الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عزيز رزنارة: ماذا لو تفاوض الحشاشون والمهربون العرب بدل الرؤساء والزعماء

عزيز رزنارة: ماذا لو تفاوض الحشاشون والمهربون العرب بدل الرؤساء والزعماء عزيز رزنارة

في معرض حديثنا عن الأزمة اليمنية، سألت صديقا يمنيا عن السبب في عدم صمود أي اتفاق هدنة بين الأطراف المتحاربة، وعن غرابة بعض التحالفات التي كانت متنافرة بالأمس فإذا هي اليوم متحالفة ضد بعض أصدقاء الأمس. ويعلم الله من سيكون غدا الحليف أو العدو الجديد. ضحك صديقي اليمني ضحكة هي أشبه بما وصفه المتنبي بأنه "ضحك مثل البكا". وقال:

"الهدنة الوحيدة التي يحترمها جميع الفرقاء المتحاربون باليمن ولا يجرؤ أي واحد على انتهاكها لأنها مقدسة لدى الجميع، هي وقت مضغ القات. لو تمت برمجة اللقاءات والمحادثات بين الفرقاء وقت مضغ القات لتم إيجاد الحلول لكل المشاكل".

 

ولم يتركني صديقي اليمني أستفيق من ذهولي، قبل أن يضيف:

"يا عزيزي، يكفي أن تعلم بأنه خلال حرب الرئيس علي عبدالله صالح مع الحوثيين قبل أن يتحالف معهم، كان جنوده الذين يحرسون الأسرى الحوثيين يخرجونهم من زنازينهم عندما يحين وقت القات ويجلسون سويا في نفس المكان للتخزين والاستمتاع بتلك اللحظات الجميلة. وبعد انتهاء وقت التخزين يعود الأسرى إلى زنازينهم، والحراس إلى مراكز المراقبة".

 

شيء لا يصدق، ولكنه يحدث تقريبا بين كل الفرقاء المتحاربين على حدود الدول العربية. بين المغرب والجزائر حدود مقفلة بإحكام منذ ما يزيد على 40 سنة، تمنع أي دخول أو خروج بينهما، إلا على المهربين بمختلف تخصصاتهم: مهربو البنزين والمواد المدعمة من الحكومة الجزائرية في اتجاه المدن المغربية القريبة من الحدود ومنها إلى باقي التراب المغربي، الملابس والسلع والخضراوات المغربية تنفذ إلى داخل الجزائر عبر حدود من المفروض أنها مقفلة. بل الأخطر من كل هذه الأنواع من المبادلات غير المعلنة هو أطنان المخدرات والأقراص المهلوسة التي تغزو البلدين عبر الحدود المفترض أنها مقفلة، وتصل إلى أعمق مكان في البلدين وتدمر فيهما أغلى وأثمن ثروة مهمة: الشباب والمراهقين من الجنسين. من الأكيد أن هؤلاء الحشاشين والمهربين من الطرفين قد أوجدوا بينهم ميكانيزمات للتفاهم والثقة المتبادلة وهو ما لم تستطع الدبلوماسية الرسمية ولا حتى الموازية توفيره رغم أواصر الدم واللغة والدين.

وقس على هذا نفس الحال في الحدود بين تونس وليبيا، ليبيا ومصر وغيرها من بلاد العرب.

هذا التوافق والتلاؤم بين الحشاشين والمهربين العرب، ألا يمكن استثماره سياسيا وتوكيل هؤلاء الناس بإيجاد حل للمشاكل العالقة بين الدول أو الفرقاء المتحاربين على امتداد الخريطة العربية، مادام أنهم استطاعوا البرهنة على أنهم خلقوا نوعا من الثقة والاطمئنان بينهم وهو الشيء الذي لم يستطع العديد من الزعماء العرب إيجاد حد أدنى منه للتفاهم والثقة.

 

لقد جرب العرب كل أشكال التفاوض والحوار وكل نماذج اتفاقيات الهدنة وإيقاف الدعايات المغرضة. ولم يفلحوا في ذلك.

فهل يضيرهم في شيء لو أوكلوا، ولو على سبيل التجربة، مهمة التفاوض والبحث عن الحلول إلى الحشاشين والمهربين العرب؟

 

لماذا لا نجرب، ولو لمرة واحدة، عقد اجتماع للجامعة العربية على مستوى الحشاشين والمهربين؟ قد يفلحون في استصدار قرار جريء بالإجماع، وقد يجدون فتوى تخرجنا من هذه الردة والتردي الذي يلفنا.

 

اقتراح مضحك، ولكنه، مرة أخرى كما قال المتنبي، ضحك مثل البكا...