الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويسي: الخطاب الملكي.. "المغرب تغير فعلا، لكن ليس كما يريـدون"

عزيز لعويسي: الخطاب الملكي.. "المغرب تغير فعلا، لكن ليس كما يريـدون" عزيز لعويسي

وجه الملك محمد السادس، خطابا إلى الشعب بمناسبة الذكـرى 68 لثورة الملك والشعب، أكد في مستهله أن هـذه الثورة المجيدة، تعد خير مناسبة لاستحضار قيم التضحية والوفاء في سبيل الحرية والاستقلال، مضيفا أن الذكرى ليست فقط حدثا تاريخيا، وإنما ثورة مستمرة، تلهم الأجيال المتعاقبة، بنفس روح الوطنية، للدفاع عن الوطن ومؤسساته ومقدساته، واضعا الذكـرى في صلب ما يعرفه المغرب من دينامية متعددة الزوايا، وفي سياق ما ينتظره من رهانات سياسية وتنموية، مرتبطة بالأسـاس بالانتخابات المرتقبة يوم 8 شتنبر المقبل، والمشاريع والإصلاحات المنتظر إطلاقها في إطار تنزيل النموذج التنموي الجديد، وتفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية.

 

ارتباطا بالانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، أكد الملك، أن إجراء هذه الاستحقاقات في نفس اليــوم "يؤكد عمق الممارسة الديمقراطية، ونضج البناء السياسي المغربي"، مسترسلا في القول، أن هذه الانتخابات ليست غاية في حد ذاتهـا، وإنما "وسيلة لإقـامة مؤسسات ذات مصداقية، تخـدم مصالح المواطنين، وتدافـع عن قضايا الوطـن"، من منطلق أن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية، وهذا يشكل سلاحا ناجعا للدفاع عن البلاد وقضاياهـا، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات.

وهي رسالة موجهة إلـى الأحزاب السياسية وكل الفاعلين السياسيين، الذين يتحملـون مسؤولية الحرص على تجويــد واقـع الممارسة الحزبية والسياسية، والارتقــاء بمستوى العملية الانتخابية المرتقبـة، التي لابد أن تجــرى في إطار من المســؤولية والشفافية واستحضـار للمصالح العليا للوطن، بشكل ييسـر فرص إدراك مؤسسات حقيقية ومسؤولــة، قـادرة على خدمة المواطن والاستجابة لحاجياته وتطلعاته، والإسهـام في إنجاح مختلف المشاريع التنموية ذات الصلة بالنمــوذج التنموي، والدفـاع عن قضايا الوطـن، من منطلق أن قـوة الدولة مـن قــوة مؤسساتهـا.

 

عقب ذلك، وجه الملك البوصلة، نحو الهجومات المدروسة التي تعـرض لها المغرب في الآونـة الأخيرة من قبل بعض الدول والمنظمات المعروفة بعدائها للمغرب، مستعرضا الأسباب التي تجعل المغـرب مستهدفا، والتي حددهـا في المكانة التاريخية للبلد، كدولة عريقـة، تمتد لأكثـر من اثني عشر قرنا، وتاريخها الأمازيغي الطويـل، ونظام حكمها الذي تأسس منذ أزيـد من أربعة قــرون على ملكية مواطنة في ارتباط قوي بين العرش والشعب، فضـلا عما يتمتع بـه المغرب من نعم الأمن والاستقرار، التي لا تقــدر بثمـن، في ظل التقلبات، التي يعرفها العالم، وبالرغــم من ذلك، يحظى المغرب بسمعته ومكانته، وبشبكـة علاقات واسعـة وقويـة، كما يحظى بالثقة والمصداقية، على الصعيديــن الجهوي والدولي كما أكد ذلك الملك.

 

وارتباطا بموضوع الوحدة الترابية، أشار الملك محمد السادس إلى ما يتعرض له المغــرب من عملية عدوانية مقصودة من قبل خصوم وأعداء الوطن، الذين "ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، ولا يريــدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا".. وفي سياق متصل، تطرق جلالته، إلى واقع حال العلاقات بين المغرب وبعض  دول الجوار الأوروبي، مؤكدا في هذا الصدد أن بعض الدول الأوربية تخاف على مصالحها الاقتصادية وعلى أسواقها ومراكز نفوذها بالمنطقة المغاربية، كما أن بعض قياداتها "لم يستوعبوا بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي، ولا تستطيع أن تساير التطـورات"؛ مضيفا أن هـــؤلاء "لا يريدون أن يفهموا، بأن قواعد التعامل تغيـرت، وبأن دولنا قــادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها، لصالح شعوبها".

