الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: خدعة المصالحة 

محمد بوبكري: خدعة المصالحة  محمد بوبكري
لم تكن الدعوة للمصالحة، التي أطلقها زعيم الاتحاد تزامنا مع ذكرى اغتيال عريس الاتحاد الاشتراكي المهدي بنبركة، إلا خدعة كبرى، اختلط فيها الابتزاز والاتجار بدماء الشهداء. لقد دعا زعيم الاتحاديين لمصالحة داخل الاتحاد  الاشتراكي، بعد أن كان الحزب قريبا من السكتة القلبية القاتلة، التي أوصلته لها سياسة الزعيم الاقصائية، وكان لا بد لزعيم "العرعار " من "سيروم" الشرعية حتى يضمن المزيد من التسلط على مفاصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تحججا بأن مصالحة الاتحاديين كانت على يديه وفي عهده ومنحته الشرعية اللازمة للاستمرار.
لقد تبين الآن أن ما سُمي بمصالحة لم يكن سوى سجل تجاري لدى الزعيم، يستعمله في الوقت المناسب، كما الحال اليوم عندما تم إخراج هذه الورقة قبيل المؤتمر الوطني وإظهار أهميتها لتضيف مزيدا من الولايات للزعيم. لقد نجح زعيم "العرعار" في خداع مواليه وبعض من كان يسعى لمصلحة وغاية في نفسه، لكنه لم يخدع الاتحاديين، الذين بدا لهم أنه يبحث عمن ينقد شرعيته المتهالكة، ولهذا لم يشهدوا مسرحيته أو انسحبوا منها بعد أن ظهرت لهم مراميها الحقيقية لتبيض سواد سياسات الزعيم، والتي لم يكن يكفي فيها لا الماء ولا الثلج ولا البرد.
إنه يخادعنا بالمصالحة ويشهرها في الوقت الذي يريد، لكن ما الذي أنتجته هذه المصالحة الخادعة الزائفة؟ هل عاد مثقفو الحزب ومفكروه ومؤرخوه واقتصاديوه وخبراءه لحضن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟ هل عاد مناضلو الاتحاد الحقيقيين لحزبهم؟ هل عاد الاتحاد لسابق عهده عندما كان خلية لا تتعب من الإنتاج ومن التفكير ومن المشاريع؟ لا شيء من ذاك تحقق في هذه الخدعة التي يستعين بها اليوم زعيم الاتحاد ليمدد ولاياته لما لا نهاية.
الذي تحقق بعد المسرحية الخدعة هو مزيد من تفريخ الموالين والأتباع والمليشيات، وإنتاج المزيد من الفراغ الفكري والسياسيي، فأصبح الاتحاد مشتلا لمن يبحث عن ريع أو عن مصلحة. ولا حاجة لي، كما جرت عاداتي، على تذكير الزعيم بعداءه الكامل لوجود المثقفين والمؤرخين والخبراء داخل الحزب، بل واعتبار تواجدهم معرقلا لحركية الحزب، بل اعتبر أنه حاجته ستكون لمجندين لا يعصون الأوامر ولا يستفسرون ولا يسألون، وهذا ما أ سره لي شخصيا. 
والواقع أن تواجد المثقفين والخبراء كان سيكون معرقلا لفكر تسلطي يريد الصوت الواحد والقرار الواحد والزعيم الواحد.
ما الذي يفعله الزعيم في الوقت الراهن، بعد أن يدجن مواليه بأن شرعيته نابعة من مصالحة الاتحاديين، إنه يمارس هوايته المُفضلة وهي تقديم الوعود، والأطماع ويعد هذا بعضوية جهاز مقرر داخل الحزب، ويعد الثاني بمنصب بالبرلمان، ويعد الثالث بعضوية مؤسسة دستورية، ويعد رابعا بتهيئه لقيادة الاتحاد الاشتراكي.
ولعله من المضحك والمخزي أن نعلم أن وعود الزعيم بعضوية المكتب السياسي، المقبل في حال استمراره على رأس الحزب، فاقت لحد الساعة 140 وعدا، وعندما فطن الموعودون بهذا الكم الهائل من الكذب والخداع صاروا يتبادلون فيما بينهم قصص هذه الوعود، والتي كان الزعيم يلقي فيها الورود وقصائد المدح لمواليه، ويعتبرهم قادة تاريخين ولدوا ليقودوا. هذا في المكتب السياسي الذي يعد مركز القيادة داخل الحزب فما بالنا بوعود عضوية المجلس الوطني ربما وصلت للآلاف.
وهذا ما يفهمنا سر التصويت لصالح المقررات اللاشرعية داخل دورة المجلس الوطني والتي هيأت طريق الزعيم للعهدة الثالثة.
يستطيع زعيم "العرعار" أن يخدع أتباعه بموال المصالحة والشرعية مصبوغة بالكثير من الوعود، لكنه لن يستطيع خداع التاريخ وخداع الاتحاديين الحقيقيين، الذين يعرفون مراده الأصلي، وهو التمكن الكامل من مفاصل الحزب، والاستيلاء الكامل عليه، بعد سلسلة الوعود التي سيتنكر لها فور تحقق مراده، ولهذا فإن الزعيم عاجز تمام العجز عن ايجاد موالين لهم وأتباع دون توزيع المناصب والمصالح والوعود والكثير من الكذب.
أما خداع الاتحاديين الأصلاء، الذين لا تستهويهم المناصب ولا يسعون إليها بالتملق والتمسح والتزلف، فصعب ومستحيل، لأنهم يدركون تفاصيل هذه المسرحيات التافهة.
ويمكن أن أطرح السؤال، على الزعيم، ومعي الكثير من الاتحاديون، إن كانت شرعيتك الآن في الاتحاد لا غبار عليها ولا يدخلها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، فلماذا تسعى للتحكم في كل جزئيات المؤتمر، وتفاصيل وحتى تقليص عدد المؤتمرين وعقد مؤتمر عن بُعد بمؤتمرين معينين، ذاك لأن خوفك كبير من الديمقراطية، هكذا باختصار، هذا إن لك الحق في الترشح من الأصل.
لقد آن الآوان ليعلم كل اتحادي مهما علا شأنه أو نقص أن زعيم العرعار يملك سلاحا واحدا لخلق الموالين والأتباع الذين يعبدون طريقه نحو التسلط، وهو سلاح الوعود الكاذبة بالتموقع واحتلال المناصب واالمواقع الحساسة، لكن سرعان ما يظهر أن تلك الوعود لم تكن سوى سرابا وهذا ما أظهرته الكثير من التجارب، وعلى الاتحاديين أن يعوا هذا الأمر خدمة لحزبهم ووطنهم.
 
محمد بوبكري، مرشح الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية