الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الوهاب الدبيش: إسبانيا عدونا الأول والجزائر بيدق

عبد الوهاب الدبيش: إسبانيا عدونا الأول والجزائر بيدق عبد الوهاب الدبيش

أن ينتبه المغرب إلى أن إسبانيا هي عدوه الاستراتيجي الأول والوحيد فهذه في حد ذاتها  طفرة نوعية في بناء التوازن المرغوب فيه مع أوروبا وأبرزهم إسبانيا.

الإسبان يحتلون مدننا في الشمال وثكناتهم العسكرية في الجزر المغربية المحتلة وصراعنا مع هذه الدولة ومع مجتمعها صراع أبعاده التاريخية عميقة جدا وبعضها يعود إلى ما قبل احتلال سبتة سنة 1415 ميلادية من قبل البرتغاليين.

إسبانيا  كانت وراء تأسيس البوليساريو وكانت وراء دفع الجزائر لتلعب دور البيدق في الصراع مع المغرب أو لنقل إنها واجهة الصراع ووراءها إسبانيا صاحبة الامتياز في هذه المواجهة.

إسبانيا دولة دينية حتى ولو تبنت دستورا علمانيا فالكنيسة الكاثوليكية موجودة في ذهنية الإسبان وصور الصراع القديم الجديد بين الإسلام والمسيحية لم تنمح من ذاكرة الإسباني الذي مارس حربا تطهيرية ضد الديانات التوحيدية الأخرى وأساسا اليهودية والإسلام.

رغم الأزمات والحروب الأهلية والمذابح والحربين العالميتين الأولى والثانية لم تتخل هذه الدولة عن عدوانيتها تجاه المغرب والمغاربة، احتلت الصحراء قبل الشمال لاعتقادها أن ذلك من شأنه أن يجر المغرب إلى متاهة البحث عن السيادة التي انتهكت مع احتلال إسبانيا الأقاليم الجنوبية في ثمانينات القرن التاسع عشر، واستكمل الانتهاك بالحماية الفرنسية والإسبانية بالشمال ومعها كل المواقع التي لا تزال تحت الاستعمار الإسباني.

لم يمنع استقلال المغرب سنة 1956 من استمرار إسبانيا في سياستها الاستعمارية، تارة عبر إغراق السوق المغربية بمواد تساعد على إصابة الاقتصاد المغربي في مقتل، وتارة أخرى عبر التوغل الثقافي واللغوي الذي انتشر بهذه المناطق عبر جمعيات ثقافية واجتماعية، كانت إسبانيا هي المساند المالي والرسمي لها..

ووجد المغاربة انفسهم في وضعية البلد المستباح، رغم حصولنا على الاستقلال، كان بإمكانها أن تسلم الأقاليم الجنوبية للمغرب كما فعلت مع أقاليم طرفاية وسيدي إفني قبل سبعينات القرن العشرين، لكنها تعمدت أن تعلن أنها ستترك الأقاليم الجنوبية تتخذ قرارها بالاستقلال عنها وتأسيس دويلة جنوب المغرب.

طفرة النفط دفعتها إلى اختيار الجزائر كبلد يتبنى "القضية الصحراوية" لأنها لم تكن ترغب في مواجهة مباشرة مع المغرب خوفا من الدعم العربي الخليجي للمغرب الذي كان يمثل رقما مهما في السياسة والاقتصاد بإسبانيا.

ولأن إسبانيا تجنبت هذه المواجهة المباشرة فقد دفعت حلفائها بأوروبا الغربية إلى مساندتها في أطروحتها العدائية ضد المغرب الذي ظل يناور حتى لا يفقد السيطرة على مجاله، وفي ظروف صعبة جدا أدخلت الدولة في دوامة الديون والاستدانة.

الوعي الجديد للدولة ونهجها سياسة دولة المواطنة على نمط بوتين وترامب وبوريس جونسون واردوغان أعطت للدولة نفسا جديدا يقويها في مواجهة غطرسة دولة إسبانيا.

المشكلة إذن مع الإسبان الذين يمارسون الكيل بمكيالين تواجد اقتصادي بالمملكة ما يمنحها الشريك الاقتصادي للمغرب مقابل استفادتها من مياهه الإقليمية وثرواته السمكية التي لا يمكن إلا أن تلوي دراع مدريد لما يمثله حصن السمك في موائد الدولة الإيبيرية، وفي نفس الوقت الدفع بالجزائر إلى تبني التطرف في مواجهة المغاربة في قضيتهم الأولى.

المشكلة إذن تكمن في إجبار بلاد  الريال والبارصا على تبني موقف المغرب والإقرار بأحقيته التاريخية في أقاليمه الجنوبية آنذاك.. ستنقشع السماء ولن يبقى أمام البيدق الجزائري غير أن ينطوي وينكمش، فقدرته على المواجهة أصيبت في مقتل، ولكونها أيضا لا تملك سيادتها، فكيف لها أن تدافع على غيرها...