لم تمر ساعات على تصريحات وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل التي اتهم فيها الأبناك المغربية بتبييض أموال الحشيش التي تنقلها طائرات الخطوط الملكية المغربية عبر العواصم الإفريقية. حتى تعالت أصوات التنديد بهرطقته، ليس من داخل المغرب وحسب، ولكن من بلدان إفريقية وعربية ومن الجزائر نفسها.
إن ما استوقف انتباهي بخصوص هذه التصريحات، ليس لكونها صادرة عن مسؤول في النظام الجزائري الذي يعادي المغرب بشكل علني ورسمي، وقد سبق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن صرح بذاته لقناة تلفزيونية لبنانية عام 2004 عندما سألته صحافية القناة أن المغرب على حد زعمه "يغرق الجزائر بالمخدرات والطرابيش الحمراء مقابل البترول والأدوية والمواد الغذائية".
ليس للمرة الأولى في تاريخ البلدين أن يطلق النظام الجزائري العنان للاتهام المغرب باطلا بأمور يعلم المسؤولون الجزائريون أنهم هم المتسببون فيها، فهم يصدرون إلى المغرب الأقراص المهلوسة، والأدوية الفاسدة، والأطعمة المنتهية صلاحيتها، فضلا عن تهريب المحروقات التي تعود عائداتها لحسابات جنرالات الجيش الجزائري ووزرائه.
ذكرني هذا الوضع بجواب مولاي أحمد العلوي رحمه الله عندما سألته عام 1999 عندما ترشح عبد العزيز بوتفليقة لرئاسة الجمهورية الجزائرية، وقلت له "هل يمكن أن يكون بوتفليقة استعاد إنسانيته ونأمل خيرا في توليه أمور الجزائر؟" أجابني مولاي أحمد العلوي رحمه الله "قطعا لا .. وألف لا فالجزائر لم يأتنا منها عبر التاريخ سوى الاستعمار والجراد والبوليساريو".
الوزير عبد القادر مساهل وهو يتهم الأبناك المغربية وشركة الخطوط الملكية المغربية بالضلوع في الاتجار بالمخدرات يقدم صورة عن مستوى الإفلاس الذي وصل إليه النظام الجزائري، فالرجل كان محاصرا بأسئلة رجال الأعمال والاقتصاديين في ندوة حول مناخ الأعمال بالجزائر، وأمطروه بوابل من الانتقادات مستشهدين بالفتوحات المغربية في إفريقيا فضلا عن الوضع الذي يحتله المغرب لدى الاتحاد الأوروبي والشراكات الاقتصادية التي تجمعه بكبار الدول في آسيا والولايات المتحدة، والاستثمارات التي تتدفق عليه بفضل نظامه السياسي ومتانة اقتصادية ومستوى الأمن الذي ينعم به.
أمام السيل الجارف من الملاحظات والانتقادات شعر عبد القادر مساهل بأن النظام الذي يوظفه بات في خطر وأن مواقف معارضة قوية تنضج وأن المغرب "العدو اللدود" الذي ظل النظام الجزائري يعلق عليه أسباب الفشل والنجاح أصبح في وجدان الجزائريين نموذجا يقتدى به. وبذلك تحركت نزعة الشر الدفين في نفس الرجل، وانهار عنه القناع السياسي والديبلوماسي والثقافي ونطق بما فيه من الخبث ليكذب على الحاضرين ويضلل السائلين غير مبال بعواقب ما يقول.
لكن الجميل في الأمر أن تصريحاته كانت مثل الزيت عندما يصب فوق النار، فالجزائريون كانوا أول من انتبه إلى هذيان الرجل وكان كلامه حجة على النظام الجزائري وليس له، فانطلقت جحافل الفرسان الجزائريين على صهوة مواقع التواصل الاجتماعي تجلد الوزير المخبول ونظامه وتستهزئ به، واتجهت بعدها وسائل الإعلام تقرع رقبته بتصريحات المواطنين وتحليلات الخبراء وانتقادات السياسيين الجزائريين، مشيدين بالتقدم الذي حققه المغرب بجهد خالص وتفان كبير لملك وشعب لم ينصبان العداء لأحد وإنما اشتغلا بتنمية الوطن.
هنا أقول بأنه إذا كانت من رياح التغيير الإيجابي لصالح الشعب الجزائري فإنها ستهب من المغرب، ولهذا الوزير عبد القادر وأمثاله في النظام الجزائري يخشون أن تفتح نوافذ الجزائر على الجهة الغربية.. تبا له من نظام خبيث ومجرم.