الثلاثاء 19 مارس 2024
موضة و مشاهير

علي قيوح.. رحيل شخصية عصامية سوسية اجتمع فيه ما تفرق في غيره

علي قيوح.. رحيل شخصية عصامية سوسية اجتمع فيه ما تفرق في غيره الراحل علي قيوح
ووري الثرى عصر الأحد 3يوليوز 2022 بمقبرة ادأهل الرمل، ضواحي تارودانت، الحاج علي قيوح، الاستقلالي الذي نذر حياته من أجل السياسة، ومن أجل الفلاح والفقير. 
ينادونه  ”بابا علي” أو “بابا الحاج” ، أو بلقب “الحاج” فقط … نادرا ما تسمع شخصا يناديه بلقب “السيد الرئيس”، أو غيرها من النعوت الوظيفية. حتى في الاجتماعات الرسمية التي يرأسها أو يحضر أشغالها … منبع ذلك هو المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها هذا الرجل التسعيني لدى المسؤولين، ولدى مختلف فئات المجتمع في جهة سوس ماسة، ومنطقة درعة، وكذا لدى العديد من الأوساط في مختلف جهات المملكة.
الراحل علي قيوح، ابن هوارة(تارودانت) قيدوم المنتخبين الجماعيين والبرلمانيين في جهة سوس ماسة، حيث ظل حاضرا، منذ الحزب الوطني الديمقراطي ثم حزب الاستقلال، وبقوة لافتة في المشهد السياسي المحلي والجهوي والوطني منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي. هو أيضا عميد الفلاحين، بمختلف فئاتهم ، حيث ظل صوتا ناطقا ومدافعا مستميتا عن مصالحهم لدى مختلف المسؤولين، سواء من موقعه كرئيس للغرفة الفلاحية، أو من تحت قبة البرلمان، وحتى لدى شركاء المغرب في أوروبا وغيرها من البلدان الأجنبية.
وعلاوة على كل ذلك الراحل“بابا علي”،  اجتمعت في حياته صفات الإنسان والأب الذي لا يدع الفرصة تمر دون أن يعبر بكامل التلقائية والعفوية عن عطفه الأبوي المتدفق اتجاه كل من بادله التحية ، أو قصده في بيته أو مكتبه بمقر الغرفة الفلاحية لسوس ماسة، أو لدى مغادرته لأحد الاجتماعات ، طالبا مساعدته في حل مشكل إداري وحتى عائلي، أو طلب معونة ما، أو الحصول على دعم لتجاوز بعض الصعاب التي قد تعترض الانسان في حياته اليومية.
 
بذل الحاج علي قيوح على امتداد عقود متتالية من حياته المهنية والسياسية، جهودا من أجل الدفع قدما بالنهضة الزراعية المتواصلة في جهة سوس ماسة، سواء من خلاله سعيه إلى التشجيع على البحث العلمي وتوفير أسباب ووسائل تطويره، أو من خلال إصراره  على دعم الفلاحين والوقوف إلى جانبهم، لاسيما في حالات الشدة الناجمة إما عن قلة التساقطات المطرية، أو عن أزمات التصدير، أو عسر في التمويل، أو غير ذلك من مواقف الدعم والمساندة التي يشهد بها مختلف فئات الفلاحين تجاه الفقيد.
هذه الخصال وهذه التجربة المهنية والإنسانية المكتسبة لدى المرحوم الحاج علي قيوح ، ليست مجرد كلام أو ضربا من المجاملة، بل هي حصيلة عقود متتالية من الكد والاجتهاد جعلت الرأي الإستشاري ل”بابا علي” مطلوبا، وفي بعض الأحيان لا غنى عنه، لدى العديد من الهيئات المهنية الرائدة في المجال الفلاحي، وكذا لدى عدد من المسؤولين عن الإدارات العمومية الجهوية والوطنية.
 
وخلال لقاء تكريمي سابق، نوه فاعلون بصواب ودقة الأفكار التي يعبر عنها الحاج علي قيوح في الاجتماعات التي تعقدها “جامعة الغرف الفلاحية”، و”الجمعية المغربية لمنتجي الحوامض بالمغرب”، و”جمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه بالمغرب”، و”المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة”، و”الوكالة المستقلة لتنسيق ومراقبة الصادرات” و”الفيدرالية البيمهنية المغربية لإنتاج وتصدير الفواكه والخضر”، و”وكالة الحوض المائي لسوس ماسة” وغيرها من المؤسسات والهيئات ذات الصلة بالمجال الفلاحي .
 
بذات الروح التي تنم عن اهتمام صادق بقضايا الشأن الفلاحي ، كانت تظهر الشخصية المتميزة ل”بابا الحاج” قيد حياته كفاعل سياسي، خلال اجتماعات الهيئات التي كان ولا زال يحظى بالعضوية فيها، محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، حيث كانت آراؤه دائما محط تنويه وتقدير، حتى من طرف من لا يتقاسمون معه الانتماء الحزبي ، وذلك لدرجة تصل حد تكسير ثنائية “الأغلبية / المعارضة” المتعارف عليها في الأدبيات الكلاسيكية للعمل السياسي .
 
وبنفس القدر من الاهتمام الذي يتتبع به المجتمعون الأفكار التي يعبر عنها ، سواء في اللقاءات المهنية أو السياسية، كان التشوق حاضر أيضا لدى المجتمعين للاستمتاع من حين لآخر بلحظات من الانشراح التي يضفيها “بابا الحاج” على الاجتماعات بفعل تلقائيته في سرد بعض المستملحات الرقيقة التي غالبا ما كانت تخفف من أجواء التعب أو الإرهاق التي تخيم على الإجتماعات المطولة، أو اللقاءات التي يشتد فيها الأخذ والرد بين المتدخلين.
 
هذه المستملحات وإن كانت تبعث عن الانشراح والترويح عن نفوس الأشخاص الذين شاءت الظروف أن يلتقوا مع  “بابا علي”، فإنها في العمق تترجم جانبا آخر من شخصية الفقيد الحاج علي قيوح ، وهي شخصية الانسان المتشبع بالثقافة الشعبية "تاماغربيت"،في تجلياتها المختلفة والمتنوعة ، لاسيما في الجانب المتعلق منها بالأمثال الشعبية ذات المعاني والدلالات العميقة ، والتي يمتلك قدرة هائلة على ربطها مع بعض المواقف المعبر عنها خلال الاجتماعات التي يحضرها.
ولم تكن تقتصر مظاهر الشخصية الفذة للراحل علي قيوح عند هذا الحد، بل كانت تتعداه لتأخذ تجليات أخرى تعكس الأخلاق الرفيعة التي تطبع الشخصية المغربية المتميزة بحرصها الدائم على تجديد الصلة مع عدد من السلوكات الفضلى والرفيعة، وفي مقدمتها إكرام الضيف، ومحبة أهل العلم وحملة القرآن، والاعتزاز بالانتماء إلى وطن إسمه المغرب، والدعاء الدائم بالتمكين للملك محمد السادس.
رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته. إنا لله وانا اليه راجعون.