الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب الدبيش: إلى السيد المحترم عبدالمجيد تبون

عبد الوهاب الدبيش: إلى السيد المحترم عبدالمجيد تبون عبد الوهاب الدبيش
لا افهم كيف تحولت الجزائر الشقيقة في عهدكم الى بلد لا يصدر منه غير الاتهام والتخوين المرافق بكل انواع السب والشتم والقذف. ولا يصدر عن اعلام دولتكم غير التهديد بالاجتياح الذي سينهي المملكة المغربية في بضع ساعات او حتى في يومين. وكأني بمن قالها يتخيل نفسه يتجول في حديقة خاوية لا شعب فيها ولا مواطنين ولا دولة ولا هم يحزنون.
تصريحات مخجلة ومضحكة في نفس الوقت وأحيانا من فم رئيس دولة منتخب كان من الاجدر ان يلتزم واجب التحفظ فرؤساء الدول لهم هيبتهم ومكانتهم التي يفرضها واقع العلاقات الدبلوماسية بين الدول
هل تهجم عليكم ملك المغرب لفظيا وفي خطاب رسمي؟!ما اعلمه ان ملك المغرب توجه فعلا اليكم بدعوة في خطاب العرش يوم واحد وثلاثين يوليوز؛ داعيا الى فتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية الجزائرية بدون شروط.
هل اعتبرتم هذه الدعوة؛ واجزم ان ملك المغرب كان فيها صادقا؛ تهجما على الجزائر او على شعبها الطيب ؟! لا أعتقد.
كانت الاجابة والرد، والواقع انه كان متوقعا، هي قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ ثم استتبعتم ذلك بقطع المجال الجوي وعدم السماح بمرور الطائرات المدنية في الاجواء الجزائرية. وهذه ايضا خطوة كانت منتظرة منكم بالنظر الى التصريحات المنافية للاخلاق والاعراف الدبلوماسية حتى لا اقول العدوانية ضد المغرب. واستكملتم اجراءاتكم بقطع انبوب الغاز المار بتراب المملكة؛ حتى وان كان سيخل بالتزاماتكم مع الأوروبيين، هل اعتقدتم ان ذلك سيجبر المغاربة الى العودة الى زمن الحطب.. ههه؟!!
الكل كان يعرف ويفهم اللغة المستعملة في توجيه الاتهامات والوعيد وكأني بكم تجهزون طبول الحرب على نمط العصور القديمة حيث تلتقي الجيوش في معركة حامية الوطيس لأجل الدفاع عن الجزائر المستباحة وعن عرضها المنتهك وشرفها المداس !؟
كان يتم كل هذا امام انظار العالم وكاميراته وإعلامه؛ ولم يعلقوا بجملة واحدة لأنهم يعلمون ان التهديدات مجرد فقاعات تنفجر وتضيع بمجرد ملامستها للهواء.
الحرب يا فخامة الرئيس ليست نزهة ولا هي استعراض قوة امام العالم الذي يرى ويشاهد. الحرب ياسيدي دمار وخراب وشتات وموت وجرح وسبي ومآسي وتهجير واحزان.
لقد جربت بلادكم الحرب بل الحروب؛ فلماذا لا تنهجون سياسة تجنبها تاريخ يؤكد فقط انكم تزيدون من انخراط الجزائر في دوامة عنف مستمرة لا نهاية لها ؟!الم يحن الوقت لكي تصبح الجزائر بلدا مستقلا مسالما يعيش مواطنوه الطيبون في سلام وفي نعمة وفي جو من الهدوء يكون له نعمة وقرارا ؟!
الم ينته هذا التاريخ الذي دفع الباحثين الى وصفه بانه تاريخ حروب وقتل وسبي وووو؟!ومتى سيحل السلم والاخاء والهدوء في هذا المجتمع إذا لم تعملوا أنتم واعلامكم على صنع زمن السلم والود بدل انتاج خطاب العنف والدمار عندنا وعندكم ايضا مثل يقول الفم الذي تخرج منه كلمات جارجه هو نفسه من يخرج كلمات طيبة لها وقع ايجابي على النفوس؛ وتخلق البسمة والود على الشفاه بدل الغضب.
كان يجب عليك في الحقيقة ان تحيط نفسك بمن يصنعون للجزائر علاقات ودية مع جيرانها بدل ما يصنعون الآن. هؤلاء في الواقع لا يحبون الشعب الجزائري الذي يحتاج الى كثير من الزمن ليبني ويشيد وينتج ويستهلك ويسيح في بلده وفي بلدان أخرى؛ بدل أن يعيش في الرعب الذي ينتجه مواطنوه من عديمي الضمير فئة لا تعرف للخير سبيلا
السلم ايها الرجل يصنعه الرجال الذين ينظرون الى المستقبل في احد الخطابات او التصريحات التي قالها الراحل بوتفليقة قال ان الجغرافيا لن تتغير وليس باستطاعتك ولا نحن ان نزبح الجوار بين بلدينا.
الجوار والمصير المشترك والمصلحة تقتضي ان يكون الود والاخاء ذلك الخيط الرفيع بين البلدين.
