السبت 11 مايو 2024
فن وثقافة

"آبُوعْبِيدْ... آبُوعْبِيدْ"... بارود الطّريقة الشّرقاوية وساكن سيدي قاسم بُوعَسْرِيّةْ

"آبُوعْبِيدْ... آبُوعْبِيدْ"... بارود الطّريقة الشّرقاوية وساكن سيدي قاسم بُوعَسْرِيّةْ ضريح الولي بوعبيد الشرقي مع الأستاذ عبد الرحيم شراد

كنت دائم التساؤل عن سر العلاقة التي تربطنا نحن "الشْرَارْدَةْ" الذين نستوطن الغرب، بـ "شَرْقَاوَةْ" الذين يستوطنون منطقة أبي الجعد معقل الولي الصالح سيدي بُوعْبِيدْ اَلشَّرْقِي وكيف أننا نشترك معا في نفس أسلوب وطريقة اللعب بمكحلة البارود (اَلطَّرِيقَةْ اَلشَّرْقَاوِيَّةْ) حتى قادني سر البحث عن هذه العلاقة إلى أصول "السَّاكَنْ الشَّرْقَاوِي" في الغناء الشعبي.

إن سر هذا "السَّاكَنْ" مرتبط بقصة الولي الصالح سيدي قاسم بُوعَسْرِيَّةْ وما جرى له مع سيدي بُوعْبِيدْ الشَّرْقِي. يقول أحمد الناصري في كتابه "الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، والحديث هنا عن سيدي قاسم بُوعَسْرِيَّةْ:

"يقال أنه حُمِلَ وهو صبي إلى الشيخ أبي عبيد الشّرقي. فبرك عليه ودعا بقِراب من ماء فصُبَّت عليه، و قال لولا أنَّا برَّدْنا هذا الصبي لأحرقته الأنوار". سأقف عند كلمة الأنوار لكي أشرح الأمر.

هناك "سَاكَنْ" يردده جيلالة يقول "عَنْدْنَا بُوهَالِي وَاحَدْ. السّْمِيَّةْ سِيدِي قَاسَمْ. لَكْنِيَّةْ بُوعَسْرِيَّةْ". إن الأصل في هذه العبارة أنها لأبي عبيد الشرقي حيث قال لأتباعه بعد أن رأى الصبي: "جَا عَنْدْنَا بُوهَالِي وَاحَدْ السْمِيَّةْ سِيدِي قَاسَمْ لَكْنِيَّةْ بُوعَسْرِيَّةْ"، و حين أفرغ على الصبي دلو الماء . قال لأتباعه لو لم أفعل هذا لأحرقته الأنوار، فردوا عليه: "الشَّرْقَاوِي يَا بُوعْبِيدْ شَعْشَعْ نُورَكْ فِي اَلِّلي بْعِيدْ"، لأن الصبي جاء من بلاد أزغار بالغرب (مدينة سيدي قاسم حاليا).

إن العبارة الأخيرة هي التي شكلت في ما بعد نواة "السَّاكَنْ الشَّرْقَاوِي" الذي يتغنى به الناس. وفي هذا "السَّاكَنْ" يتردد إسم "آ بُوعْبِيدْ آ بُوعْبِيدْ". و هذا ما يطابق قول أحمد الناصري في كتابه الإستقصا: "و لِذا كان يهتف كثيرا بأبي عبيد" (آ بُوعْبِيدْ . آ بُوعْبِيدْ) . بعدها سوف تتحول عبارة "شَعْشَعْ نُورَكْ فِي اَلِّلي بْعِيدْ"، على يد العامة إلى "بْغَيْتْ نْزُورَكْ جِيتِي بْعِيدْ".

أكيد أن سيدي قاسم بُوعَسْرِيَّةْ تردد على أبي عبيد الشرقي أكثر من مرة. فقد أخذ عنه الكثير حتى أصبحت طريقته في التصوف معروفة بالطريقة الشَّرْقَاوِيَّةْ اَلْقَاسِمِيَّةْ. كما أنه رافق ابن أبي عبيد، المسمى "الْغَزْوَانِي" و المكنى بِـ "بُوشَاقُورْ" نسبة إلى شجاعته. و زاره في حياته أكثر من مرة : "رَا أَنَا جِيتَكْ جَايْ نْزُورْ اَلْغَزْوَانِي بُوشَاقُورْ".

يقول محمد بن الصغير المراكشي في كتابه "صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر"، عن سيدي قاسم بُوعَسْرِيَّةْ: "كان في بادئ أمره معدودا من شجعان قبيلته ومن أهل الفروسية ".

إن هذا هو ما جعلنا نحن الشراردة نمارس لعبة التبوريدة على الطريقة الشرقاوية . فنحن نستوطن منطقة "أَزْغَارْ" التي ولد فيها سيدي قاسم بوعسرية. وبها يوجد ضريحه مطلا على وادي ارضم وهو أحد روافد وادي بهت، ويمكن أن تراه و أنت تمتطي القطار المتجه نحو مدينة مكناس .

إن "سَاكْنْ الشَّرْقَاوِي يَا بُوعْبِيدْ" رغم ما تعرض له من تحريف بقي متضمنا لبعض الإشارات المرتبطة بكل ما ذكرت . منها "الشَّرْقَاوِي يَا بُوعْبِيدْ هُوَّ يْفَرَّشْ وُ يْغَطِّي".

يقول صاحب كتاب "صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر" أن سيدي قاسم بوعسرية لما ظهر عليه ما ظهر : "فإذا اعتراه الحال يمزق ثيابه و يبقى متجردا ومع ذلك لا ترى عورته ". فغير مستبعد أنه زار شيخه وهو على هذه الحال (بُوهَالِي) يهيم عاريا مجردا من اللباس، حيث كان يترك أهله لشهور، فكان شيخه بوعبيد الشرقي يغطيه ويبسط له الفراش كلما زاره: "هُوَّ يْفَرَّشْ وُ يْغَطِّي".

ذات مرة بمناسبة أحد مواسم التبوريدة براس العين الشاوية، كان أحد المطربين الشعبيين بكمنجته يغني "سَاكَنْ الشَّرْقَاوِي يَا بُوعَبِيدْ"، و كان يغني بكلام يقول فيه: "نُوضُو نُوضُو أَيَا مْزَابْ. نُوضُو تْزُورُو حَمْرْ التْرَابْ. الشَّرْقَاوِي يَا بُوعْبِيدْ". و حين عرف أنني شَرَّادِي من الغرب و لست من مْزَابْ قال مرددا في الغناء: "الشّْرَارْدَةْ لِيكْ جَايِّينْ . مْكَاحَلْهُمْ عَامْرِينْ. الشَّرْقَاوِي يَا بُوعْبِيدْ. شَعْشَعْ نُورَكْ فِي اَلِّلي بْعِيدْ. مَاذَا قَالُو مَاذَا دْوَاوْ. مَاذَا قَوَّاوْ فِي عْجُوبِي".

لا أنكر أن غناء هذا المطرب الجوال فتح علي باب شجن وحنين لم أدرك رغم إحساسي ساعتها معناه.