 

واسترسالا في حديثه، أثار الملك، ما تعرض له المغـرب مؤخرا من حملة واسعة، استهـدفت التشويـش على مؤسساته الأمنيـة، ومحاولة التأثيـر على قوتها وفعاليتها المعترف بها دوليـا، وقد أكد في هذا الشأن، أن "رب ضارة نافعة، فمؤامرات أعــداء وحدتنا الترابية، لا تزيـد المغاربة إلا إيمــانا وإصرارا، على مواصلة الدفـاع عن وطنهم ومصالحه العليا"، مضيفا "أننا سنواصل مسارنا، أحب من أحب، وكره من كره، رغــم انزعاج الأعداء، وحسد الحاسدين".

وهي رسالة مكشوفة موجهـة لأعداء وخصوم الوطن، ولكل المتورطين في الحملة الابتزازية التي طالت الأجهــزة الأمنية المغربيــة، مفادها أن المغـرب مـاض في مساره الاقتصادي والتنموي والدبلوماسي، وأن مؤامرات الأعـداء والحاقدين، لن تزيـده، إلا قـوة وإصـرارا.

 

وبخصوص الهجمات التي يتعرض لها المغرب، فقد أوضح الملك "أن المغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون، لأنه لا يقـبل أن يتم المس بمصالحه العليا، وفي نفــس الوقت، يحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنـة خاصة مع دول الجــوار"، كما حدث بالنسبة للعلاقات المغربية الإسبانية، التي مرت في الآونــة الأخيرة بأزمة غير مسبوقة، كان  لها الأثر العميق على الثقة المتبادلة، مشيرا إلى في هذا الصدد، أن الحوار جار مع الطرف الإسباني في إطار من الهدوء والوضوح والمسؤولية، ومن الحرص على تعزيز الثوابت التقليدية التي تحكم العلاقات مع الجيران الإسبـان، بالفهم المشترك لمصالح البلـدين الجارين، وهو الحوار الذي تابعـه  جلالته بشكل شخصي ومباشر، كما يتابع تطور المفاوضات الجارية، ليس من أجل الخـروج من الأزمة، بل ولجعلها "فرصة لإعـادة النظر في الأسس والمحددات، التي تحكم هذه العلاقات"، مما يؤشر على أن مرحلة جديدة آخذة في التشكل بين البلدين، قوامها الثقــة والشفافية والاحتــرام المتبادل، والوفــاء بالالتزامات، فـي إطـار المنهج الجديـد للدبلوماسية المغربية القائم على إعادة بناء علاقات ثنائية ومتعددة الأطـراف مع جيرانه الأوربييــن، مبنية على ضوابط التوازن والاحترام والتقدير والالتـزام واستحضـار المصالح العليا للوطــن.

 

وفي هذا الصدد، وبقدر ما يتطلع المغرب إلى علاقات جديدة مع الحكومة الإسبانية ورئيسها بيدرو سانشيز، بقدر ما يحرص على الالتـزام الذي تقـوم عليه، علاقات الشراكة والتضامن، بين المغرب وفرنسا، في ظل ما يجمع رئيسها إيمانويـل ماكرون بالملك محمد الســادس من روابـط متينـة من الصداقـة والتقدير، وهي رسالة مفتوحة لأعـداء الوطن الذين  تعاملوا مع "اليد الممدودة" بغبـاء وعنـاد قل نظيرهما، مفادها أن المغرب يحرص كل الحرص على علاقاته  التاريخية والاستراتيجية مع شركائه الأوربييـن، في إطار من النضج والمسؤولية والتبصر والاحتــرام المتبـادل والتعاون المشترك، والحــوار البنـاء والمثمـر كما يحدث مـع الجارة إسبانيـا.

 

والانخراط المسؤول في فتـح آليـات الحوار والتفــاوض المسـؤول مع الجــارة الشمالية إسبانيا، على الرغم مما وصلت إليـه العلاقات المغربيـة الإسبانية من أزمة غير مسبوقــة، لـن يكـون إلا انتكاسة  للأعـداء الخالدين في الجزائر الذين مازالوا يعيشون أوهـام الماضي، ونقطة نهاية  لسياسة "اليد الممدودة" التي ستعلق  إلى أجل غير مسمى، في انتظـار أن يظهر في الجارة الشرقية  حكماء وعقـلاء، تـتـيـسـر معهم قنـوات الحوار والخطاب والتصالح، وربما أحسن رد أو جواب على هؤلاء العابثيـن، هـو  ترقـب فتح صفحة جديدة ومشرقة مع الجـارة الشمالية.

 

وكما بدأه، فقد أنهــى الملك محمد السادس خطابـه، بربـط حدث ثـورة الملك والشعب، بـما نمر منه من مرحلة جديدة، تقتضي الالتزام بروح الوطنية الحقة، وقد قال جلالته في هذا الصـدد: "إذا كانت ثـورة الملك والشعب، قد شكلت منعطفا تاريخيا، فـي طريق حريـة المغرب واستقلاله، فإننا اليـوم، أمام مرحلة جديدة، تتطلب الالتزام بروح الوطنية الحقة، لرفــع التحديات الداخلية والخارجية"...