طيلة سبع واربعين سنة وأنتم ضد مصلحة استكمال الوحدة الترابية للمملكة لست بحاجة هنا الى ان اعطيك شواهد تاريخية على ما اقول في احقيتنا بما لدينا؛ بل لنا أكثر ولم ننتفض يوم أعلن الراحل الحسن الثاني عن ان لا مشكلة حدودية بيننا وبين الجزائر في خطاب مؤتمر الوحدة الافريقية بالرباط يوم 12يونيو 1972هذه اعجبتكم وصفقتم لها وكم أثارني الراحل بومدين وهو يستمع الى ما قاله الحسن الثاني والابتسامة على محياه.
التاريخ لا يرحم يا سيدي والشواهد المصورةً موجودة والكل يعرف هذا؛ لكنكم لم تلتقطوا الرسالة لان انهاء المشكل الحدودي معكم كان يعني الحصول على تضامنكم معنا في استكمال الوحدة الترابية بالأقاليم التي كانت اسبانيا ترغب في منحها الاستقلال ضدا على التاريخ وتجاوزا للأعراف التاريخية فنحن بالنسبة اليها العدو الاستراتيجي الأول .
لماذا تصرون على انكار المقاربة التاريخية للمشكلة؛ آه لأنكم تخوفتم من وضع توات والقنادسة وگورارة وبشار وتندوف وتيدكلي التي كانت مغربية قبل ان تستولي عليها فرنسا منذ 1843والى غاية 1906
هذا تاريخ لا يموت ولا يمحى من الذاكرة الشعبية كم مرة سألت جزائريين عن هذا الصراع مع الجار المغربي. ولماذا انتم مصرون على اعتبارنا أعداء؛ رغم ان الشعب المغربي يبادلكم محبة لا يعلم صدقها غير الله ؟ فكانت اجابتهم اننا هاجمناكم سنة 1963وواقع الحال يؤكد انكم كنتم وكنا ضحية صراع بيننا وبين عبد الناصر الذي استخدمكم لغاية يعلمها وهي ازاحة الانظمة الملكية من العالم العربي فلا هو ازاحها ولا هو حافظ على بلاده وبلاد جيرانه التي فقدوها في ستة ايام من ايام يونيو المشؤومة سنة1967.
سأعطيك مثالا واحدا فقط وهو مثال بعيد وغارق في اعماق التاريخ هل تعلم انه يوجد في مدينة فاس مسجد يسمى بمسجد الصابرين الذين اجتمعوا فيه معتصمين في زمن أبي الربيع سليمان المريني الذي كان يحاصر مدينة تلمسان فاعتصموا به حتى مات منهم شيخ وولي صوفي مشهور اسمه ابو زيد عبد الرحمان الهزميري المتوفي سنة 706هجرية وقبره معروف بهذه المدينة مات دفاعا عن اخوته في تلمسان!.
تدعون محبتكم الشعب المغربي وأنتم أحد الشهود على طرد أكثر من خمسة واربعين ألف عائلة في صبيحة عيد اضحى لعام 1975 في يوم صقيعي ماطر. وكأنهم أسري حرب عراة حفاة من دون مستلزماتهم ولا مال.
صادرتم كل ما يملكون في بلادكم؛ أموال مودعة في الأبناك، ومنازل، وأراضي زراعية، لم ترحموهم وهم فئة ممن ساندوكم في ثورتكم ضد الفرنسيين. أي نوع من الناس أنتم حتى تقوموا بفعل شنيع مثل هذا؟!واي اخوة تدعونها الشعب المغربي بفعلكم هذا ؟!
طيلة سبع وأربعين عاما ونحن نحارب إخوة لنا ارادوا الانفصال عن موطنهم منحتموهم السلاح والمال على حساب مدخرات الشعب الجزائري التي كان من الانسب والأليق ان تتجه لصناعة ازدهاره ونموه وتطوره
هل في اعتقادكم يمكن ان اعتبر ان بعض الافراد من گلميم وطاطا وطانطان وأقا وطرفاية ينتمون إلى الاقاليم التي تدعون ان المغرب يحتلها ؟! بالله عليكم هل يحتل المغرب أرضه ؟!
هل تعلمون ان معظم اعضاء جبهة البوليساريو الانفصالية لهم اعمام واخوال واخوة في المغرب وفي المدن التي ذكرتها لكم فكيف اذن تسمحون لأنفسكم بتمويل وتسليح مغاربة ضد بلدهم
اه فهمت تدعون صراعكم مع المخزن اومع القصر كما تعودت ان اسمع منكم ومن مسؤولين جزائريين.
نحن يا سيدي تصالحنا مع المخزن واختار المغاربة نظامهم الملكي. لا اخفيك اننا مررنا بتاريخ مليء بالصراع لكنه صراع ونقاش حول السبل اللائقة لبناء دولة ديمقراطية يعيش فيها الجميع.
