الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الله أبوإياد العلوي: من أجل توفير البيئة الحمائية لمراكز حماية الطفولة

عبد الله أبوإياد العلوي: من أجل توفير البيئة الحمائية لمراكز حماية الطفولة عبد الله أبوإياد العلوي
إن توفير البيئة الحمائية لمراكز حماية الطفولة يستند على عدة مداخل، تشكل المضامين البيداغوجية والتربوية والتكوينية فيها قطب الرحى، باعتبار ذلك يعد الضامن لزرع الأمل عند هذه الشريحة من الأطفال، لاسيما وان تربيتها على قيم العيش المشترك والتسامح والمواطنة وعلى تقبل الإختلاف، وتسليحها بمهارات أساسية، قادرة على تقوية الشخصية ومواجهة المستقبل بأمان .
كل هذا وبدون ان نغفل دور الأسرة التي تظل الوسط الطبيعي المناسب لاحتضان هؤلاء الأطفال، وحتى يكون لها  دورا  في علاجهم وتأهيلهم وتمكينهم وجب تدخلا يستند على  المقاربة السوسيولوجية، تؤطر العمل معها، وهنا فإن تشخيص الوسط الأسري للطفل وقياس ارتباطه به وتحديد البعد العلائقي بين الطفل وأسرته، سيضمن المناهج الدقيقة للعلاج والتأهيل والتمكين. 
 ويمكن للبحث العلمي في هذا المجال، أن يعطي الحلول الناجعة لتطوير منظومة حماية الطفولة ، والمعهد الملكي لتكوين أطر الشباب والطفولة الذي يتوفر على المؤهلات والتجربة الكافيتين لمرافقة الوزارة في تشخيص وتأهيل هذه المنظومة بأدوات حديثة تقارب جميع المكونات وتحترم الخصوصية المغربية، وذلك انطلاقا من القناعة المتجددة عبر البحث العلمي التي تنص على أن التربية عملية إنسانية توظف المعارف والعلوم والفنون والتقنيات من أجل إدراك المرء وتمكينه من اقتدارات ومهارات الولوج إلى الحياة والإسهام في تصنيعها والمشاركة في قيادتها بالتركيز على افساح كل آفاق الإحساس بالأمان والثقة كسبل لإدراك الذات الذي بدونه يصعب الولوج إلى الحياة بمعناها الإنساني المتحضر.
فقضايا الأطفال أصحاب التصرفات المضطربة عامة والجانحة بالخصوص أهمية بالغة الحدة لدى الباحث في الفعل التربوي المتخصص بكل أبعاده الصحية، والنفسية، والتربوية والاجتماعية. هذا الفعل الذي يعاني من عدة صعوبات تعود بالأساس إلى التوجهات التي تتحكم في تدبيره قانونيا وماليا وإداريا. بالإضافة إلى ما يعانيه من وصم على الأصعدة الاجتماعية والحقوقية والسياسوية.
لا شك أن الفعل التربوي الذي يحتاج إليه الفرد الإنساني يحتاج إلى التساؤل عن حقيقة العلاقة التي يتم نسجها معه منذ المراحل العمرية الأولى من حياته لأن إدراكه لذاته وتقديرها كثيرا ما يتأثر سلبا أو إيجابا بالمناخ الأسري والسوسيو-ثقافي الذي يتواجد في احضانه، والذي تعتبر الأفعال التي يقدم عليها نيابة عن الفرد بدل تيسير اقدام هذا الأخير عليها بنفسه فيسقط في الإضرار باستقلاليته وادراكه لمسؤولياته ويقوض مكنوناته الإبداعية، ويحول دون قدرته على تصحيح اخطائه، وتطور ايقاعه الشخصي وارتقائه الفكري.
 وفي العملية التربوية المعتمدة داخل فضاءات العلاج والتأهيل والتمكين وبدائلها الموجهة لصغار السن عامة وأصحاب التصرفات المضطربة كثيرا ما يتم التركيز على بناء الذات وتقويتها عبر عدة مقاربات علمية غايتها امتلاك المستفيد لمشروعه الشخصي قابل للقياس العلمي وعلى ضوئه يمكن تطوير مناهج، وبرامج العلاج والـتأهيل والتمكين. لكن الإقصاء المتعمد للبحث العلمي المتخصص والتقصير غير المبرر في تأمين القدر الكافي من الموارد البشرية المؤهلة بشكل متخصص داخل الفضاءات المكلفة بإعمال تدابير العلاج والتأهيل والتمكين. كثيرا ما تعيق كل الإرادات الطيبة والنيات الحسنة التواقة للنهوض بالتربية عامة والفعل التربوي المتخصص داخل تلك الفضاءات.
