلطة، وذكر عائلة الوزير الأول عبد المالك سلال، ووزير الصناعة والمناجم الحالي عبد السلام بوشوارب، والوزير السابق للصناعة شريف رحماني، ووزير المجاهدين (قدماء المحاربين) محمد الشريف عباس، والرجل الأول في الحزب الحاكم عمار سعداني.

وورد في المؤلف أن "وزير الصناعة الحالي عبد السلام بوشوارب، ضبط في 26 يونيو 2006، متوجها إلى مكتب توثيق يقع بشارع سان جرمان بباريس، لتوقيع عقد شراء عقارين بمساحة 156 مترا مربعا، بقيمة 1.18 مليون يورو، منها 580 ألف يورو دفعت نقدا، فيما سدد المبلغ المتبقي، وهو 600 ألف يورو، في شكل سلفة مؤقتة بعد سنة".

وقال عبدالرحمن دحمان المستشار السابق للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأسبق، إنه بصدد مقاضاة عدد من البنوك الفرنسية، آنذاك، لعدم تطبيقها شرط الكشف عن مصدر الثروة، على الأسماء التي وردت في الكتاب، مستغربا إيداع هؤلاء لأموال طائلة دون أيّ مساءلة من البنوك الفرنسية أو المصالح المختصة.

وأضاف دحمان في تصريح لـ"العرب": "سمح لي عملي مع ساركوزي بالاطلاع على الكثير من الخفايا، سأتخذ من الكتاب مرجعا لدعواي ضد البنوك الفرنسية، لأنها قبلت أموالا مشبوهة وغفلت عن تطبيق القانون، وإذا كان لسلطتيْ البلدين رأي آخر فلتكشف عنه للرأي العام، وتوضح حقيقة الوقائع والشخصيات التي وردت أسماؤها في الكتاب".

وعاد الكتاب إلى بدايات حكم بوتفليقة، بالقول: "في عام 2000، اقترح بوتفليقة على "الفتى الذهبي" آنذاك، صاحب المجمع المنهار عبدالمؤمن خليفة، إنشاء قناة تلفزيونية في فرنسا بمساعدة الحكومة الجزائرية، واشترط أن يكون ضمن الطاقم الإداري والصحفي كفاءات فرنسية، وهو ما كلفه النهاية التراجيدية للمجمع ولشخصه وأوقعه تحت طائلة المطاردة والقضاء والسجون."

من جهة أخرى، كشفت مجلة "جون أفريك" أن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون سيقوم بزيارة رسمية الى الجزائر يوم 25 غشت الجاري على رأس وفد وزاري هام تتقدمهم كاترين كولون، وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية بالإضافة إلى مسؤولين آخرين في الحكومة.

تبدّد غضب الرئيس الفرنسي ماكرون على النظام الجزائري، بجنرالات ثكنة بن عكنون ومسؤوليه الرئاسيين والحكوميين بقصر المرادية، وعبّر عن رضاه على الحاكمين بالجزائر وتجاوز تجاهله لهم، وقرر زيارة الجزائر المقاطعة السابقة  للاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا والتي تمّ منحها تقرير المصير باستفتاء سنة 1962، نتج عته قرار الجنرال ديغول الرحيل والتخلي عن هذه المستعمرة التي أنشأها بمرسوم وأعطاها اسم الجزائر بعد أن أضاف إليها أجزاء من أراضي الدول المجاورة الحدودية، المغرب ومالي وتونس وليبيا وهذه الأخيرة كانت تخضع للاستعمار الإيطالي.

وتكتسي زيارة ماكرون، حسب الإعلام الجزائري العسكري المنتشي حدّ الثمالة بهذه الزيارة "السعيدة والمباركة" (إن تمّت)،  "أهمية بالغة نظرا للملفات الشائكة التي من المنتظر أن تطرح على طاولة النقاش بين البلدين من طبيعة العلاقات الثنائية الى العلاقات الاقتصادية والملفات الدولية بالإضافة إلى الذاكرة وملف تنقل الأشخاص".

ويتمنى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، (الذي قال عنه الرئيس الفرنسي ماكرون إنه رهينة النظام العسكري الجزائري وأن الجزائر لم تكن أمة)، رضا فرنسا  بإيجاد حلول لمسألة التاشيرة علماً  أن باريس قررت تقليص كوطة التأشيرات الممنوحة للجزائريين بحوالي 50 بالمائة، حيث تم رفض أكثر من 32 الف طلب تأشيرة سنة 2021 حسب موقع "شنغن فيزا انفو"،  وطلب الاستثمارات الفرنسية في الجزائر والتعاون في مجال الطاقة، علما أن الاستثمارات الفرنسية تراجعت كثيرا في السنوات الاخيرة لصالح قوى اقتصادية أخرى على غرار الصين، تركيا وإيطاليا.

مرّغ  الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  أنوف النظام العسكري الجزائري وأزلامه في قصر المرادية في التراب ورضوا بذلك،  وتعْمد المستعمر الفرنسي إلى  إذلالهم وإهانتهم بمختلف الوسائل والطرق والتصريحات والتمليحات،  رغم تودُّدِهم له وتوسلاتهم واستعطافهم  وتقبيلهم لأعتابه  طلبا لالتفاتة واحدة  بزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للجزائر ولو لساعة واحدة.

للتذكير فقط، الجزائر هي مستعمرة فرنسية سابقة (1830- 1962)، وهو ما جعل العلاقات بين البلدين تتميز بحساسية كبيرة منذ استقلال الجزائر بسبب مطالب داخلية رسمية وشعبية للاعتراف بجرائم الاستعمار ترفضها باريس، رغم أن معارضين في الجزائر يقولون إن باريس لديها نفوذ كبير سياسيا واقتصاديا في مستعمرتها القديمة.