والطريق الى هذا النموذج ليس بالأمر اليسير لكننا سنصل الى ذلك عاجلا ام آجلا. لسنا أغنياء فنحن لا نملك موارد الجزائر وليست لدينا آبار نفط ولا غاز ومع ذلك استطعنا ان نخرج من ازماتنا الاقتصادية التي جاءت بسبب الحرب التي فرضتموها علينا طيلة نصف قرن.
وقد اجزم ان صورة بلادي احسن بكثير مما كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي..بل انها الافضل في منطقة بلدان المغرب الكبير بشهادة العالم كله.
شخصيا لا أدعوك لكي تغير من الامر شيئا فأنا على يقين تام بأنك لا تملك ناصية هذا القرار الذي يبدو انه يتجاوزك بشكل غير مألوف ويدعو الى التساؤل من قبل من يعنيه وضع الجزائر.
ولأني أنتمي إلى بلد تعتبرونه عدوا فلن يكون لموضوعية الرأي أو الحكم الذي أصدره أي قيمة في الجهة الاخرى التي لن ترى فيه غير شهادة زور.
لي يا سيادة الرئيس بسؤال مباشر لماذا تصر الجزائر ان تبدو لمن يراها من الخارج دولة عسكرية لا مكان فيها لمؤسسات البلد الدستورية ؟!اي نعم هذه المؤسسات موجودة لكن الملاحظين يتساءلون لما يجري في بلدكم .وينتهي الى القول ان رئيس الاركان هو الرئيس وليس العكس وقد اعطيك مثالا بسيطا شاهدته البشرية جمعاء كيف حضر الفريق شنقريحة اثناء استقبال الفريق الكروي الجزائري بعد عودته من قطر فقد تسلم الفريق الكأس من يد اللاعب بعدكم مباشرة وكأني بالفريق هو من يحكم ولست انت الرئيس المنتخب .في بلدي وفي غيرها الفريق او الجنرال في ثكنته ولا يدلي بدلو لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الكرة يعرف ًمهنته بصورة احترافية ويحظى بكل احترام وتقدير من كافة اطياف المجتمع ؛كما في البلدان والاقطار العالمية ؛الا في الجزائر الشقيقة الجيش اهم من كل شيء وكأني بسياسيي هذا البلد سلموا رقابهم لهذه المؤسسة فنابت عنهم في التفكير والتدبير وفي كل شيء. اليس هذا ما يدعو الى القول انكم ترسمون خطا مستقيما لا مكان فيه لغير العنف والقتل والحروب والمآسي والتهجير؟!
فخامة الرئيس بلدينا متخلفين وفقيرين ونموهما ضعيف وسكانهما يفضلون الهلاك في قوارب الموت عوض البقاء في البلد عاطلين عن العمل وبدون افق. هذه حقيقة لا يجب ان تنكرها إذا كانت لديك شجاعة ادبية. لم اذن تريد صناعة مغرب عربي كما تدعي مكون من ست دول عوض الخمسة التي صادق عليها الرؤساء يوم سابع عشر فبراير في مراكش سنة1989 ؟!الم يكن حريا بكم ان تطلبوا من زعماء الجبهة الانفصالية الالتحاق بوطنهم الام ليساهموا؛ كل من موقعه؛ في بناء وازدهار المنطقة عوض الدفع بهم وبمرتزقة آخرين الى تشتيت المنطقة عوض توحيدها؟!
لماذا لا تكشفون العالم عن نواياكم الحقيقية من وراء هذا النزاع المفتعل؟! لو كنت مكانكم لفكرت الاف المرات قبل ان اقدم على فعل يشتت المنطقة لان الحزائر كبلد ضخم المساحة سيكون اول المستهدفين بالتقسيم والتشتيت . ولنا في ثقافتنا الشعبية ما تدعو إلى التريث فنقول ياقاتل باش تموت!.
المستقبل يا سيدي لا نملكه لا أنا ولا أنت المستقبل للشباب الذي يحتاج الى السكن والعمل والى توفير الخدمات الصحية والاجتماعية والترفيهية لنفسه ولأطفاله ولمجتمعه انتم بسياساتكم هاته تدفعون المنطقة الى ان تصبح فعلا تحت الحماية من جديد فواقع الحال يقول فعلا انكم قاصرون على صنع السلم والاخاء والقوة بوحدتكم.
هل فكرتم يوما ما ماذا يمثل المغرب والجزائر بمفردهما بدون تونس الشقيقة ولا موريتانيا ولا ليبيا أكثر من ثمانين مليون بل مئة مليون مستهلك في خمس بلدان بموارد مالية تتجاوز خمسمئة مليار دولار او اورو وبمؤسسات اقتصادية كبرى وبموارد طبيعية فيها كل شيء بترول وغاز وحديد وفوسفات وزنك ونحاس وكوبالت ووووو وبمرارع لا حد لها تنتج حاجيات السكان وتلبي أغذيتهم بما يكفيهم وزيادة وتصبحون قوة دولية جديدة برغم انف العالم.
أنا أعلم أن الجزائر غالية عند مواطنيها وأخبرك أن المغرب، كذلك، والصحراء لن تكون إلا مغربية بقوة منطق التاريخ لأجلها يحيى المغاربة ولأجلها يموتون.