 وعلى ضوء التصريحات الأخيرة لوزير الشباب والثقافة والتواصل أمام مجلس النواب التي عبر فيها بالخصوص بشعوره بالخجل عندما زار مراكز حماية الطفولة والألم الذي أحس به جراء الوضعية المزرية لهذه المراكز يجذر التساؤل هل سيكون من واجب الحكومة التي لم توفر أي منصب مالي لقطاع الشباب والطفولة، أن تتقاسم مع الوزير شعوره بالخجل وتنتفض على هذه الوضعية، وذلك عبر تمكين هذه الفضاءات من مقومات الأداء المتحضر لرسالتها التربوية والاجتماعية والأمنية والحضارية بشكل سليم؟
إن تغييب البحث العلمي المتخصص وعدم السماح بالشراكة بين المعهد الملكي لتكوين أطر الشباب والرياضة باعتباره المؤسسة المؤهلة في تكوين الأطر المتخصصة للعمل مع الأطفال والشباب خارج الصفوف المدرسية أي العمل في الشوارع والأحياء والدواوير وبدور الشباب والأندية النسوية ومراكز تربية الطفولة الصغرى ومراكز حماية الطفولة، وتدبير أنشطة المصاحبة التربوية والمساندة الاجتماعية لصغار السن المحالين على ما يسمى بنظام الحرية المحروسة والتقصير في توظيف خريجي هذه المؤسسة الذين يتحملون مهام تربوية تستهدف علاج وتأهيل وتمكين صغار السن ومساندة أسرهم، وتأطير محيطهم عبر الفعل التربوي المتخصص القائم على الإنماء الشخصي والأمان الاستباقي المحاصر لكافة التصرفات الضارة بالسلامة الفردية والجماعية بالتركيز على البرامج التربوية المؤهلة للحضارة والتي يعتبرها بعض القيمين على القرار المالي أنها مجرد أنشطة ترفيهية يمكن التخلص منها وإسنادها إلى بعض الجمعيات بشروط معينة وهو تقييم يجانب الصواب ويحول دون قيام هذا الصنف من الموارد البشرية المتخصصة .
   إن الخجل في شان قضايا الطفولة والشباب باعتبارها مهمة من مهام التربية والتكوين خارج الصفوف المدرسية هو تعبير ينم عن بعد أخلاقي متحضر لدى شخص قيم على أداء سياسي داخل قطاع  من أهم القطاعات التربوية والاجتماعية والأمنية بامتياز. وقد جاء هذا في البدايات الأولى من عمر الحكومة الجديدة. فهل نستطيع استثمار هذا الخجل في انجاز تحولات إيجابية غبر فتح أوراش عمل تقوم على التكامل من أجل علاج قضايا الطفولة والشباب بوصفها صعوبة من صعوبات التربية والتكوين خارج الصفوف المدرسية؟
إن المسالة تحتاج إلى معالجات قانونية ومالية وتدبيرية عميقة قد لا يحتاج البحث فيها إلى تكلفة مادية وخبرة أجنبية والامر يتطلب إرادة سياسية صادقة تؤمن المعالجة القانونية والمالية والتدبيرية، وذلك بإعادة النظر في أحكام الكتاب الثالث من قانون المسطرة الجنائية وذلك بالتركيز على المواد المتعلقة بتدابير العلاج والتأهيل والتمكين والمسماة في المادة 481 من هذا القانون بتدابير الإصلاح والتهذيب وإعادة النظر في نظام الحرية المحروسة وتبديله بنظام المصاحبة التربوية والمساندة الاجتماعية. وإعادة النظر في النصوص المتعلقة بحماية الأطفال ضحايا الجرائم والأطفال في وضعية صعبة، مع تأهيل مراكز حماية الطفولة وربطها بالبحث العلمي والتوجيه التربوي المتخصص عبر شراكة مع المعهد الملكي وتسمية البعض منها بالمراكز الجامعية لحماية الطفولة ومساندة الاسرة يسند لها التوسع في الوظائف لتطال العناية العلمية بالأطفال وبأسرهم، بالإضافة إلى وضع نظم جديدة للعمل العلاجي والتأهيلي والتمكيني بمراكز حماية الطفولة يقوم على الاستقبال المركز على التشخيص والتصنيف والتوجيه . تم العلاج القائم على العناية الصحية والنفسية والتربوية. وكذا التأهيل المهتم بتطوير الاقتدارات والمهارات الحياتية والتمكين الذي يسمح بالولوج إلى الحياة والإسهام في تصنيعها والمشاركة في قيادتها.
إن الاستعداد للإسهام في إنجاز بناءات فكرية ودعامات تربوية وترسانات قانونية وموارد بشرية فعالة جد متوفرة وبشكل متجدد لدى فرق البحث والتكوين بالمعهد الملكي لتكوين أطر الشباب والرياضة سواء تعلق الأمر بشعبة الطفولة والشباب أو اتصل بشعبة الرياضة لتخليص الفضاءات العاملة مع صغار السن من  أصحاب التصرفات المضطربة من كافة الشوائب الباعثة على الخجل لدى القيمين عليها. فهل يستطيع الوزير المختص التجاوب مع هذا الاستعداد اللامشروط لكيان علمي وأكاديمي متخصص؟ 
وتجدر الإشارة إلى أن الأمر لايتعلق بمراكز لإحتضان الأطفال أصحاب التصرفات المضطربة كفنادق مصنفة عبر النجوم، ولكن الأمر يتركز بالدرجة الأولى على كيف سيحال هذا الطفل على تدبير من التدابير العلاجية والتمكينية وكيف سيمتلك مقومات التصالح مع ذاته والتوفر على دستوره الشخصي الذي يؤهله ويمكنه من الإنخراط في صياغة وإعمال الدساتير الجماعية والدستور المجتمعي المطلوب التركيز على الموارد البشرية المؤهلة كما ونوعا ومحتويات بناء المقاربة العلاجية والتمكينية المناسبة لكل طفل على حدة . إننا داخل هذه المنشآت لسنا أمام متعلمين متجانسين داخل فصل دراسي، ولكننا نحن أمام حالات فردية تتطلب مناهج وبرامج فردية تستثمر العلم والمعرفة والرقمنة في بسط الخطة وإعمالها والحرص على التقييم الموازي والمرحلي والنهائي لنتائجها التي يجب أن يكون لها انعكاسات إيجابية على شخصية الطفل وعلى كيانه الأسري ومحيطه الاجتماعي.
 د عبد الله أبوإياد العلوي  أستاذ باحث في العلوم النفسية والإجتماعية